الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
206 - حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد قال : نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال : نا أبي ، عن صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب أن عبيد الله بن أبي ثور حدثه عن عبد الله بن عباس قال : لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال لهما ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) حتى خرجت معه فنزل ذات يوم فعدلت معه بالإداوة فتبرز ، ثم جاء فصببت على يديه فتوضأ فقلت : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتان قال: ( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ) فقال : واعجبا لك يا ابن عباس هي حفصة وعائشة ، ثم استقبل عمر الحديث يسوقه فقال : إني كنت نزلت على حي من الأنصار أو على بيت من الأنصار من بني أمية بن زيد ، وكنا نتناوب النزول فينزل يوما وأنزل يوما فإذا نزلت جئته من خبر يومي بما ينزل من الوحي وغيره ، وإذا نزل فعل مثل ذلك، وكنا معشر [ ص: 319 ] قريش نغلب النساء فلما قدمنا على الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار فصحت على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن راجعتني فقالت : ولم تنكر أن أراجعك ، فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل ، فكبر ذلك علي ، فقلت : قد خاب من عمل ذلك منهن، فجمعت علي ثيابي فدخلت على حفصة بنت عمر فقلت لها : يا حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى الليل ؟ قالت : نعم ، قلت : قد خبت وخسرت أتأمنين أن يغضب الله - عز وجل - لغضب رسوله فتهلكين ، فلا تستكثري أو لا تستنكري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تراجعيه في شيء ولا تهجريه وتسأليني ما بدا لك ، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد : عائشة .

قال عمر : وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا، قال : فنزل صاحبي الأنصاري يوم نوبته فرجع إلي ممسيا فضرب بابي ضربا شديدا ثم قال : أنائم هو ؟ قال : ففزعت فخرجت إليه فقال : قد حدث أمر عظيم قلت : ما هو ؟ أجاءت غسان ؟ قال بل أعظم من ذلك ، طلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ، فقلت : قد خابت حفصة وخسرت ، قد كنت أظن أن هذا يوشك أن يكون ، فجمعت علي ثيابي فقضيت صلاة الفجر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشربة له يعتزل فيها ، قال : فدخلت على حفصة وهي تبكي فقلت : ما لك ؟ حدثيني حديثك هل طلقكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت : لا أدري ها هو ذا معتزل في هذه المشربة ، فخرجت حتى [ ص: 320 ] جئت المنبر فإذا عنده رهط يبكي بعضهم فجلست معهم قليلا ثم غلبني ما أجد فجئت المشربة التي فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت لغلام له أسود : استأذن لعمر بن الخطاب ، قال : فدخل الغلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم خرج الغلام إلي فقال : قد ذكرتك فصمت ، فانصرفت فخرجت حتى جلست مع الرهط الذين عند المنبر ، ثم غلبني ما أجد فقلت للغلام: استأذن لعمر بن الخطاب فدخل ثم رجع إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، قال : فرجعت فجلست مع الرهط الذين عند المنبر ثم غلبني ما أجد فجئت فقلت للغلام: استأذن لعمر فدخل ثم خرج إلي فقال : قد ذكرتك له فصمت ، فلما وليت منصرفا إذا الغلام يدعوني قال : قد أذن لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش ، قد أثر رمال الحصير بجنبه متكئا على وسادة من أدم محشوة ليفا فسلمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت وأنا قائم : يا رسول الله أطلقت نساءك ؟ قال : فرفع إلي بصره فقال : " لا " فقلت : الله أكبر ، وأنا قائم يا رسول الله : لو رأيتني وكنا معشر قريش نغلب النساء فلما قدمنا المدينة، قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم فغضبت على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت ذلك عليها ، فقالت : أتنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن حتى الليل ، قال : قلت : قد خابت حفصة وخسرت ، أتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت ، قال : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فقلت : لو رأيتني وقد دخلت على حفصة فقلت لها : لا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم منك وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يريد : عائشة ، فتبسم تبسمة أخرى ، قال : فجلست [ ص: 321 ] حتى رأيته قد تبسم فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت شيئا يرد البصر غير أهبة ثلاثة ، قال : قلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم قد وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ، قال : فاستوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئا فقال : " أو في شك أنت يا ابن الخطاب ، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " فقلت : يا رسول الله استغفر لي ، قال : فاعتزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه من أجل ذلك الحديث .

قالت عائشة : وكان قال : ما أنا بداخل عليكن شهرا من شدة موجدته - صلى الله عليه وسلم - حين حدثه الله حديثهن فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها فقالت له عائشة : قد كنت أقسمت يا رسول الله ألا تدخل علينا شهرا وإنا أصبحنا من تسع وعشرين ليلة أعدها عدا ، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشهر تسع وعشرون ليلة " ، قالت عائشة : فأنزل الله التخيير فبدأ بي أول امرأة من نسائه فقال : " إني عارض عليك أمرا ألا فلا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك " وقد علم أن أبواي لم يكونا يأمراني بفراقه ، قالت : فقلت : وما هو ؟ قال : " إن الله قال : ( يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله ) " قالت : فقلت : في أي هذا أستأمر أبوي فهلا عرضت هذا على من هو أكبر مني من نسائك ؟ قالت : فقال : بل أنت ، قالت : فقلت : قبل أن أستشير أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قال : ويقال : إن عائشة قالت : فإني رضيت بالله ورسوله على العسر واليسر ، قالت عائشة : ثم دخل رسول [ ص: 322 ] الله - صلى الله عليه وسلم - على نسائه فخيرهن فكن على كلمة واحدة كما قالت عائشة " .


التالي السابق


الخدمات العلمية