الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  حديث الصور

                                                                  36 - حدثنا أحمد بن الحسن النحوي الأيلي قال : ثنا أبو عاصم [ ص: 267 ] الضحاك بن مخلد النبيل قال : ثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن زياد ، عن [ ص: 268 ] محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في طائفة فقال : " إن الله - عز وجل - لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور ، فأعطاه إسرافيل ، فهو واضعه على فيه شاخصا بصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر " قلت : يا رسول الله ، وما الصور ؟ قال : " القرن " قلت : كيف هو ؟ قال : " عظيم ، والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السماوات والأرض ، ينفخ فيه ثلاث نفخات : النفخة الأولى نفخة الفزع ، والثانية نفخة الصعق ، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله - عز وجل - إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فينفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فيأمره فيديمها ويطيلها ولا يفتر ، وهي التي [ ص: 269 ] يقول الله - عز وجل - فيها : وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق فيسير الله - عز وجل - الجبال سير السحاب ، فتكون سرابا ، ثم ترتج الأرض بأهلها رجا ، فتكون كالسفينة الموبقة في البحر تضربها الأمواج تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش ترجحه الرياح الأرواح ، وهو الذي يقول الله : يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة ، فيميد الناس على وجهها ، وتذهل المراضع ، وتضع الحوامل ، ويشيب الولدان ، وتطير الشياطين هاربة من الفزع حتى تأتي الأقطار ، فتأتيها الملائكة فتضرب وجوهها وترجع ، ويولي الناس مدبرين ، ما لهم من الله من عاصم ، ينادي بعضهم بعضا ، وهو الذي يقول الله - عز وجل - يوم التناد فبينا هم على ذلك إذ تصدعت الأرض تصدعين من قطر إلى قطر ، فرأوا أمرا عظيما لم يروا مثله ، وأخذهم لذلك من الكرب والهول ما الله به عليم ، ثم تطوى السماء فإذا هي كالمهل ، ثم انشقت السماء فانتثرت نجومها ، وخسفت شمسها وقمرها " .

                                                                  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، من استثنى الله - عز وجل - حين يقول : ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال : " أولئك الشهداء ، إنما يصل الفزع إلى الأحياء ، وهم أحياء عند ربهم يرزقون ، فوقاهم الله فزع ذلك اليوم وأمنهم منه ، وهو عذاب الله يبعثه الله على شرار خلقه ، وهو الذي يقول الله - عز وجل - : يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ، فيكونون في ذلك البلاء ما شاء الله ، [ ص: 270 ] إلا أنه يطول ، ثم يأمر الله - عز وجل - إسرافيل بنفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله ، فإذا هم قد خمدوا جاء ملك الموت إلى الجبار - عز وجل - فيقول : يا رب ، قد مات أهل السماوات والأرض إلا من شئت ، فيقول الله - عز وجل - وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي ؟ فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل ، وبقيت أنا ، فيقول - عز وجل - : ليمت جبريل وميكائيل ، فينطق الله العرش فيقول : يا رب ، يموت جبريل وميكائيل فيقول الله : اسكت ، فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي ، فيموتان ، فيجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول : أي رب ، قد مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله - عز وجل - وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي ؟

                                                                  فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت حملة عرشك ، وبقيت أنا ، فيقول الله - عز وجل - : فليمت حملة عرشي ، فيموتون ، فيأمر الله - عز وجل - العرش فيقبض الصور من إسرافيل ، ثم يأتي ملك الموت - عليه السلام - إلى الجبار فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك ، فيقول الله - عز وجل - وهو أعلم بمن بقي : فمن بقي ؟

                                                                  فيقول : يا رب ، بقيت أنت الحي الذي لا يموت ، وبقيت أنا ، فيقول الله - عز وجل - : أنت من خلقي ، خلقتك لما رأيت ، فمت ، فيموت ، فإذا لم يبق إلا الله الواحد القهار ، الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، كان آخرا كما كان أولا ، طوى السماوات والأرض طي السجل للكتاب ، ثم دحاهما ، ثم تلقفهما ثلاث مرات ، ثم يقول : أنا الجبار ، أنا الجبار ، ثلاثا ، ثم هتف بصوته : لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، فلا يجيبه أحد ، ثم يقول لنفسه : لله الواحد القهار ، يقول الله - عز وجل - : يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات فيبسطها ويسحبها ثم [ ص: 271 ] يمدها مد الأديم العكاظي ، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ثم يزجر الله الخلق زجرة واحدة ، فإذا هم في مثل هذه المبدلة في مثل ما كانوا فيها من الأول ، من كان في بطنها كان في بطنها ، ومن كان على ظهرها كان على ظهرها ، ثم ينزل الله - عز وجل - عليهم ماء من تحت العرش ، ثم يأمر الله - عز وجل - السماء أن تمطر فتمطر أربعين يوما ، حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعا ، ثم يأمر الله - عز وجل - الأجساد أن تنبت فتنبت كنبات الطراثيث أو كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم ، فكانت كما كانت ، قال الله - عز وجل - : لتحي حملة عرشي ، فيحيون ، ويأمر الله - عز وجل - إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه ، ثم يقول : ليحي جبريل وميكائيل ، فيحييان ، ثم يدعو الله - عز وجل - الأرواح فيؤتى بها توهج أرواح المؤمنين نورا ، وأرواح الآخرين ظلمة ، فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمر إسرافيل أن ينفخ نفخة البعث ، فتخرج الأرواح كأنها النحل قد ملأت ما بين السماء والأرض ، فيقول الله تعالى : وعزتي وجلالي ، ليرجعن كل روح إلى جسده ، فيدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد ، فيدخل في الخياشيم ، ثم تمشي في الأجساد كما يمشي السم في اللديغ ، ثم تنشق الأرض عنهم ، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ، فيخرجون منها سراعا ، وإلى ربكم تنسلون مهطعين إلى الداع ، يقول الكافرون هذا يوم عسر حفاة عراة غرلا ، ثم يقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما ، لا ينظر إليكم ، ولا يقضي بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما ، وتعرقون حتى يبلغ ذلك منكم أن يلجمكم أو يبلغ الأذقان ، فتصيحون وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فيقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم عليه السلام ؟ خلقه الله بيده ، [ ص: 272 ] ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه ، فيأتي ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، فيستنصرون الأنبياء نبيا نبيا ، كلما جاءوا نبيا أبى عليهم " .

                                                                  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " حتى يأتوني فأنطلق حتى آتي الفحص فأخر ساجدا " . قال أبو هريرة : يا رسول الله ، ما الفحص ؟ قال : قدام العرش ، حتى يبعث الله - عز وجل - إلي ملكا ، فيأخذ بعضدي فيرفعني ، فيقول لي : يا محمد ، فأقول : نعم لبيك يا رب ، فيقول الله - عز وجل - : ما شأنك ؟ وهو أعلم ، فأقول : يا رب ، وعدتني الشفاعة ، فشفعني في خلقك ، فاقض بينهم ، فيقول الله - عز وجل - : قد شفعتك ، أنا آتيكم أقضي بينكم " .

                                                                  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فأرجع فأقف مع الناس ، فبينما نحن وقوف إذ سمعنا حسا من السماء شديدا ، فهالنا ، فنزل أهل السماء الدنيا بمثل من في الأرض من الجن والإنس ، حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنور ربهم ، وأخذوا مصافهم ، قلنا لهم : أفيكم ربنا ؟ قالوا : لا ، وهو آت ، ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف حتى ينزل الجبار - تبارك وتعالى - في ظلل من الغمام والملائكة ، ويحمل عرشه يومئذ ثمانية ، وهم اليوم أربعة ، أقدامهم على تخوم الأرض السفلى ، والسماوات إلى حجرهم ، والعرش على مناكبهم ، لهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي القوة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس ، قدوس قدوس ، سبحان ربنا الأعلى رب الملائكة والروح ، سبحان الأعلى الذي يميت الخلائق ولا يموت ، فيضع الله كرسيه حيث [ ص: 273 ] شاء من أرضه ، ثم يهتف بصوته ، فيقول : يا معشر الجن والإنس ، إني قد أنصت لكم منذ خلقتكم إلى يومكم هذا ، أسمع قولكم ، وأبصر أعمالكم ، وصحفكم تقرأ عليكم ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، ثم يأمر الله - عز وجل - جهنم فيخرج منها عين عنق ساطع ، ثم يقول : ألم أعهد إليكم يابني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون أو بها تكذبون ، شك أبو عاصم وامتازوا اليوم أيها المجرمون فيميز الله الناس ، وتجثو الأمم .

                                                                  يقول الله - عز وجل - : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون ، فيقضي الله - عز وجل - بين خلقه إلا الثقلين الجن والإنس ، فيقضي الله تعالى بين الوحوش والبهائم ، حتى إنه ليقضي للجماء من ذوات القرن ، فإذا فرغ الله من ذلك لم تبق تبعة عند واحدة لأخرى ، قال الله - عز وجل - لها : كوني ترابا ، فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا ، ثم يقضي الله بين العباد ، فكان أول ما يقضي فيه الدماء ، ويأتي كل قتيل في سبيل الله ، ويأمر الله - عز وجل - كل من قتل فيحمل رأسه تشخب أوداجه ، فيقول : يا رب ، فيم قتلني هذا ؟ فيقول - وهو أعلم - : فيم قتلتهم ؟ فيقول : قتلتهم لتكون العزة لك ، فيقول الله - عز وجل - له : صدقت ، فيجعل الله - عز وجل - وجهه مثل نور الشمس ، ثم تمر به الملائكة إلى الجنة ، ويأتي كل من قتل على غير ذلك فيحمل رأسه تشخب أوداجه فيقول : يا رب ، فيم قتلني هذا ؟ فيقول وهو أعلم : لم قتلتهم ؟ فيقول : يا رب ، قتلتهم لتكون العزة لي ، فيقول : تعست ، ثم لا تبقى نفس قتلها إلا قتل بها ، ولا مظلمة ظلمها [ ص: 274 ] إلا أخذ بها ، وكان مشيئة الله - عز وجل - ، إن شاء عذبه وإن شاء رحمه ، ثم يقضي الله - عز وجل - بين من شاء بقي من خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذ بها للمظلوم من الظالم ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه أن يخلص اللبن من الماء .

                                                                  فإذا فرغ الله - عز وجل - من ذلك نادى مناد يسمع الخلائق كلهم : ألا ليلحق كل قوم بآلهتهم وما كانوا يعبدون من دون الله ، فلا يبقى أحد عبد من دون الله إلا مثلت له آلهته بين يديه ، ويجعل يومئذ ملك من الملائكة على صورة عزير ، ويجعل ملك من الملائكة على صورة عيسى ، ثم يتبع هذا اليهود ، وهذا النصارى ، ثم قادتهم آلهتهم إلى النار ، وهو الذي يقول : لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون ، فإذا لم يبق إلا المؤمنون فيهم المنافقون جاءهم الله - عز وجل - فيما شاء من هيأته ، فقال : يا أيها الناس ، ذهب الناس فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون ، فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله - عز وجل - ، وما كنا نعبد غيره ، فينصرف عنهم وهو الله الذي يأتيهم ، فيمكث ما شاء الله أن يمكث ، ثم يأتيهم فيقول : يا أيها الناس ، ذهب الناس ، فالحقوا بآلهتكم وما كنتم تعبدون ، فيقولون : والله ما لنا إله إلا الله وما كنا نعبد غيره ، فيكشف لهم عن ساقه ، ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون أنه ربهم ، فيخرون للأذقان سجدا على وجوههم ، ويخر كل منافق على قفاه ، ويجعل الله أصلابهم كصياصي البقر ، ثم يأذن الله - تبارك وتعالى - لهم فيرفعون ، ويضرب الله - عز وجل - الصراط بين ظهراني جهنم كحد الشفرة ، أو كحد السيف ، عليه كلاليب وخطاطيف وحسك كحسك السعدان ، دونه جسر دحض مزلة ، فيمرون كطرف العين ، أو [ ص: 275 ] كلمح البصر ، أو كمر الريح ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الركاب ، أو كجياد الرجال ، فناج سالم ، وناج مخدوش ، ومكدوش على وجهه في جهنم ، فإذا أفضى أهل الجنة إلى الجنة ، قالوا : من يشفع لنا إلى ربنا فندخل الجنة ؟ فيقولون من أحق بذلك من أبيكم آدم - صلى الله عليه وسلم - ، خلقه الله - عز وجل - بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وكلمه قبلا ، فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بنوح فإنه أول رسل الله ، فيؤتى نوح ، فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول : عليكم بإبراهيم ؛ فإن الله - عز وجل - اتخذه خليلا ، فيؤتى إبراهيم فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، ويقول : عليكم بموسى ؛ فإن الله - عز وجل - قربه نجيا ، وكلمه ، وأنزل عليه التوراة ، فيؤتى موسى - صلى الله عليه وسلم - فيطلب ذلك إليه ، فيذكر ذنبا ويقول : لست بصاحب ذلك ، ولكن عليكم بروح الله وكلمته عيسى ابن مريم - عليه السلام - ، فيؤتى عيسى ابن مريم فيطلب ذلك إليه ، ويقول : ما أنا بصاحبكم ، ولكن عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم " .

                                                                  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فيأتونني ، ولي عند ربي ثلاث شفاعات وعدنيهن ، فأنطلق فآتي الجنة ، فآخذ بحلقة الباب ، فأستفتح فيفتح لي ، فأحيا ويرحب بي ، فإذا دخلت الجنة ونظرت إلى ربي خررت ساجدا ، قد أذن الله - عز وجل - لي من حمده تحميده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد من خلقه ، ثم يقول : ارفع رأسك يا محمد واشفع ، ارفع يا محمد ، اشفع تشفع ، وسل تعطه ، فإذا رفعت رأسي يقول الله - عز وجل - وهو أعلم : [ ص: 276 ] ما شأنك ؟ فأقول : يا رب ، وعدتني بالشفاعة ، فشفعني في أهل الجنة ، فيدخلون الجنة ، فيقول الله - عز وجل - : قد شفعتك ، وقد أذنت لهم في دخول الجنة " .


                                                                  كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " والذي بعثني بالحق ، ما أنتم في الدنيا بأعرف بأزواجكم ومساكنكم من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم ، فيدخل كل واحد منهم على اثنتين وسبعين زوجة مما ينشئ الله - عز وجل - ، واثنتين آدميتين من ولد آدم ، لهما فضل على من أنشأ الله بعبادتهما في الدنيا ، فيدخل على الأولى في غرفة من ياقوتة على سرير من ذهب مكلل باللؤلؤ ، عليها سبعون زوجا من سندس وإستبرق ، ثم إنه يضع يده بين كتفيها ، ثم ينظر إلى يده من صدرها ووراء ثيابها وجلدها ولحمها ، وإنه لينظر إلى مخ ساقيها كما ينظر أحدكم إلى السلك في قصبة الياقوت ، كبدها له مرآة ، كبده لها مرآة ، فبينما هو عندها لا يملها ولا تمله ، ولا يأتيها مرة إلا وجدها عذراء ، ما يفتر ذكره ، وما يشتكي قبلها ، فبينما هو كذلك إذ نودي : إنا قد عرفنا أنك لا تمل ولا تمل ، إلا أنه لا مني ولا منية ، إلا أن لك أزواجا غيرها ، فيخرج فيأتيهن واحدة واحدة ، كلما جاء واحدة قالت له : والله ما أرى في الجنة شيئا أحسن منك ، ولا في الجنة شيء أحب إلي منك ، وإذا وقع أهل النار في النار ، وقع فيها خلق من خلق ربك أوبقتهم أعمالهم ، فمنهم من تأخذ النار قدميه لا تجاوز ذلك ، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه ، [ ص: 277 ] ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حقويه ، ومنهم من تأخذ جسده كله إلا وجهه حرم الله صورته عليها " .

                                                                  قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فأقول : يا رب ، شفعني في من وقع في النار ، فيقول : أخرجوا من عرفتم ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يأذن الله - عز وجل - في الشفاعة فلا يبقى نبي ولا شهيد إلا شفع ، فيقول الله - عز وجل - : أخرجوا من وجدتم في قلبه زنة الدينار إيمانا ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، ثم يشفع الله ، فيقول : أخرجوا من وجدتم في قلبه إيمانا ثلثي دينار ، نصف دينار ، ثم يقول : ثلث دينار ، ثم يقول : ربع دينار ، ثم يقول : قيراط ، ثم يقول : حبة من خردل ، فيخرج أولئك حتى لا يبقى منهم أحد ، وحتى لا يبقى في النار من عمل لله خيرا قط ، ولا يبقى أحد له شفاعة إلا شفع ، حتى إن إبليس يتطاول مما يرى من رحمة الله - عز وجل - رجاء أن يشفع له ، ثم يقول : بقيت وأنا أرحم الراحمين ، فيدخل يده في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره ، كأنهم حمم ، فيلقون في نهر يقال له نهر الحيوان ، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، فما يلي الشمس منها أخيضر ، وما يلي الظل منها أصيفر ، فينبتون كنبات الطراثيث ، حتى يكونوا أمثال الدر ، مكتوب في رقابهم الجهنميون عتقاء الرحمن ، يعرفهم أهل الجنة بذلك الكتاب ، ما عملوا خيرا قط ، فيمكثون في الجنة ما شاء الله وذلك الكتاب في رقابهم ، ثم يقولون : امح عنا هذا الكتاب ، فيمحو الله - عز وجل - عنهم " .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية