الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6 - وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه " هذا لفظ البخاري . ولمسلم قال : إن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي المسلمين خير ؟ قال : " من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .

التالي السابق


6 - ( وعن عبد الله بن عمرو ) : وكتب بالواو ليتميز عن عمر ، ومن ثمة لم يكتب حالة النصب ; لتميزه عنه بالألف ، وهو ابن العاص القرشي ، رضي الله عنهما ، أسلم قبل أبيه ، وتوفي بمكة أو الطائف أو مصر سنة خمس وستين ، أو ثلاث وسبعين ، وبينه وبين أبيه في السن إحدى عشرة سنة كما جزم به بعضهم ، قيل : وهذا من خواصه ، كذا ذكره ابن حجر .

[ ص: 72 ] وقال المصنف : كان أبوه أكبر منه بثلاث عشرة سنة ، وقيل : باثنتي عشرة سنة ، وكان غزير العلم ، كثير الاجتهاد في العبادة ، عمي آخر عمره ، وكان أكثر حديثا من أبي هريرة ; لأنه كان يكتب ، لكن ما روي عنه وهو سبعمائة حديث قليل بالنسبة لما روي عن أبي هريرة . قال المصنف : كان ممن قرأ الكتب ، واستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن يكتب حديثه فأذن له . [ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( المسلم ) ] أي الكامل ؛ لما تقدم من معنى الإسلام ، أو المسلم الحقيقي المتصف بمعناه اللغوي [ ( من سلم المسلمون ) ] أي والمسلمات ، إما تغليبا وإما تبعا ، ويلحق بهم أهل الذمة حكما ، وفي رواية ابن حبان : من سلم الناس [ ( من لسانه ) ] أي : بالشتم ، واللعن ، والغيبة ، والبهتان ، والنميمة ، والسعي إلى السلطان ، وغير ذلك ، حتى قيل : أول بدعة ظهرت قول الناس الطريق الطريق [ ( ويده ) ] : بالضرب ، والقتل ، والهدم ، والدفع ، والكتابة بالباطل ، ونحوها ، وخصا لأن أكثر الأذى بهما ، أو أريد بهما مثلا ، وقدم اللسان لأن الإيذاء به أكثر وأسهل ، ولأنه أشد نكاية كما قال :


جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان

ولأنه يعم الأحياء والأموات ، وابتلي به الخاص والعام خصوصا في هذه الأيام ، وعبر به دون القول ليشمل إخراجه استهزاء بغيره ، وقيل : كنى باليد عن سائر الجوارح ; لأن سلطة الأفعال إنما تظهر بها ؛ إذ بها البطش والقطع والوصل والمنع ، والأخذ ، فقيل في كل عمل هذا مما عملته أيديهم وإن لم يكن وقوعه بها ، وفيه أن الأيدي واليدين توضعان موضع الأنفس والنفس ; لأن أكثر الأفعال يزاول بهما ، ولا يعرف استعمال اليد المفردة بهذا المعنى ، ثم الحد والتعزير وتأديب الأطفال والدفع لنحو الصيال ونحوها ، فهي استصلاح وطلب للسلامة ، أو مستثنى شرعا ، أو لا يطلق عليه الأذى عرفا ، [ ( والمهاجر ) ] أي : الكامل ، أو حقيقة لشموله أنواع الهجرة لأن فضله على الدوام [ ( من هجر ) ] أي : ترك [ ( ما نهى الله عنه ) ] أي : في الكتاب أو السنة ، وفي رواية : ما حرم الله عليه ، وأريد بالمفاعلة المبالغة حيث لم تصح المغالبة ( هذا لفظ البخاري ) : ورواه أبو داود ، والنسائي . ( ولمسلم ) أي : في صحيحه بعضه ; فإنه أخرج شطره الأول عن جابر مرفوعا بلفظه وبمعناه عن عبد الله بن عمرو ( قال : إن رجلا سأل النبي ) وفي نسخة : ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي المسلمين ) أي : أي أفراد هذا الجنس ، أو أي قسمي هذا النوع ( خير ) أي : أفضل وأكمل [ قال : ( من سلم المسلمون من لسانه ويده ) ] ورواه البخاري بلفظ : أي الإسلام أفضل ؟ قال : من سلم إلخ . أي : إسلام من سلم ، وقيل : لكون " أي " لا تدخل إلا على متعدد كان فيه حذف تقديره : أي أصحاب الإسلام ، وقيل : أي خصال الإسلام ، وقيل : الإسلام بمعنى المسلم كعدل بمعنى عادل مبالغة ، وفرق بين خير وأفضل ، مع أن كليهما أفعل تفضيل بأن الأول من الكيفية إذ هو النفع في مقابلة الشر والمضرة ، والثاني : من الكمية إذ هو كثرة الثواب في مقابلة القلة ، وفي الروايتين جميعا دلالة على أن المسلم في الرواية السابقة المراد بها - الكامل ، ومن ثم قال الخطابي : إن هذا على حد قولهم : الناس العرب ، أي هم أفضل الناس ، فهاهنا المراد : أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الحق أداء حقوق الخلق ، والاقتصار على الثاني إما لأن الأول مفهوم بالطريق الأولى ، أو لأن تركه أقرب إلى العفو ، أو لأن الثاني يتعلق به الحقان ، فخص للاهتمام والاعتناء به ، ولحصول السلامة الدنيوية والأخروية بوجوده ، أو إشارة إلى أن علامة الإسلام هي السلامة من إيذاء الخلائق كما أن الكذب والخيانة وخلف الوعد علامة المنافق .




الخدمات العلمية