الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب اتباع النساء الجنائز

                                                                                                                                                                                                        1219 حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن أم الهذيل عن أم عطية رضي الله عنها قالت نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب اتباع النساء الجنازة ) قال الزين بن المنير : فصل المصنف بين هذه الترجمة ، وبين فضل اتباع الجنائز بتراجم كثيرة تشعر بالتفرقة بين النساء والرجال ، وأن الفضل الثابت في ذلك يختص بالرجال دون النساء ، لأن النهي يقتضي التحريم أو الكراهة ، والفضل يدل على الاستحباب ، ولا يجتمعان . وأطلق الحكم هنا لما يتطرق إليه من الاحتمال ، ومن ثم اختلف العلماء في ذلك . ولا يخفى أن محل النزاع إنما هو حيث تؤمن المفسدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا سفيان ) هو الثوري ، وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نهينا ) تقدم في الحيض من رواية هشام بن حسان ، عن حفصة عنها بلفظ : كنا نهينا عن اتباع الجنائز . ورواه يزيد بن أبي حكيم ، عن الثوري بإسناد هذا الباب ، بلفظ : " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه الإسماعيلي ، وفيه رد على من قال : لا حجة في هذا الحديث ، لأنه لم يسم الناهي فيه ، لما رواه الشيخان وغيرهما أن كل ما ورد بهذه الصيغة كان مرفوعا ، وهو الأصح عند غيرهما من المحدثين ، ويؤيد رواية الإسماعيلي ما رواه الطبراني من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية ، عن جدته أم عطية قالت : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جمع النساء في بيت ، ثم بعث إلينا عمر ، فقال : إني رسول رسول الله إليكن ، بعثني إليكن لأبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا . الحديث . وفي آخره : وأمرنا أن نخرج في العيد العواتق ، ونهانا أن نخرج في جنازة . وهذا يدل على أن رواية أم عطية الأولى من مرسل الصحابة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولم يعزم علينا ) ؛ أي : ولم يؤكد علينا في المنع ، كما أكد علينا في غيره من المنهيات ، فكأنها قالت : كره لنا اتباع الجنائز من غير تحريم . وقال القرطبي : ظاهر سياق أم عطية أن النهي نهي تنزيه ، وبه قال جمهور أهل العلم ، ومال مالك إلى الجواز ، وهو قول أهل المدينة . ويدل على الجواز ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في جنازة ، فرأى عمر امرأة فصاح بها ، فقال : دعها يا عمر . الحديث . وأخرجه ابن ماجه ، والنسائي من هذا الوجه ، ومن طريق أخرى عن محمد بن عمرو بن عطاء ، عن سلمة بن الأزرق ، عن أبي هريرة ورجاله ثقات ، وقال المهلب : في حديث أم عطية دلالة على أن النهي من الشارع على درجات . وقال الداودي : قولها : " نهينا عن اتباع الجنائز : " أي إلى أن نصل إلى القبور ، وقوله : " ولم يعزم علينا " ؛ أي أن لا نأتي أهل الميت فنعزيهم ، ونترحم على ميتهم من غير أن نتبع جنازته . انتهى . وفي أخذ هذا التفصيل من هذا السياق نظر ، نعم هو [ ص: 174 ] في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى فاطمة مقبلة ، فقال : من أين جئت ؟ فقالت : رحمت على أهل هذا الميت ميتهم . فقال : لعلك بلغت معهم الكدى ؟ قالت : لا . الحديث ، أخرجه أحمد ، والحاكم وغيرهما . فأنكر عليها بلوغ الكدى ، وهو بالضم ، وتخفيف الدال المقصورة ، وهي المقابر ، ولم ينكر عليها التعزية . وقال المحب الطبري : يحتمل أن يكون المراد بقولها : " ولم يعزم علينا " ؛ أي كما عزم على الرجال بترغيبهم في اتباعها بحصول القيراط ونحو ذلك ، والأول أظهر . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية