الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
المطلب الثاني: المعوقات المنهجية للملكة الفقهية

من المعوقات المنهجية التي تؤثر في الملكة الفقهية، فتعطل حركتها وتوقف نموها: إخلال الفقيه بالنصوص الثابتة، والتقليد الذي ينطوي على الجمود والتعصب، والتمسك بحرفية النصوص، والتشدد والتضييق، والغـلو في اعتبار المصلحة، وتبرير الواقع. وفيما يلي بيان لتلك المعوقات.

أولا: الإخلال بالنصوص الثابتة

الفقه الإسلامي يتميز عن غيره من القوانين بأنه ملتزم بمصادره الأساسية من القرآن والسنة والإجماع اليقيني، فلا يجوز للفقيه صاحب الملكة الفقهية تجاوز تلك النصوص أو التنكر لها، وإلا كان ما يصدر عن ذلك الفقيه من آراء فقهية بعيدا عن الفقه الإسلامي. ويتمثل ذلك في الأمور التالية: [ ص: 157 ]

1- الغفلة عن النصوص الشرعية عند الاجتهاد

لا يجوز للفقيه تجاوز النصوص الثابتة في القرآن والسنة إلى الاجتهاد; عملا بالقاعدة الفقهية: (لا اجتهاد في مورد النص) . ومن الأمثلة على ذلك: أن محكمة شرعية عليا في بعض بلاد المسلمين، أجازت لكل أحد أن يستلحق اللقيط ويضمه إلى نسبه، ويصبح بذلك ابنا له، وعليه كل حقوق البنوة وواجباتها. فمقتضى هـذه الفتوى أن: (التبني -مباح وإن سمي: الاستلحاق- فمدار الحكم على المسميات لا على الأسماء) [1] .

ومن الواضح أن هـذا الحكم مخـالف للنصـوص الشرعيـة الثابتة التي حرمت التبني وأبطلته، وأجمـع على ذلك العلمـاء. ومن النصـوص التي تحـرم ذلك قـوله تعالى: ( وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ادعوهم لآبائهم هـو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) (الأحزاب:4-5) .

2- التفسير السيئ للنصوص الشرعية

لا يجوز للفقيه تفسير النصوص الشرعية بعيدا عن القواعد [ ص: 158 ] المقررة في أصول الفقه، الأمر الذي يؤدي إلى حرف النصوص عن مضمونـها، كأن يخصصـها وهي عـامة، أو يقيـدها وهي مطلـقـة أو العكس. ومن القواعد المقررة في توضيح دلالة النص [2] :

أ- الالتزام بالمعنى اللغوي الذي قرره علماء اللغة العربية، مع مراعاة المصطلحات الشرعية التي أخرجها المشرع من معناها اللغوي إلى معنى خاص دل عليه النص عن طريق أدلة قطعية.

ب- مراعاة قواعد الدلالات الأصولية في تحديد علاقة اللفظ بالمعنى المستفاد منه; بحيث يكون استعمال اللفظ معبرا عن معنى إرادة الشرع. وكلما كانت العلاقة واضحة وظاهرة بين اللفظ والمعنى كانت مهمة الفقيه أيسر.

ومن الأمثلة على سوء فهم النصوص الشرعية ما أورده بعض المعاصرين حول آيات تحريم الخمر: (هل الخمر محرمة أم مأمور باجتنابها ؟ والفرق بين التحريم والاجتناب. ومجال نصوص تحريم الخمر مع مجال الآية:

( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس ) (الأنعام:145) . وهي من أواخر الآيات نزولا في [ ص: 159 ] القرآن. كل هـذا مما يحتاج الرأي فيه إلى مجال آخر يرجأ إليه) [3] .

فهو يشكك في قطعـية تحريم الخمر التي وردت في آيات الخمر ومنها: ( يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ) (المـائدة:90) .

وهذا التشكيك مبني على عدم معرفته بالمعنى الدقيق لكل من (التحريم) و (الاجتناب) ، وهو يتوهم أن الأمر بالاجتناب أخف من التحريم، ولو تتبع موارد الكلمة في القرآن لعلم أنها لا تقترن إلا بالشرك وكبائر الإثم والفواحش،

كما في قوله تعالى: ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) (الحج:30) ، فهل الأمر باجتناب الرجس من الأوثان أقل من تحريمه ؟ وآية: ( قل لا أجد في ما أوحي إلي ) ، التي حاول أن يتوكأ عليها في المطعومات لا في المشروبات، وهي تحمل الرد عليه; لأنها عللت تحريم الخمر بقوله: ( فإنه رجس ) ، كما عللت آية تحريم الخمر بأنها: ( رجس من عمل الشيطان ) ، فكيف يحـرم الله الرجـس المجـرد في المطعـوم، ولا يحرمه في المشروب مع وصفه بأنه: ( من عمل الشيطان ) ؟ فهو رجس وزيادة [4] . [ ص: 160 ]

3- الغفلة عن الإجماع اليقيني عند الاجتهاد

لا يجوز للفقيه تجاوز الإجماع اليقيني إلى الاجتهاد.

ومن الأمثلة على ذلك ما قيل من جواز زواج المسلمة بالكتابي, كما جاز زواج المسلم بالكتابية. هـذا مع أن الفرق واضح. فالمسلم يعترف بأصل دين الكتابية, فهو يحترمها ويرعى حقها ولا يصادر عقيدتها. أما الكتابي فلا يعترف بدين المسلمة ولا بكتابها ولا برسولها؛ فكيف تعيش في ظل رجل لا يرى لها أي حق باعتبارها مسلمة؟ [5]

ثانيا: التقليد الذي ينطوي على الجمود والتعصب

التقليد هـو إتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدا للحقيقة فيه, من غير نظر وتأمل في الدليل. وبعبارة أخرى هـو: إتباع قول الغير بلا حجة ولا دليل [6] التقليد هـو إتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل معتقدا للحقيقة فيه, من غير نظر وتأمل في الدليل. وبعبارة أخرى هـو:

إتباع قول الغير بلا حجة ولا دليل [7] .

يرى ابن حزم أن التقليد حرام في سائر أنواع العلم. وعموم الناس, كالعبد المجلوب من بلده, والعامي, والعذراء المخدرة, والراعي في شعب الجبال, والعالم المتبحر في العلم؛ يجب عليهم الاجتهاد [ ص: 161 ] في طلب الحكم الشرعي في كل ما يخصهم من الدين [8] في حين يرى البعض الآخر أن التقليد واجب بعد عصور الاجتهاد الأولى المفضلة، حتى ليصبح إتباع إمام بمنزلة الرسول صلى الله عليه وسلم بخيرها وعدالتها " [9] . ويصل الحال ببعض المقلدين أن يزعم بأن كل نص من النصوص الشرعية خالف المذهب فهو إما منسوخ أو مؤول [10] ومما لا شك فيه أن القولين فيهما مغالاة. فالقول الأول يؤدي إلى الفوضى التي لا تقف عند حد؛ لأن هـذا القول لا يشترط حدا أدنى من المعرفة لمن أراد الاجتهاد ، وإنما يلزم كل واحد من عامة الناس بمن فيهم العالم والمتعلم وراعي الغنم بالاجتهاد. كما أن هـذا القول يؤدي إلى زوال هـيبة العالم وكرامته وفضله، فهو يستوي مع العبد المجلوب، والراعي في شعب الجبال. وأما القول الآخر فيؤدي إلى التعصب والجمود كما يؤدي إلى عدم احترام النصوص الشرعية، وفتح الباب على مصراعيه للطعن فيها. [ ص: 162 ]

والقول الوسط: أن التقليد للمبتدئين ضروري للتأسيس - كما بينا سابقا - فيحفظ المبتدئ متنا في مذهب من المذاهب الفقهية. ثم ينتقل بعد ذلك إلى معرفة الدليل من القرآن والسنة، ولا يجوز أن يستمر في حفظ الآراء الفقهية بدون دليل ؛ لأن الملكة الفقهية لا تنمو بالآراء المجردة عن أدلتها الشرعية وعللها ومآخذها ؛ ولأن هـذا يؤدي إلى التعصب الذميم. يقول ابن تيمية : " إذا تفقه الرجل وتأدب بطريق قوم من المؤمنين، مثل أتباع الأئمة والمشايخ؛ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هـم المعيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم. فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به، فهذا زاجر، وكمائن القلوب تظهر عند المحن، وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها تحول أصحابه، ولا يناجز عليها، بل لأجل أنها مما أمر الله به رسوله أو أخبر الله به ورسوله، لكون ذلك طاعة الله ورسوله " [11] .

ثالثا: الالتزام بحرفية النصوص وعدم تعليل الأحكام

يوجد في هـذا العصر بعض المنتسبين للعلم ممن يحييون ذكر ابن حزم الظاهري في الالتزام بحرفية النص وعدم تعليل الأحكام. وهم ممن لم يتمرسوا بالفقه وأصوله، ولم يطلعوا على اختلاف [ ص: 163 ] الفقهاء ومداركهم في الاستنباط، ولا يهتمون بمقاصد الشريعة الإسلامية، ولا يقرون بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان.

فنجد منهم من يقول: إن السفر الشرعي هـو ما كان على بعد ثلاثة فراسخ عملا بحديث: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين ) [12] فمن سافر ثلاثة فراسخ وهي تعادل (16) كيلو مترا تقريبا يعتبر مسافرا، يفطر في رمضان، ويقصر الصلاة، وهذا غير معقول، فالعرف لا يعتبر تلك المسافة مسافة سفر. ومنهم من يقول: بعدم وجوب الزكاة في عروض التجارة، مع أن أغلب ثروة الأمة اليوم في عروض التجارة. ومنهم من يقول: إن النقود الشرعية ما كان من قبيل الذهب والفضة التي وردت فيها الأحاديث. أما النقود الورقية فلا تعتبر نقودا شرعية. وعلى هـذا لا يجري فيها الربا ولا تجب فيها الزكاة [13] والأصل الذي ينبغي أن يستقر في أذهان الفقهاء أن غالبية العبادات تعبدية غير معقولة المعنى، أو غير معللة بعلة معينة، وإنما يطلب من المكلف الالتزام بها ولو لم يدرك علة كتقبيل الحجر [ ص: 164 ] الأسود. وأما المعاملات فإن غالبيتها غير تعبدية، أو معقولة المعنى، أو معللة بعلة معينة يدركها المجتهد. يقول الشاطبي : الأصل في العبادات بالنسبة إلى المكلف التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وأصل العادات ( المعاملات) الالتفات إلى المعاني [14] .

ويستدل لهذا الأصل باستقراء نصوص الشريعة الإسلامية، فقد جاءت لمراعاة العلل والمصالح،

ومن ذلك قوله تعالى: ( لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ) (النساء:29) ، وقوله تعالى: ( إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ) (المائدة:91) .

قال الشاطبي: " فإنا وجدنا الشارع قاصدا لمصالح العباد، والأحكام العادية تدور معه حيثما دار، فترى الشيء الواحد يمنع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإن كان فيه مصلحة جاز، كالدراهم بالدراهم إلى أجل يمنع في المبايعة ويجوز في القرض " [15] [ ص: 165 ]

والمصالح التي قصدها الشارع في تشريع المعاملات هـي مراعاة الضروريات والحاجيات والتحسينيات.

رابعا : التشديد والتضييق

هناك من العلماء من يرى أن المسائل المستجدة ينبغي أن ينظر فيها من خلال النصوص السابقة، سواء في القرآن أو السنة أو أقوال الفقهاء، فإذا لم يجدوا نصا خاصا بتلك المسألة المستجدة أفتوا بالمنع وعدم الجواز، سواء أكانت المسألة تتعلق بالمعاملات أم بالعبادات، وكأن الأصل في الأحكام العملية الحظر إلا ما أفتى السابقون بإباحته. وقد وجدنا من الفقهاء من أفتى بعدم جواز خلو الأوقاف الذي يدفع للناظر على الوقف مقابل تأبيد الإجارة، بحيث ادعى المانعون عدم وجود نص في المسألة، ولا يوجد قول لإمام تخرج عليه. حيث قال الشيخ ميارة : " فلم أقف على نص فيها ولا أظنه يوجد؛ لأنها محض اصطلاح من المتأخرين " [16] .

والحقيقة أن المعاملات تختلف عن العبادات، فإذا كان الأصل في العبادات الحظر، فإن الأصل في المعاملات الإباحية، بحيث لا تخالف المعاملة نصا أو قاعدة كلية. قال ابن تيمية : الأصل في [ ص: 166 ] هـذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه. كما لا يشرع لهم من العبادات التي يتقربون بها إلى الله إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه. إذ الدين ما شرعه الله والحرام ما حرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله، بخلاف الذين ذمهم الله، حيث حرموا من دين الله ما لم يحرمه الله، وأشركوا به ما لم ينزل به سلطانا، وشرعوا لهم من الدين ما لم يأذن الله [17]

خامسا: الغلو في اعتبار المصلحة

يوجد في هـذا العصر بعض المنتسبين للعمل ممن يحييون ذكر نجم الدين الطوفي الذي بالغ في تقدير المصالح، حتى قدمها على النصوص الشرعية والإجماع اليقيني، وخالف بهذا كل من أخذ بالمصلحة قبله ممن اعتبرها أصلا ودليلا من المالكية ومن وافقهم. فهم لم يعتبروها إلا بشرط عدم معرضتها للنصوص الشرعية والقواعد الكلية. وهذا الذي يعرف في أصول الفقه بالمصحلة المرسلة . أما المصلحة المعارضة للنصوص الشرعية فهي غير معتبرة، وهي ليست مصلحة حقيقية، وإنما هـي موهومة، زينها لصاحبها الهوى والغفلة. ولذلك لا تؤخذ عبارة: " حيثما وجدت المصلحة [ ص: 167 ] فثم شرع الله " على إطلاقها، وإنما تقيد بعدم معارضتها للنصوص الشرعية والقواعد الكلية.

ومن الأمثلة على الغلو في المصلحة، إباحة الربا بحجة أن الاقتصاد عصب الحياة، والبنوك عصب الاقتصاد، والفوائد الربوية عصب البنوك. ومن الأمثلة أيضا تحريم الزواج بأكثر من واحدة؛ لما يترتب على التعدد من مفاسد أسرية ومضار اجتماعية؛ واحتج المحرم بأن من حق ولي الأمر أن يمنع بعض المباحات جلبا لمصلحة أو درءا لمفسدة [18] فعلى الفقيه المعاصر عند بحث القضايا الفقهية، والنظر في النصوص الشرعية، الوقوف عند النصوص الشرعية، الوقوف عند النصوص القطعية عدم تجاوزها بحجة تغير المصلحة؛ لأن تلك النصوص ليست محلا للاجتهاد، ولا يجوز له أن ينساق وراء المتلاعبين بالدين باسم المصلحة، فيحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله. يقول الشاطبي في بيان المصلحة التي بنى الشارع عليها الحكم: إن كون المصلحة مصلحة تقصد بالحكم، والمفسدة مفسدة كذلك مما يختص بالشارع، لا مجال للعقل فيه بناء على قاعدة التحسين والتقبيح، فإذا كان الشارع قد [ ص: 168 ] شرع الحكم لمصلحة ما فهو الواضع لها مصلحة، وإلا فكان يمكن عقلا ألا تكون كذلك، إذا الأشياء كلها بالنسبة إلى وضعها الأول متساوية، لا قضاء للعقل فيها بحسن ولا قبح. فإذا كون المصلحة هـو من قبل الشارع بحيث يصدقه العقل، وتطمئن إليه النفس. فالمصالح من حيث هـي مصالح قد آل النظر فيها إلى أنها تعبديات [19] .

هذا المفهوم للمصلحة يضع حدا للعقل عند النظر في النصوص الشرعية، وهو أن العقل تابع للشرع، ومقيد به، وليس العكس. فيجوز للعقل أن ينظر في النصوص الظنية والأحكام المبنية على المصالح المرسلة، ولا يجوز له أن ينظر في النصوص القطعية.

سادسا: تبرير الواقع

المراد بتبرير الواقع، إضفاء الشرعية على الواقع السيئ الذي صنعه غير المسلمين، بقصد إرضاء عامة الناس أو السلطان، أو لوقوع الفقيه تحت ما يسمى بالهزيمة النفسية أو انبهاره بالحضارة الغربية.

وينبغي أن نفرق بين تبرير الواقع، والتيسير على الناس في أمر دينهم القائم على الاجتهاد العلمي المنضبط بقواعد سليمة واستنباط صحيح، لأن التيسير على الناس مقصد شرعي دلت عليه [ ص: 169 ] الآيات والأحاديث بخلاف تبرير الواقع، فإنه تأويل لنصوص الشريعة تأويلا يتلائم مع أهواء العامة أو السلطان أو القائمين على الحضارة الغربية، وهذا ما يخدش الملكة الفقهية عند الفقيه.. والأمثل على ذلك كثيرة

فلا بد للفقيه المعاصر عند بحث القضايا الفقهية أن يكون موضوعيا في بحثه، غايته الوصول إلى الحكم الشرعي الذي تؤيده النصوص الشرعية، ويدخل لبحث المسألة الفقهية بذهنية فارغة من كل المسبقات والفروض والضغوط السياسية، وإلا أصبح الفقه تبعا للسياسة، وكانت مهمة الفقيه هـي تبرير المواقف والآراء السياسية.

لهذا يجب استبعاد هـذا النوع من الفتاوى وعدم الاعتداد بها في الفقه المعاصر؛ لأن الغاية منها تبرير الواقع السيء الذي صنعه غير المسلمين وإضفاء الشرعية عليه، ولأنها صادرة ممن مورست عليهم الضغوط السياسية، ولم يستطيعوا التحرر من الخوف وضغوط الواقع السيء. [ ص: 170 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية