[ ص: 139 ] القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32416_32426_30521قوله تعالى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : " ذلك " ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، وإحلاله غضبه بهم . فدل بقوله : " ذلك " - وهي يعني به ما وصفنا - على أن قول القائل : " ذلك يشمل المعاني الكثيرة إذا أشير به إليها .
ويعني بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61بأنهم كانوا يكفرون ) ، من أجل أنهم كانوا يكفرون . يقول : فعلنا بهم - من إحلال الذل والمسكنة والسخط بهم - من أجل أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ، كما قال
أعشى بني ثعلبة :
مليكية جاورت بالحجا ز قوما عداة وأرضا شطيرا بما قد تربع روض القطا
وروض التناضب حتى تصيرا
يعني بذلك : جاورت بهذا المكان ، هذه المرأة ، قوما عداة وأرضا بعيدة من أهله - لمكان قربها كان منه ومن قومه وبلده - من تربعها روض القطا وروض التناضب .
[ ص: 140 ] فكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ) ، يقول : كان ذلك منا بكفرهم بآياتنا ، وجزاء لهم بقتلهم أنبياءنا .
وقد بينا فيما مضى من كتابنا أن معنى " الكفر " : تغطية الشيء وستره ، وأن " آيات الله " حججه وأعلامه وأدلته على توحيده وصدق رسله .
فمعنى الكلام إذا : فعلنا بهم ذلك ، من أجل أنهم كانوا يجحدون حجج الله على توحيده وتصديق رسله ، ويدفعون حقيتها ، ويكذبون بها .
ويعني بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61ويقتلون النبيين بغير الحق ) : ويقتلون رسل الله الذين ابتعثهم - لإنباء ما أرسلهم به عنه - لمن أرسلوا إليه .
وهم جماع ، واحدهم " نبي " ، غير مهموز ، وأصله الهمز ، لأنه من " أنبأ عن الله فهو ينبئ عنه إنباء " ، وإنما الاسم منه ، " منبئ " ولكنه صرف وهو " مفعل " إلى " فعيل " ، كما صرف " سميع " إلى " فعيل " من " مسمع " ، و" بصير " من " مبصر " ، وأشباه ذلك ، وأبدل مكان الهمزة من " النبيء " الياء ، فقيل : " نبي " . هذا ويجمع " النبي " أيضا على " أنبياء " ، وإنما جمعوه كذلك ، لإلحاقهم " النبيء " ، بإبدال الهمزة منه ياء ، بالنعوت التي تأتي على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو . وذلك أنهم إذا جمعوا ما كان من النعوت على تقدير " فعيل " من ذوات الياء والواو ، جمعوه على " أفعلاء " كقولهم : " ولي وأولياء " ، و" وصي وأوصياء "
[ ص: 141 ] ، و" دعي وأدعياء " . ولو جمعوه على أصله الذي هو أصله ، وعلى أن الواحد " نبيء " مهموز ، لجمعوه على " فعلاء " ، فقيل لهم " النبآء " ، على مثال " النبهاء " ، لأن ذلك جمع ما كان على فعيل من غير ذوات الياء والواو من النعوت ، كجمعهم الشريك شركاء ، والعليم علماء ، والحكيم حكماء ، وما أشبه ذلك . وقد حكي سماعا من العرب في جمع " النبي " " النبآء " ، وذلك من لغة الذين يهمزون " النبيء " ، ثم يجمعونه على " النبآء " - على ما قد بينت . ومن ذلك قول
عباس بن مرداس في مدح النبي صلى الله عليه وسلم .
يا خاتم النبآء إنك مرسل بالخير كل هدى السبيل هداكا
فقال : " يا خاتم النبآء " ، على أن واحدهم " نبيء " مهموز . وقد قال بعضهم : " النبي " و" النبوة " غير مهموز ، لأنهما مأخوذان من " النبوة " ، وهي مثل " النجوة " ، وهو المكان المرتفع ، وكان يقول : إن أصل " النبي " الطريق ، ويستشهد على ذلك ببيت
القطامي :
لما وردن نبيا واستتب بها مسحنفر كخطوط السيح منسحل
[ ص: 142 ] يقول : إنما سمى الطريق " نبيا " ، لأنه ظاهر مستبين ، من " النبوة " . ويقول : لم أسمع أحدا يهمز " النبي " . قال . وقد ذكرنا ما في ذلك ، وبينا ما فيه الكفاية إن شاء الله .
ويعني بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61ويقتلون النبيين بغير الحق ) ، أنهم كانوا يقتلون رسل الله ، بغير إذن الله لهم بقتلهم ، منكرين رسالتهم ، جاحدين نبوتهم .
[ ص: 139 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32416_32426_30521قَوْلِهِ تَعَالَى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : " ذَلِكَ " ضَرْبَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ عَلَيْهِمْ ، وَإِحْلَالَهُ غَضَبَهُ بِهِمْ . فَدَلَّ بِقَوْلِهِ : " ذَلِكَ " - وَهِيَ يَعْنِي بِهِ مَا وَصَفْنَا - عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : " ذَلِكَ يَشْمَلُ الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ إِذَا أُشِيرَ بِهِ إِلَيْهَا .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ ) ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ . يَقُولُ : فَعَلْنَا بِهِمْ - مِنْ إِحْلَالِ الذُّلِّ وَالْمَسْكَنَةِ وَالسُّخْطِ بِهِمْ - مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، كَمَا قَالَ
أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ :
مَلِيكِيَّةٌ جَاوَرَتْ بِالْحِجَا زِ قَوْمًا عُدَاةً وَأَرْضًا شَطِيرَا بِمَا قَدْ تَرَبَّعَ رَوْضَ الْقَطَا
وَرَوْضَ التَّنَاضِبِ حَتَّى تَصِيرَا
يَعْنِي بِذَلِكَ : جَاوَرَتْ بِهَذَا الْمَكَانِ ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ ، قَوْمًا عُدَاةً وَأَرْضًا بَعِيدَةً مِنْ أَهْلِهِ - لِمَكَانِ قُرْبِهَا كَانَ مِنْهُ وَمِنْ قَوْمِهِ وَبَلَدِهِ - مِنْ تَرَبُّعِهَا رَوْضَ الْقَطَا وَرَوْضَ التَّنَاضِبِ .
[ ص: 140 ] فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ) ، يَقُولُ : كَانَ ذَلِكَ مِنَّا بِكُفْرِهِمْ بِآيَاتِنَا ، وَجَزَاءً لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ أَنْبِيَاءَنَا .
وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ كِتَابِنَا أَنَّ مَعْنَى " الْكُفْرِ " : تَغْطِيَةُ الشَّيْءِ وَسَتْرُهُ ، وَأَنَّ " آيَاتِ اللَّهِ " حُجَجُهُ وَأَعْلَامُهُ وَأَدِلَّتُهُ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَصِدْقِ رُسُلِهِ .
فَمَعْنَى الْكَلَامِ إِذًا : فَعَلْنَا بِهِمْ ذَلِكَ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْحَدُونَ حُجَجَ اللَّهِ عَلَى تَوْحِيدِهِ وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ ، وَيَدْفَعُونَ حَقِّيَّتَهَا ، وَيُكَذِّبُونَ بِهَا .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) : وَيَقْتُلُونَ رُسُلَ اللَّهِ الَّذِينَ ابْتَعَثَهُمْ - لِإِنْبَاءِ مَا أَرْسَلَهُمْ بِهِ عَنْهُ - لِمَنْ أُرْسِلُوا إِلَيْهِ .
وَهُمْ جِمَاعٌ ، وَاحَدُهُمْ " نَبِيٌّ " ، غَيْرُ مَهْمُوزٍ ، وَأَصْلُهُ الْهَمْزُ ، لِأَنَّهُ مِنْ " أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ يُنْبِئُ عَنْهُ إِنْبَاءً " ، وَإِنَّمَا الِاسْمُ مِنْهُ ، " مُنْبِئٌ " وَلَكِنَّهُ صُرِفَ وَهُوَ " مُفْعِلٌ " إِلَى " فَعِيلٍ " ، كَمَا صُرِفَ " سَمِيعٌ " إِلَى " فَعِيلٍ " مِنْ " مُسْمِعٍ " ، وَ" بَصِيرٍ " مِنْ " مُبْصِرٍ " ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ ، وَأُبْدِلَ مَكَانَ الْهَمْزَةِ مِنَ " النَّبِيءِ " الْيَاءُ ، فَقِيلَ : " نَبِيٌّ " . هَذَا وَيُجْمَعُ " النَّبِيُّ " أَيْضًا عَلَى " أَنْبِيَاءَ " ، وَإِنَّمَا جَمَعُوهُ كَذَلِكَ ، لِإِلْحَاقِهِمُ " النَّبِيءَ " ، بِإِبْدَالِ الْهَمْزَةِ مِنْهُ يَاءً ، بِالنُّعُوتِ الَّتِي تَأْتِي عَلَى تَقْدِيرِ " فَعِيلٍ " مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ . وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا جَمَعُوا مَا كَانَ مِنَ النُّعُوتِ عَلَى تَقْدِيرِ " فَعِيلٍ " مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ ، جَمَعُوهُ عَلَى " أَفْعِلَاءَ " كَقَوْلِهِمْ : " وَلِيٌّ وَأَوْلِيَاءُ " ، وَ" وَصِيٌّ وَأَوْصِيَاءُ "
[ ص: 141 ] ، وَ" دَعِيٌّ وَأَدْعِيَاءُ " . وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ ، وَعَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ " نَبِيءٌ " مَهْمُوزٌ ، لَجَمَعُوهُ عَلَى " فُعَلَاءَ " ، فَقِيلَ لَهُمُ " النُّبَآءُ " ، عَلَى مِثَالِ " النُّبَهَاءِ " ، لِأَنَّ ذَلِكَ جَمْعُ مَا كَانَ عَلَى فَعِيلٍ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ مِنَ النُّعُوتِ ، كَجَمْعِهِمُ الشَّرِيكَ شُرَكَاءَ ، وَالْعَلِيمَ عُلَمَاءَ ، وَالْحَكِيمَ حُكَمَاءَ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ . وَقَدْ حُكِيَ سَمَاعًا مِنَ الْعَرَبِ فِي جَمْعِ " النَّبِيِّ " " النُّبَآءُ " ، وَذَلِكَ مِنْ لُغَةِ الَّذِينَ يَهْمِزُونَ " النَّبِيءَ " ، ثُمَّ يَجْمَعُونَهُ عَلَى " النُّبَآءِ " - عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
عَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ إِنَّكَ مُرْسَلٌ بِالْخَيْرِ كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
فَقَالَ : " يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ " ، عَلَى أَنَّ وَاحِدَهُمْ " نَبِيءٌ " مَهْمُوزٌ . وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمُ : " النَّبِيُّ " وَ" النُّبُوَّةُ " غَيْرُ مَهْمُوزٍ ، لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ مِنَ " النَّبْوَةِ " ، وَهِيَ مِثْلُ " النَّجْوَةِ " ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ ، وَكَانَ يَقُولُ : إِنَّ أَصْلَ " النَّبِيِّ " الطَّرِيقُ ، وَيُسْتَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيْتِ
الْقَطَّامِيِّ :
لَمَّا وَرَدْنَ نَبِيًّا وَاسْتَتَبَّ بِهَا مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ السَّيْحِ مُنْسَحِلُ
[ ص: 142 ] يَقُولُ : إِنَّمَا سَمَّى الطَّرِيقَ " نَبِيًّا " ، لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ مُسْتَبِينٌ ، مِنَ " النُّبُوَّةِ " . وَيَقُولُ : لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا يَهْمِزُ " النَّبِيَّ " . قَالَ . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي ذَلِكَ ، وَبَيَّنَّا مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ، أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ رُسُلَ اللَّهِ ، بِغَيْرِ إِذْنِ اللَّهِ لَهُمْ بِقَتْلِهِمْ ، مُنْكِرِينَ رِسَالَتَهُمْ ، جَاحِدِينَ نُبُوَّتَهُمْ .