الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          1848 - مسألة : ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم : فله الدخول بها - أحبت أم كرهت - ويقضى لها بما سمى لها - أحب أم كره - ولا يمنع من أجل ذلك من الدخول بها ، لكن يقضى له عاجلا بالدخول ، ويقضى لها عليه حسبما يوجد عنده بالصداق .

                                                                                                                                                                                          فإن كان لم يسم لها شيئا قضي عليه بمهر مثلها ، إلا أن يتراضيا بأكثر أو بأقل - وهذا مكان اختلف السلف فيه - : روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج : أخبرني أبو الزبير : أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس يقول : قال ابن عباس : إذا نكح المرأة وسمى لها صداقا فأراد أن يدخل عليها فليلق إليها رداءه ، أو خاتما إن كان معه . [ ص: 83 ] ومن طريق ابن وهب حدثني يونس بن يزيد الأيلي عن نافع عن ابن عمر قال : لا يصلح للرجل أن يقع على المرأة زوجه حتى يقدم إليها شيئا من مالها ما رضيت به من كسوة أو عطاء .

                                                                                                                                                                                          قال ابن جريج : وقال عطاء ، وسعيد بن المسيب ، وعمرو هو بن دينار - لا يمسها حتى يرسل إليها بصداق أو فريضة .

                                                                                                                                                                                          قال عطاء ، وعمرو : إن أرسل إليها بكرامة لها ليست من الصداق أو إلى أهلها فحسبه هو يحلها له .

                                                                                                                                                                                          وقال سعيد بن جبير : أعطها ولو خمارا .

                                                                                                                                                                                          وقال الزهري : بلغنا في السنة أن لا يدخل بامرأة حتى يقدم نفقة أو يكسو كسوة ، ذلك مما عمل به المسلمون .

                                                                                                                                                                                          وقال مالك : لا يدخل عليها حتى يعطيها مهرها الحال ، فإن وهبته له أجبر على أن يفرض لها شيئا آخر ولا بد .

                                                                                                                                                                                          وذهب آخرون إلى إباحة دخوله عليها وإن لم يعطها شيئا - : كما روينا من طريق أبي داود نا محمد بن يحيى بن فارس الذهلي نا عبد العزيز بن يحيى الحراني نا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني - هو أبو الخير - عن عقبة بن عامر { أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج رجلا امرأة برضاهما فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقا ، ولم يعطها شيئا ، وكان ممن شهد الحديبية ، وكان من شهدها له سهم بخيبر ، فحضرته الوفاة فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لها صداقا ، ولم أعطها شيئا ، ولكني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر ، قال : فأخذته فباعته بمائة ألف } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 84 ] وروينا من طريق وكيع عن هشام الدستوائي عن سعيد بن المسيب قال : اختلف أهل المدينة في ذلك ، فمنهم من أجازه ولم ير به بأسا ، ومنهم من كرهه ، قال سعيد : وأي ذلك فعل فلا بأس به - يعني دخول الرجل بالمرأة التي تزوج ولم يعطها شيئا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق وكيع عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر ، ويونس بن عبيد قال منصور : عن إبراهيم النخعي ; وقال يونس : عن الحسن ، ثم اتفقا جميعا على أنه لا بأس بأن يدخل الرجل بامرأته قبل أن يعطيها شيئا .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج عن الزهري في الرجل يتزوج المرأة ويسمي لها صداقا هل يدخل عليها ولم يعطها شيئا ؟ فقال الزهري : قال الله عز وجل { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فإذا فرض الصداق فلا جناح عليه في الدخول عليها ، وقد مضت السنة أن يقدم لها شيء من كسوة أو نفقة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سعيد بن منصور نا هشيم ثنا حجاج عن أبي إسحاق السبيعي أن كريب بن أبي مسلم - وكان من أصحاب ابن مسعود - تزوج امرأة على أربعة آلاف درهم ودخل بها قبل أن يعطيها من صداقها شيئا - وبهذا يقول سفيان الثوري ، والشافعي ، وأبو سليمان ، وأصحابهم .

                                                                                                                                                                                          وقال الأوزاعي : كانوا يستحسنون أن لا يدخل بها حتى يقدم لها شيئا .

                                                                                                                                                                                          وقال الليث : إن سمى لها مهرا فأحب إلي أن يقدم لها شيئا ، وإن لم يفعل لم أر به بأسا .

                                                                                                                                                                                          وقال أبو حنيفة : إن كان مهرها مؤجلا فله أن يدخل بها - أحبت أم كرهت حل الأجل أو لم يحل - فإن كان الصداق نقدا لم يجز له أن يدخل بها حتى يؤديه إليها ، فلو دخل بها فلها أن تمنع نفسها منه حتى يوفيها جميع صداقها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما تقسيم أبي حنيفة ، ومالك ، فدعوى بلا برهان : لا من قرآن ، ولامن سنة ، ولا قياس ، ولا قول متقدم ، ولا رأي له وجه فلم يبق إلا قول من أباح دخوله عليها وإن لم يعطها شيئا أو منع من ذلك .

                                                                                                                                                                                          فنظرنا في حجة من منع من ذلك فوجدناهم يحتجون بحديث فيه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عليا أن يدخل بفاطمة - رضي الله عنهما - حتى يعطيها شيئا } .

                                                                                                                                                                                          [ ص: 85 ] قال أبو محمد : وهذا خبر لا يصح ، لأنه إنما جاء من طريق مرسلة ، أو فيها مجهول ، أو ضعيف - وقد تقصينا طرقها وعللها في " كتاب الإيصال " إلا أن صفتها كلها ما ذكرنا هاهنا ، لا يصح شيء إلا خبر - :

                                                                                                                                                                                          من طريق أحمد بن شعيب نا عمرو بن منصور نا هشام بن عبد الملك الطيالسي نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس { أن عليا قال : تزوجت فاطمة فقلت : يا رسول الله ابن لي ؟ فقال : أعطها شيئا : فقلت : ما عندي شيء ، قال : فأين درعك الحطمية ؟ قلت : هو عندي ، قال : فأعطها إياه . }

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : إنما كان ذلك على أنه صداقها ، لا على معنى أنه لا يجوز الدخول إلا حتى يعطيها شيئا ، وقد جاء هذا مبينا - : كما نا أحمد بن قاسم قال : نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم قال : حدثني جدي قاسم بن أصبغ نا أحمد بن زهير نا الحسن بن حماد نا يحيى بن يعمر الأسلمي عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن البصري عن أنس قال : قال علي بن أبي طالب { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قد علمت قدمي في الإسلام ومناصحتي وإني وإني ؟ قال : وما ذاك يا علي ؟ قال : تزوجني فاطمة ؟ قال : ما عندك ؟ قلت : عندي فرسي ودرعي ، قال : أما فرسك فلا بد لك منها ، وأما درعك فبعها ، قال : فبعتها بأربعمائة وثمانين فأتيته بها فوضعتها في حجره ، ثم قبض منها قبضة وقال : يا بلال أبغنا بها طيبا } وذكر باقي الحديث - فهذا بيان أن الدرع إنما ذكرت في الصداق لا من أجل الدخول ، لأنها قصة واحدة بلا شك .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وقد جاء في هذا أثر - : كما روينا من طريق أبي عبيد نا عمر بن عبد الرحمن نا منصور بن المعتمر عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن رجلا تزوج امرأة فجهزها إليه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن ينقد شيئا . }

                                                                                                                                                                                          قال علي : خيثمة من أكابر أصحاب ابن مسعود وصحب عمر بن الخطاب - رضي الله عنهم - قال علي : قال الله عز وجل : { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } ولا خلاف بين أحد من المسلمين في أنه من حين يعقد [ ص: 86 ] الزواج فإنها زوجة له " فهو حلال لها وهي حلال له ، فمن منعها منه حتى يعطيها الصداق أو غيره فقد حال بينه وبين امرأته بلا نص من الله تعالى ، ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم لكن الحق ما قلنا أن لا يمنع حقه منها ، ولا تمنع هي حقها من صداقها ، لكن يطلق على الدخول عليها - أحبت أم كرهت - ويؤخذ مما يوجد له صداقها - أحب أم كره .

                                                                                                                                                                                          وصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصويب قول القائل { أعط كل ذي حق حقه } وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية