الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 273 ] [ بيوع الأمانة ]

باب التولية

التولية بيع بالثمن الأول ، والمرابحة بزيادة ، والوضيعة بنقيصة ، ولا يصح ذلك حتى يكون الثمن الأول مثليا أو في ملك المشتري .

ويجوز أن يضم إلى الثمن الأول أجرة الصبغ والطراز وحمل الطعام والسمسار وسائق الغنم ، ويقول : قام علي بكذا ولا يضم نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق وكراه ، فإن علم بخيانة في التولية أسقطها ( م ) من الثمن; وفي المرابحة إن شاء ( س ) أخذه بجميع الثمن ، وإن شاء رده .

التالي السابق


باب التولية

( التولية بيع بالثمن الأول ، والمرابحة بزيادة ، والوضيعة بنقيصة ) لأن الاسم ينبئ عن ذلك ومبناها على الأمانة ، لأن المشتري يأتمن البائع في خبره معتمدا على قوله ، فيجب على البائع التنزه عن الخيانة والتجنب عن الكذب لئلا يقع المشتري في بخس وغرور ، فإذا ظهرت الخيانة يرد أو يختار على ما يأتيك إن شاء الله تعالى .

وهي عقود مشروعة لوجود شرائطها ، وقد تعاملها الناس من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا ، وقد صح " أنه - عليه الصلاة والسلام - لما أراد الهجرة قال لأبي بكر - رضي الله عنه - وقد اشترى بعيرين ولني أحدهما " وللناس حاجة إلى ذلك لأن فيهم من لا يعرف قيمة الأشياء فيستعين بمن [ ص: 274 ] يعرفها ويطيب قلبه بما اشتراه وزيادة ، ولهذا كان مبناها على الأمانة ورأس المال في المواضعة حقه فله أن يحط منه .

قال : ( ولا يصح ذلك حتى يكون الثمن الأول مثليا أو في ملك المشتري ) لأنه يجب عليه مثل الثمن الأول ، فإذا كان مثليا يقدر عليه; فكذلك إذا كان من ذوات القيم وهو في يده لقدرته على أدائه ، وإن لم يكن في يده فهو باطل ؛ لأنه يجب عليه مثل الأول ، وهذا من ذوات القيم ، والقيم مجهولة إنما تعلم بالظن والتخمين ، والثمن الأول هو ما عقد به لا ما نقد ، فإن اشترى بدراهم فدفع بها ثوبا فالثمن دراهم ، ولا بد أن يكون الربح أو الوضيعة معلوما لئلا يؤدي إلى الجهالة والمنازعة ، فلو باعه بربح " ده يازده " لا يجوز إلا أن يعلم بالثمن في المجلس لأنه مجهول قبله ، ولو كان المبيع مثليا فله بيع نصفه مرابحة بحصته ، ولو كان ثوبا أو نحوه لا يبيع جزءا منه لأنه لا يمكن تسليمه إلا بضرر .

قال : ( ويجوز أن يضم إلى الثمن الأول أجرة الصبغ والطراز وحمل الطعام والسمسار وسائق الغنم ويقول : قام علي بكذا ، ولا يضم نفقته وأجرة الراعي والطبيب والمعلم والرايض وجعل الآبق وكراه ) وأصله أن كل ما تعارف التجار إلحاقه برأس المال يلحق به ، وما لا فلا; وقد جرت العادة بالقسم الأول دون الثاني وما تزداد به قيمة المبيع أو عينه يلحق به ، وأنه موجود في القسم الأول; أما الصبغ والطراز فظاهر; وأما الحمل والسوق فلأن القيمة تزداد باختلاف الأمكنة ، ولا كذلك القسم الثاني .

أما الراعي فلأنه لم يوقع فيه فعلا ، وإنما هو حافظ فصار كالبيت ، وجعل الآبق نادر ولم يزد فيه شيئا; وكذلك الطبيب وما ثبت بالمعلم والرايض لمعنى فيه وهو ذكاؤه وفطنته ولو ضم إلى الثمن ما لا يجوز ضمه فهو خيانة ، وكذلك إن أمسك جزءا من المبيع أو بدله أو كتم وصف الثمن أو الأجل فيه ، أو عيبا بفعله أو فعل غيره ، ولو عاب بآفة سماوية فليس بخيانة ، ولو كتم أجرة المبيع أو غلته فليس بخيانة ولو اشتراه ممن لا تقبل شهادته له لا يبيعه مرابحة حتى يبين عند أبي حنيفة [ ص: 275 ] خلافا لهما ولو اشتراه من عبده أو مكاتبه يبين بالإجماع ، ولو اشتراه ممن له عليه دين بدينه لم يبين بالإجماع . لهما في الخلافية أنهما متباينان في الأملاك فصارا كالأجنبي ، وله أن المنافع بينهم متحدة فكأنه اشتراه من نفسه ، ولأن العادة جارية بالتسامح والمحاباة بين هؤلاء في المعاملات فيجب البيان كما لو اشتراه من عبد .

قال : ( فإن علم بخيانة في التولية أسقطها من الثمن ) وهو القياس في الوضيعة .

( وفي المرابحة إن شاء أخذه بجميع الثمن ، وإن شاء رده ) وهذا عند أبي حنيفة . وقال أبو يوسف : يحط فيهما ، وحصة الخيانة من الربح .

وقال محمد : يخير فيهما لأنه فاته وصف مرغوب في الثمن فيتخير كوصف السلامة . ولأبي يوسف أنه بيع تعلق بمثل الثمن الأول فإنه ينعقد بقوله : وليتك بالثمن الأول ، وبعتك مرابحة أو مواضعة على الثمن الأول ، وقدر الخيانة لم يكن في الثمن الأول فيحط .

ولأبي حنيفة أن إثبات الزيادة في المرابحة لا تبطل معناها ، إلا أنه فاته وصف مرغوب كما قال محمد فيخير ، وإثبات الزيادة يبطل معنى التولية ، فتلغو التسمية ، وتحط الزيادة تحقيقا لمعنى التولية .

ومعنى قوله وهو القياس في الوضيعة : أي إذا خان خيانة تنفي الوضيعة; أما إذا كانت خيانة توجد الوضيعة معها فهو بالخيار ، وهذا على قياس قول أبي حنيفة ، وقول أبي يوسف يحط فيهما ، ومحمد يخير فيهما .




الخدمات العلمية