الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1571 حدثنا علي سمع أبا بكر بن عياش حدثنا عبد العزيز لقيت أنسا ح وحدثني إسماعيل بن أبان حدثنا أبو بكر عن عبد العزيز قال خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا رضي الله عنه ذاهبا على حمار فقلت أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر فقال انظر حيث يصلي أمراؤك فصل

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا علي ) لم أره منسوبا في شيء من الروايات ، والذي يظهر لي أنه ابن المديني وقد ساق المصنف الحديث على لفظ إسماعيل بن أبان ، وإنما قدم طريق علي لتصريحه فيها بالتحديث بين أبي بكر وهو ابن عياش ، وعبد العزيز وهو ابن رفيع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلقيت أنسا ذاهبا ) في رواية الكشميهني " راكبا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( انظر حيث يصلي أمراؤك فصل ) هذا فيه اختصار يوضحه رواية سفيان وذلك أنه في رواية سفيان بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية وهو منى كما تقدم ، ثم خشي عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فقال له صل مع الأمراء حيث يصلون . وفيه إشعار بأن الأمراء إذ ذاك كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار أنس إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن كان الاتباع أفضل ولما خلت رواية أبي بكر بن عياش عن القدر المرفوع وقع في بعض الطرق عنه وهم فرواه الإسماعيلي من رواية عبد الحميد بن بيان عنه بلفظ : " أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر هذا اليوم ؟ قال : صلى حيث يصلي أمراؤك " قال الإسماعيلي : قوله " صلى " غلط . قلت : ويحتمل أن يكون كانت " صل " بصيغة الأمر كغيرها من الروايات فأشبع الناسخ اللام [ ص: 594 ] فكتب بعدها ياء فقرأها الراوي بفتح اللام . وأغرب الحميدي في جمعه فحذف لفظ فصل من آخر رواية أبي بكر بن عياش فصار ظاهره أن أنسا أخبر أنه صلى حيث يصلي الأمراء وليس كذلك فهذا بعينه الذي أطلق الإسماعيلي أنه غلط . وقال أبو مسعود في : " الأطراف " : جود إسحاق ، عن سفيان هذا الحديث ولم يجوده أبو بكر بن عياش . قلت : وهو كما قال ، وقد قدمت عذر البخاري في تخريجه وأنه أراد به دفع من يتوقف في تصحيحه لتفرد إسحاق به عن سفيان . ووقع في رواية عبد الله بن محمد في هذا الباب زيادة لفظة لم يتابعه عليها سائر الرواة عن إسحاق وهي قوله " أين صلى الظهر والعصر " ؟ فإن لفظ " العصر " لم يذكره غيره فسيأتي في أواخر صفة الحج عن أبي موسى محمد بن المثنى عند المصنف وكذا أخرجه ابن خزيمة ، عن أبي موسى ، وأخرجه أحمد في مسنده عن إسحاق نفسه ، وأخرجه مسلم ، عن زهير بن حرب ، وأبو داود ، عن أحمد بن إبراهيم ، والترمذي ، عن أحمد بن منيع ، ومحمد بن وزير ، والنسائي ، عن محمد بن إسماعيل بن علية ، وعبد الرحمن بن محمد بن سلام ، والدارمي ، عن أحمد بن حنبل ، ومحمد بن أحمد ، وأبو عوانة في صحيحه عن سعدان بن يزيد ، وابن الجارود في : " المنتقى " عن محمد بن وزير ، وسمويه في فوائده عن محمد بن بشار بندار وأخرجه ابن المنذر ، والإسماعيلي من طريق بندار ، زاد الإسماعيلي ، وزهير بن حرب ، وعبد الحميد بن بيان ، وأحمد بن منيع كلهم - وهم اثنا عشر نفسا - عن إسحاق الأزرق ولم يقل أحد منهم في روايته " والعصر " وادعى الداودي أن ذكر العصر هنا وهم وإنما ذكر العصر في النفر وتعقب بأن العصر مذكور في هذه الرواية في الموضعين وقد تقدم التصريح في حديث جابر عند مسلم بأنه صلى الظهر والعصر وما بعد ذلك إلى صبح يوم عرفة بمنى ، فالزيادة في نفس الأمر صحيحة إلا أن عبد الله بن محمد تفرد بذكرها عن إسحاق دون بقية أصحابه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        ( تكميل ) : ليس لعبد العزيز بن رفيع ، عن أنس في الصحيحين إلا هذا الحديث الواحد ، وله عن غير أنس أحاديث تقدم بعضها في : " باب من طاف بعد الصبح " والمراد بالنفر الرجوع من منى بعد انقضاء أعمال الحج ، والمراد بالأبطح المحصب كما سيأتي في مكانه . وفي الحديث أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور ، وروى الثوري في جامعه عن عمرو بن دينار قال : رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة . وقد تقدمت رواية القاسم عنه أن السنة أن يصليها بمنى ، فلعله فعل ما نقله عمرو عنه لضرورة أو لبيان الجواز ، وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال " إذا زاغت الشمس فليرح إلى منى " قال ابن المنذر في حديث ابن الزبير : إن من السنة أن يصلي الإمام الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى قال به علماء الأمصار ، قال : ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا . ثم روي عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه ، قال ابن المنذر : والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا أن الحسن ، وعطاء قالا : لا بأس أن يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم أو يومين . وكرهه مالك وكره الإقامة بمكة يوم التروية حتى يمسي إلا إن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج . وفي الحديث أيضا الإشارة إلى متابعة أولي الأمر والاحتراز عن مخالفة الجماعة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية