الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 176 ] النوع الخامس والثلاثون .

معرفة موهم المختلف

وهو ما يوهم التعارض بين آياته ، وكلام الله جل جلاله منزه عن الاختلاف ; كما قال تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( النساء : 82 ) ، ولكن قد يقع للمبتدئ ما يوهم اختلافا وليس به ، فاحتيج لإزالته ، كما صنف في مختلف الحديث وبيان الجمع بينهما ، وقد رأيت لقطرب فيه تصنيفا حسنا ، جمعه على السور . وقد تكلم فيه الصدر الأول ، ابن عباس وغيره .

وقال الإمام : وقد وفق الحسن البصري بين قوله تعالى : وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ( البقرة : 51 ) ، وقوله : وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر ( الأعراف : 142 ) [ ص: 177 ] بأن قال : ليس المراد في آية الأعراف على ظاهره ; من أن الوعد كان ثلاثين ليلة ، ثم بعد ذلك وعده بعشر ; لكنه وعده أربعين ليلة جميعا ، انتهى .

وقيل : تجري آية الأعراف على ظاهره ; من أن الوعد كان ثلاثين ، ثم أتم بالعشر ، فاستقرت الأربعون ، ثم أخبر في آية البقرة بما استقر .

وذكره الخطابي قال : وسمعت ابن أبي هريرة يحكي عن أبي العباس بن سريج ، قال : سأل رجل بعض العلماء عن قوله تعالى : لا أقسم بهذا البلد ( البلد : 1 ) ، فأخبر أنه لا يقسم بهذا ، ثم أقسم به ، في قوله : والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين ( التين : 1 ، 2 ، 3 ) فقال ابن سريج : أي الأمرين أحب إليك ؟ أجيبك ثم أقطعك ، أو أقطعك ثم أجيبك ؟ فقال بل : اقطعني ثم أجبني ، فقال له : اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجال وبين ظهراني قوم ، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزا ، وعليه مطعنا ، فلو كان هذا عندهم مناقضة لتعلقوا به وأسرعوا بالرد عليه ، ولكن القوم علموا وجهلت ، فلم ينكروا منه ما أنكرت ، ثم قال له : إن العرب قد تدخل ( لا ) في أثناء كلامها وتلغي معناها ، وأنشد فيه أبياتا . والقاعدة في هذا وأشباهه أن الألفاظ إذا اختلفت وكان مرجعها إلى أمر واحد لم يوجب ذلك اختلافا .

التالي السابق


الخدمات العلمية