الدرجة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=18603حفظ الحدود عند مالا بأس به ، إبقاء على الصيانة والتقوى . وصعودا عن الدناءة . وتخلصا عن اقتحام الحدود .
يقول : إن من صعد عن الدرجة الأولى إلى هذه الدرجة من الورع يترك كثيرا مما لا بأس به من المباح ، إبقاء على صيانته ، وخوفا عليها أن يتكدر صفوها . ويطفأ نورها . فإن كثيرا من المباح يكدر صفو الصيانة ، ويذهب بهجتها ، ويطفئ نورها ، ويخلق حسنها وبهجتها .
وقال لي يوما شيخ الإسلام
ابن تيمية - قدس الله روحه - في شيء من المباح : هذا ينافي المراتب العالية ، وإن لم يكن تركه شرطا في النجاة . أو نحو هذا من الكلام .
فالعارف يترك كثيرا من المباح إبقاء على صيانته . ولا سيما إذا كان ذلك المباح برزخا بين الحلال والحرام ، فإن بينهما برزخا - كما تقدم - فتركه لصاحب هذه الدرجة كالمتعين الذي لابد منه لمنافاته لدرجته .
والفرق بين صاحب الدرجة الأولى وصاحب هذه : أن ذلك يسعى في تحصيل الصيانة . وهذا يسعى في حفظ صفوها أن يتكدر ، ونورها أن يطفأ ويذهب . وهو معنى قوله : إبقاء على الصيانة .
وأما الصعود عن الدناءة فهو الرفع عن طرقاتها وأفعالها .
وأما التخلص عن اقتحام الحدود ، فالحدود هي النهايات . وهي مقاطع الحلال والحرام . فحيث ينقطع وينتهي ، فذلك حده . فمن اقتحمه وقع في المعصية . وقد نهى الله تعالى عن تعدي حدوده وقربانه . فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187تلك حدود الله فلا تقربوها ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تلك حدود الله فلا تعتدوها ) . فإن الحدود يراد بها أواخر الحلال . وحيث نهى عن القربان فالحدود هناك : أوائل الحرام .
يقول سبحانه : لا تتعدوا ما أبحت لكم ، ولا تقربوا ما حرمت عليكم .
فالورع يخلص العبد من قربان هذه وتعدي هذه . وهو اقتحام الحدود .
الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18603حِفْظُ الْحُدُودِ عِنْدَ مَالَا بَأْسَ بِهِ ، إِبْقَاءً عَلَى الصِّيَانَةِ وَالتَّقْوَى . وَصُعُودًا عَنِ الدَّنَاءَةِ . وَتَخَلُّصًا عَنِ اقْتِحَامِ الْحُدُودِ .
يَقُولُ : إِنَّ مَنْ صَعَدَ عَنِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الْوَرَعِ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِمَّا لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الْمُبَاحِ ، إِبْقَاءً عَلَى صِيَانَتِهِ ، وَخَوْفًا عَلَيْهَا أَنْ يَتَكَدَّرَ صَفْوُهَا . وَيُطْفَأَ نُورُهَا . فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُبَاحِ يُكَدِّرُ صَفْوَ الصِّيَانَةِ ، وَيُذْهِبُ بَهْجَتَهَا ، وَيُطْفِئُ نُورَهَا ، وَيُخْلِقُ حُسْنَهَا وَبَهْجَتَهَا .
وَقَالَ لِي يَوْمًا شَيْخُ الْإِسْلَامِ
ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُبَاحِ : هَذَا يُنَافِي الْمَرَاتِبَ الْعَالِيَةَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَرْكُهُ شَرْطًا فِي النَّجَاةِ . أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ .
فَالْعَارِفُ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنَ الْمُبَاحِ إِبْقَاءً عَلَى صِيَانَتِهِ . وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُبَاحُ بَرْزَخًا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ ، فَإِنَّ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا - كَمَا تَقَدَّمَ - فَتَرْكُهُ لِصَاحِبِ هَذِهِ الدَّرَجَةِ كَالْمُتَعَيِّنِ الَّذِي لَابُدَّ مِنْهُ لِمُنَافَاتِهِ لِدَرَجَتِهِ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ صَاحِبِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى وَصَاحِبِ هَذِهِ : أَنَّ ذَلِكَ يَسْعَى فِي تَحْصِيلِ الصِّيَانَةِ . وَهَذَا يَسْعَى فِي حِفْظِ صَفْوِهَا أَنْ يَتَكَدَّرَ ، وَنُورِهَا أَنْ يُطْفَأَ وَيَذْهَبَ . وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ : إِبْقَاءً عَلَى الصِّيَانَةِ .
وَأَمَّا الصُّعُودُ عَنِ الدَّنَاءَةِ فَهُوَ الرَّفْعُ عَنْ طُرُقَاتِهَا وَأَفْعَالِهَا .
وَأَمَّا التَّخَلُّصُ عَنِ اقْتِحَامِ الْحُدُودِ ، فَالْحُدُودُ هِيَ النِّهَايَاتُ . وَهِيَ مَقَاطِعُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ . فَحَيْثُ يَنْقَطِعُ وَيَنْتَهِي ، فَذَلِكَ حَدُّهُ . فَمَنِ اقْتَحَمَهُ وَقَعَ فِي الْمَعْصِيَةِ . وَقَدْ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَعَدِّي حُدُودِهِ وَقُرْبَانِهِ . فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ) . فَإِنَّ الْحُدُودَ يُرَادُ بِهَا أَوَاخِرُ الْحَلَالِ . وَحَيْثُ نَهَى عَنِ الْقُرْبَانِ فَالْحُدُودُ هُنَاكَ : أَوَائِلُ الْحَرَامِ .
يَقُولُ سُبْحَانَهُ : لَا تَتَعَدُّوا مَا أَبَحْتُ لَكُمْ ، وَلَا تَقْرُبُوا مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ .
فَالْوَرِعُ يُخَلِّصُ الْعَبْدَ مِنْ قُرْبَانِ هَذِهِ وَتَعَدِّي هَذِهِ . وَهُوَ اقْتِحَامُ الْحُدُودِ .