الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        2485 - وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها في ذلك ، فإن أبا بكرة حدثنا ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا ابن جريج ، قال : أنا ابن شهاب ، قال : قلت لعروة : ما كان يحمل عائشة رضي الله عنها على أن تصلي في السفر أربعا ؟ فقال : تأولت ما تأول عثمان في إتمام الصلاة بـ" منى " .

                                                        وقد ذكرنا ما تأول في إتمام عثمان رضي الله عنه الصلاة بـ" منى " فكان ما صح من ذلك هو أنه كان من أجل نيته للإقامة . فإن كان من أجل ذلك كانت عائشة رضي الله عنها تتم الصلاة ، فإنه يجوز أن يكون كانت لا يحضرها صلاة إلا نوت إقامة في ذلك المكان ، يجب عليها بها إتمام الصلاة ، فتتم الصلاة لذلك .

                                                        فيكون إتمامها وهي في حكم المقيمين ، لا في حكم المسافرين .

                                                        وقد قال قوم : كان ذلك منها ، لمعنى غير هذا ، وهو أني سمعت أبا بكرة يقول : قال أبو عمر كانت عائشة [ ص: 428 ] رضي الله عنها أم المؤمنين فكانت تقول : كل موضع أنزله فهو منزل بعض بني ، فتعد ذلك منزلا لها ، وتتم الصلاة من أجله .

                                                        وهذا - عندي - فاسد ؛ لأن عائشة وإن كانت هي أم المؤمنين ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين ، وهو أولى بهم من عائشة .

                                                        فقد كان ينزل في منازلهم ، فلا يخرج بذلك من حكم السفر الذي يقصر فيه الصلاة إلى حكم الإقامة التي تكمل فيها الصلاة .

                                                        وقد قال قوم : كان مذهب عائشة في قصر الصلاة أنه يكون لمن حمل الزاد والمزاد ، على ما روينا عن عثمان رضي الله عنه ، وكانت تسافر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في كفاية من ذلك ، فتركت لهذا المعنى قصر الصلاة .

                                                        فلما تكافأت هذه التأويلات في فعل عثمان وعائشة رضي الله عنهما ، لزمنا أن ننظر حكم قصر الصلاة ، ما يوجبه .

                                                        فكان الأصل في ذلك أنا رأينا الرجل إذا كان مقيما في أهله ، فحكمه في الصلاة حكم الإقامة ، وسواء كان في إقامته طاعة أو معصية ، لا يتغير بشيء من ذلك حكمه ، فكان حكمه تمام الصلاة يجب عليه بالإقامة خاصة ، لا بطاعة ، ولا بمعصية ، ثم إذا سافر خرج بذلك من حكم الإقامة .

                                                        فقد جرى في هذا من الاختلاف ، ما قد ذكرنا . فقال قوم : لا يجب له حكم التقصير إلا أن يكون ذلك السفر سفر طاعة .

                                                        وقال آخرون : يجب له حكم التقصير في الوجهين جميعا .

                                                        فلما كان حكم الإتمام يجب له في الإقامة بالإقامة خاصة ، لا بطاعة ولا بغيرها ، كان كذلك يجيء في النظر أن يكون حكم التقصير يجب له في السفر بالسفر خاصة ، لا بطاعة ولا غيرها ، قياسا ونظرا على ما بينا وشرحنا .

                                                        ولما ثبت أن التقصير إنما يجب له بحكم السفر خاصة لا بغيره ، ثبت أنه يقصر ما كان مسافرا في الأمصار وفي غيرها لأن العلة التي لها تقصر في السفر الذي لم يخرج منه بدخوله الأمصار .

                                                        وجميع ما بينا في هذا الباب وصححنا هو قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية