الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فلو مات بهدم ونحوه ) كوقوعه في عميق أو بحر ( و ) قد ( تعذر إخراجه ) منه ( وغسله وتيممه لم يصل عليه ) لفوات الشرط واعترضه الأذرعي وغيره وأطالوا بما منه بل أمتنه أن الشرط إنما يعتبر عند القدرة لصحة صلاة فاقد الطهورين بل وجوبها ويرد بأن ذلك إنما هو لحرمة الوقت الذي حد الشارع طرفيه ولا كذلك هنا ( ويشترط ) لصحة الصلاة ( أن لا يتقدم على الجنازة الحاضرة [ ص: 190 ] ولا ) على ( القبر على المذهب فيهما ) اتباعا للأولين وكالإمام أما الغائبة فلا يؤثر فيها كونها وراء المصلي كما مر ( وتجوز الصلاة عليه ) بل تسن ( في المسجد ) لخبر مسلم { أنه صلى الله عليه وسلم صلى على ابني بيضاء } أي هو لقب أمهما ومعناه كفلان أبيض نقاء العرض من الدنس والعيب سهيل وأخيه في المسجد وزعم أنهما كانا خارجه لا يلتفت إليه لأنه خلاف الظاهر المتبادر ولما تقرر في الأصول أن الظرف بعد فاعله ومفعوله في الفعل الحسي كالصلاة هنا يكون لهما بخلافه بعد غير الحسي يكون للفاعل فقط .

                                                                                                                              ومن ثم قال أصحابنا في إن قتلت زيدا في المسجد فأنت طالق لا بد من وجودهما فيه بخلافه في إن قذفته فيه يشترط وجود القاذف فقط فيه هذا حاصل ما ذكره الزركشي في بحره وقال إنه نفيس بعد قوله مفهوم ظرف المكان حجة عند الشافعي وقوله مقتضى كلام النحاة أنه لا يشترط وجود الفاعل والمفعول في الظرف ا هـ ولك أن تقول ما قاله في القاعدة له وجه وجيه لأن الظرف المكاني من الحسيات فإذا جعل ظرفا لفعل حسي متعد لزم كون الفاعل والمفعول فيه لأن الفعل المذكور لا يتحقق إلا بوجودهما بخلاف الفعل المعنوي فإنه أجنبي عن الظرف الحسي فاكتفى بما هو لازم له بكل تقدير وهو الفاعل فقط .

                                                                                                                              وأما ما قاله عن الأصحاب فهو لا يتمشى على مرجح الشيخين وغيرهما أنه في القتل يشترط وجود المقتول فيه لا القاتل وفي القذف بعكسه ووجهوه بأن ذكر المسجد قرينة على أن القصد به الزجر عن انتهاك حرمته وانتهاكها يحصل بوجود المقتول فيه لاستلزام وقوع معصية القتل فيه وبوجود القاذف لأن القذف يحصل مع غيبة المقذوف فإن قلت هل لما ذكره وجه قلت يمكن أن يوجه بأن القتل لما استلزم غالبا وجود أثر حسي حال صدوره من الفاعل وحال وصوله للمفعول نزل منزلة الحسي في أنه لا بد من وجودهما فيه بخلاف القذف فإنه لا يستلزم ذلك لما تقرر من صدقه مع غيبة المقذوف فاشترط كون الفاعل فيه فقط وخرج بما تقرر أن ذكر المسجد قرينة إلى آخره ما لو أبدله بالدار كأن قتلته أو قذفته في الدار ولا نية له .

                                                                                                                              ومقتضى القاعدة بناء على أن القتل منزل منزلة الحسي أنه يشترط فيه وجودهما فيهما وفي القذف وجود القاذف فقط لكن المبحوث في هذه أنه لا بد من وجودهما فيها في الصورتين ويوجه بأن هذه القاعدة لما لم تطرد وجب تخريجه على القاعدة المطردة وهي أن القيد المتأخر يرجع لجميع ما قبله فتأمل ذلك كله فإنه مهم وخبر { من صلى على جنازة في المسجد فلا شيء له } ضعيف والرواية المشهورة { فلا شيء عليه } وقد صلى عمر والصحابة على أبي بكر رضي الله عنهم فيه وأوصى عمر بالصلاة عليه فيه فنفذها الصحابة وكل من هذين في معنى الإجماع نعم إن خيف تلويث المسجد منه حرم

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وقد تعذر إخراجه منه وغسله وتيممه لم يصل عليه ) يؤخذ منه أنه لا يصلى على فاقد الطهورين الميت ( قوله ويرد بأن ذاك إلخ ) قد ينازع في هذا الرد وجوب الصلاة عليه قبل الدفن وإن لم تغن عن القضاء كصلاة المتيمم في الحضر فقد راعوا حرمته هنا كما راعوا حرمته ثم ( قوله في المتن أن لا يتقدم على الجنازة الحاضرة إلخ ) وفي الروض ويشترط أن لا يكون بينه أي الإمام وبينها [ ص: 190 ] أي الجنازة في غير المسجد فوق ثلثمائة ذراع تقريبا ا هـ قال في شرحه وأن يجمعهما مكان واحد تنزيلا للجنازة منزلة الإمام وسائر الأحكام السابقة في الإمام والمأموم في سائر الصلوات تأتي هنا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله في المتن ولا القبر ) أي الحاضر ( قوله لا بد من وجودهما فيه ) يتأمل وجه حسيتهما في هذا المثال دون الآتي ( قوله فتأمل ذلك فإنه مهم ) لا يخفى على المتأمل ما في هذا الذي أطنب به وقال إنه مهم فعليك بالتأمل مع رعاية القاعدة



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله وقد تعذر إخراجه منه وغسله إلخ ) يؤخذ منه أنه لا يصلى على فاقد الطهورين الميت سم ومر عن ع ش ما يوافقه بل قول الشارح كالنهاية ويرد إلخ صريح في ذلك ( قوله وتيممه ) الواو بمعنى أو كما عبر به النهاية والمغني قول المتن ( لم يصل عليه ) هذا هو المعتمد خلافا لجمع من المتأخرين حيث زعموا أن الشرط إنما يعتبر إلخ نهاية عبارة المغني لم يصل عليه كما نقله الشيخان عن المتولي وأقراه وقال في المجموع لا خلاف فيه قال بعض المتأخرين ولا وجه لترك الصلاة عليه لأن الميسور لا يسقط بالمعسور إلى أن قال وبسط الأذرعي الكلام في المسألة والقلب إلى ما قاله بعض المتأخرين أميل لكن الذي تلقيناه عن مشايخنا ما في المتن ا هـ وينبغي تقليد ذلك الجمع لا سيما في الغريق على مختار الرافعي فيه تحرزا عن إزراء الميت وجبرا لخاطر أهله ( قوله بما منه ) أي بأدلة بعضها قوله بل أمتنه أي أقواها عطف على قوله منه وإفراد الضمير باعتبار لفظ ما .

                                                                                                                              ( قوله ولا كذلك هنا ) أي فإن الشارع لم يحدد لصلاته وقتا وجوب تقديم الصلاة على الدفن لا يستدعي إلحاق ذلك بالوقت المحدود ع ش ( قوله لصحة الصلاة ) إلى قوله ولما تقرر في النهاية والمغني إلا قوله هو لقب إلى سهيل ( قوله أن لا يتقدم إلخ ) ويشترط أيضا أن يجمعهما مكان واحد كما قاله الأذرعي وأن لا يزيد ما بينهما في غير المسجد على ثلثمائة ذراع تقريبا تنزيلا للميت منزلة الإمام مغني زاد النهاية ويؤخذ منه كراهة [ ص: 190 ] مساواته وقد مر بعض ذلك ا هـ ويؤخذ منه أيضا أنها مفوتة لفضيلة الصلاة كما مر في صلاة الجماعة على الخلاف فيهما كما أشار إليه في شرح الروض بصري ( قوله ولا على القبر ) أي الحاضر سم أي على المحل الذي تيقن كون الميت فيه إن علم ذلك وإلا فلا يتقدم على شيء من القبر لأن الميت كالإمام فإن تقدم فيهما بطلت صلاته وانظر بماذا يعتبر التقدم به هنا وينبغي أن يقال إن العبرة هنا بالتقدم بالعقب على رأس الميت فليراجع ع ش .

                                                                                                                              ( قوله هو لقب أمهما إلخ ) فيه نوع تناف بين جعله لقبا وقوله ومعناه إلخ فمراد ومعناه بحسب أصل الوضع لا في حال كونه لقبا لأنه حينئذ لا دلالة له إلا على الشخص وكان مأخذه كلام الشارح المحقق لكنه تصرف بما اقتضى إيراد ما ذكر عليه وأما عبارة الشارح المحقق فلا غبار عليها نصها واسمه أي أخي سهيل سهل والبيضاء وصف أمهما واسمهما دعد وفي تكملة الصغاني إذا قالت العرب فلان أبيض وفلانة بيضاء فالمعنى نقي العرض من الدنس والعيوب انتهى بصري ( قوله في المسجد ) أي في مسجده صلى الله عليه وسلم وصلى أيضا في مسجد بني معاوية على أبي الربيع عبد الله بن عبد الله بن ثابت بن قيس بن هنة قاله صاحب النور فيما كتبه على ابن سيد الناس في الوفود ع ش ( قوله ولما تقرر إلخ ) عطف على قوله لأنه إلخ ( قوله بعد فاعله ومفعوله ) أي فاعل ومفعول عامله ( قوله في الفعل الحسي ) أي بعده .

                                                                                                                              ( قوله ومن ثم قال أصحابنا إلخ ) إن كان المراد بالحسي المدرك بحاسة البصر خاصة اتجه هذا التفريع وإلا فمحل تأمل لأن القذف محسوس بحاسة السمع بصري ( قوله بعد قوله إلخ ) متعلق بذكر ( قوله بكل تقدير ) أي لازما أو متعديا ( قوله بعكسه ) أي بشرط وجود القاذف لا المقذوف ( قوله لما ذكره ) أي عن الأصحاب من اشتراط وجودهما في المثال الأول والفاعل فقط في الثاني ( قوله لكن المبحوث ) أي الذي بحث ( قوله في هذه ) أي صورة الإبدال بالدال ( قوله فتأمل ذلك كله فإنه إلخ ) لا يخفى على المتأمل ما في هذا الذي أطنب به وقال إنه مهم فعليك بالتأمل مع رعاية القواعد سم ( قوله وخبر ) إلى المتن في النهاية والمغني إلا قوله وقد { صلى إلى نعم } ( قوله ضعيف ) صرح بضعفه أحمد وابن المنذر والبيهقي مغني ( قوله والرواية المشهورة إلخ ) ولو صح الأول وجب حمله على هذا جمعا بين الروايات وقد جاء مثله في القرآن في قوله تعالى { وإن أسأتم فلها } نهاية ( قوله منه ) أي من إدخاله قوله ( حرم ) أي إدخاله نهاية




                                                                                                                              الخدمات العلمية