الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الصلاة إلى سترة

                                                                                                                                                                                        ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا كان في سفر أو خرج إلى العيدين ركزت له الحربة أو العنزة فيصلي إليها، وأنه كان يصلي إلى بعيره. ولا خلاف في ذلك إذا كان المصلي بحيث يخشى من يمر بين يديه. والإمام والفذ في ذلك سواء.

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا كان لا يخشى ذلك، فأجاز في المدونة أن يصلي إلى غير سترة، ومنعه في العتبية، وهو أحسن؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان أحدكم يصلي، فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو [ ص: 438 ] شيطان". وقال في كتاب مسلم: "فإن معه القرين"، يريد: قرينه من الجن، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرين من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير"، فكأن الشيطان الذي معه يحمله على ذلك، وقال: "إذا صلى أحدكم فليدن من سترته؛ فإن الشيطان يحول بينه وبينها". فأبان أنه إذا دنا لم يقدره الله -عز وجل- على الجواز، وقد أمر بتخمير الإناء من الشيطان أو يعرض عليه عودا، فإن ذلك يمنعه منه وإن كان مكشوفا.

                                                                                                                                                                                        قال: وإذا مر رجل بين يدي المصلي إلى سترة كان الإثم على المار، وإن كان إلى غير سترة، وليس للمار مندوحة في السير إلا بين يديه، وكان يشق عليه الصبر إلى أن يفرغ - كان الإثم على المصلي، إلا أن يكون الغالب أنه لا يمر [ ص: 439 ] أحد بذلك الموضع - فلا إثم على واحد منهما، وإن كان للمار مندوحة عن المرور بين يديه كان الإثم على المار.

                                                                                                                                                                                        والأصل في تعلق الإثم حديث أبي جهيم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه".

                                                                                                                                                                                        واختلف في القدر الذي يكون بين يدي المصلي، فقيل: قدر شبر؛ لحديث سهل بن سعد قال: "كان بين مصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار قدر ممر الشاة". وقدر ذلك شبر، وقد كان شيخنا أبو الطيب -رحمة الله عليه ورضوانه- إذا قام إلى الصلاة دنا من الجدار ذلك القدر؛ لهذا الحديث، وإذا ركع تأخر. وقيل: قدر ذلك ثلاثة أذرع; لحديث بلال -رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في الكعبة وجعل بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع". وإن ذلك يرجع إلى حديث سهل; لأنه إذا كان قيام المصلي من ثلاثة أذرع بقي بعد سجوده إلى الجدار نحو شبر.

                                                                                                                                                                                        وقال الداودي : ذلك واسع، وأكثره ثلاثة أذرع، وأقله ممر شاة. [ ص: 440 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية