الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في المدبر يباع في المقاسم

                                                                                                                                                                                        وإذا كان في المقاسم مدبر لمسلم ولم يعلم سيده- لم تبع رقبته ، وكانت خدمته لأهل الجيش ، فإن افترقوا بيعت شيئا بعد شيء ، فإن أتى سيده كان أحق به ، وإن لم يعلم أنه مدبر حتى بيعت رقبته ثم جاء سيده- كان بالخيار بين أن يفتديه بالثمن ، ويعود إليه على تدبير ، أو يسلمه فيخدمه المشتري في الثمن .

                                                                                                                                                                                        قال ابن القاسم : فإن استوفاه وسيده حي رجع إليه ، وإن لم يستوف حتى مات وثلثه يحمله كان عتيقا ، واتبع بالفاضل ، وإن لم يحمله الثلث قبض الباقي ، واتبع العتيق بما ينوبه ، وكان له من العبد ما لم يحمله الثلث ، ولا خيار في الفاضل للورثة ، وقد اختلف في هذه الوجوه هل يبقى مدبرا أو رقيقا لمشتريه .

                                                                                                                                                                                        واختلف بعد القول أنه يبقى مدبرا في رجوع فاضل الخدمة في حياة السيد إلى السيد ، وفي اتباع العبد بعد الوفاة والحرية بفاضل الثمن في تخيير [ ص: 3947 ] الورثة فيما رق منه ، والمشهور من المذهب أنه على تدبيره ، وقال ابن القاسم في الدمياطية : يكون رقيقا لمشتريه ، وهو آخر قوله ، وقال محمد بن المواز : للمشتري خدمته حياة السيد ، وإن كثرت ، وقال غير ابن القاسم في المدونة : لا يتبع العتيق بشيء . فأجرى ابن القاسم الجواب فيه على الجناية .

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في العبد يجني جناية هي أقل من قيمته وأسلم السيد خدمته ، هل ذلك تسليم اقتضاء فيرجع إليه الفاضل ، أو تسليم ملك فيكون للمجني عليه جميعها وإن كثرت؟ وعلى القول أنه تسليم ملك- يكون للمشتري المدبر جميع خدمته كما قال محمد ، وما يرق منه بعد موت سيده من غير خيار لورثته; لأن على السيد أن يسلم جميع ما يتعلق به فيه من حق ، كما كان يسلمه لو لم يكن في عقد التدبير ، وإن كان فيه فضل ، وعلى قوله في العبد يجني أنه يباع ليكون الفضل لسيده ، يسلمه ها هنا إسلام اقتضاء ، ليأخذ ثمنه من الخدمة ، ويكون الفضل لسيده ، فإن مات السيد قبل أن يستوفي- خير ورثته في الباقي ، وعلى هذين القولين يكون الجواب في الغرماء [ ص: 3948 ] بعد موت السيد ، وعلى قوله أنه لا خيار للورثة ، لا يكون للغرماء خيار ولا مقال إن كان فيه فضل ، وعلى القول أنه إسلام اقتضاء- يكون للغرماء أن يدفعوا له باقي ثمنه ، ويباع لهم . والأول أحسن ، وهو إذا بيع في المقاسم أقوى منه إذا جنى; لأنه لو كان عبدا لا تدبير فيه- لم يكن للسيد أن يقول : يباع له منه بقدر الثمن ، وأخذ الباقي ، وكذلك اتباعه بعد العتق الصحيح ألا بيع; لأن المستحق منه بعد التسليم على وجهين : ملك وحرية ، فما كان بملك فينتزع إلا بعد دفع الثمن ، وهي خدمة ، وما كان بحرية فلا يتبع بشيء كما لو كان حرا بيع في المقاسم ثم علم أن المدبر ضامن على أن يتبين أنه مدبر ، فلم يفعل ، فبيع بعد الحرية كالحر يقع في المقاسم فيغر من نفسه حتى يباع .

                                                                                                                                                                                        ولو اشترى المدبر من أرض الحرب ثم خرج به مشتريه وهو يرى أنه عبد ثم ثبت أنه مدبر ، وأسلمه سيده ثم مات ، وحمله الثلث لاتبع بالباقي ، بخلاف الأول; لأن لمن أخرج من أرض الحرب حرا أن يتبعه بما اشتراه به ، [ ص: 3949 ] ولو قدم حربي بمدبر ، ثم أسلم عليه- لم ينتزع منه ، وكان له منه ما كان لسيده فيه وهي الخدمة ، فإن مات الذي دبره والثلث يحمله كان عتيقا وولاؤه لمدبره ، وإن لم يكن له مال سواه عتق ثلثه ، وكان ثلثاه رقيقا للحربي ، وإن كان على السيد دين يرقه كان جميعه رقيقا له . [ ص: 3950 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية