الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : قوله تعالى : ( وهو على كل شيء وكيل ) المراد منه أن يحصل للعبد كمال التوحيد وتقريره ، وهو أن العبد وإن كان يعتقد أنه لا إله إلا هو ، وأنه لا مدبر إلا الله تعالى ، إلا أن هذا العالم عالم الأسباب .

                                                                                                                                                                                                                                            وسمعت الشيخ الإمام الزاهد الوالد رحمه الله يقول : لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب ، وإذا كان الأمر كذلك فقد يعلق الرجل القلب بالأسباب الظاهرة ، فتارة يعتمد على الأمير ، وتارة يرجع في تحصيل مهماته إلى الوزير ، فحينئذ لا ينال إلا الحرمان ولا يجد إلا تكثير الأحزان ، والحق تعالى قال : ( وهو على كل شيء وكيل ) والمقصود أن يعلم الرجل أنه لا حافظ إلا الله ، ولا مصلح للمهمات إلا الله ، فحينئذ ينقطع طمعه عن كل ما سواه ، ولا يرجع في مهم من المهمات إلا إليه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة : أنه قال قبل هذه الآية بقليل : ( وخلق كل شيء ) وقال هاهنا : ( خالق كل شيء ) ، وهذا كالتكرار .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن قوله : ( وخلق كل شيء ) إشارة إلى الماضي ، أما قوله : ( خالق كل شيء ) فهو اسم الفاعل ، وهو يتناول الأوقات كلها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : وهو التحقيق أنه تعالى ذكر هناك قوله : ( وخلق كل شيء ) ليجعله مقدمة في بيان نفي الأولاد ، و هاهنا ذكر قوله : ( خالق كل شيء ) ليجعله مقدمة في بيان أنه لا معبود إلا هو ، والحاصل أن هذه المقدمة مقدمة توجب أحكاما كثيرة ونتائج مختلفة ، فهو تعالى يذكرها مرة بعد مرة ، ليفرع عليها في كل موضع ما يليق بها من النتيجة .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثامنة : لقائل أن يقول : الإله هو الذي يستحق أن يكون معبودا ، فقوله : ( لا إله إلا هو ) معناه لا يستحق العبادة إلا هو ، فما الفائدة في قوله بعد ذلك ( فاعبدوه ) فإن هذا يوهم التكرير .

                                                                                                                                                                                                                                            والجواب : قوله : ( لا إله إلا هو ) أي لا يستحق العبادة إلا هو ، وقوله : ( فاعبدوه ) أي لا تعبدوا غيره .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة التاسعة : القوم كانوا معترفين بوجود الله تعالى كما قال : ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) [ لقمان : 25 ] وما أطلقوا لفظ الله على أحد سوى الله سبحانه ، كما قال تعالى : ( هل تعلم له سميا ) [ مريم : 65 ] فقال : ( ذلكم الله ربكم ) أي الشيء الموصوف بالصفات التي تقدم ذكرها هو الله تعالى ، ثم قال بعده : ( ربكم ) يعني الذي يربكم ويحسن إليكم بأصناف التربية ووجوه الإحسان ، وهي أقسام [ ص: 102 ] بلغت في الكثرة إلى حيث يعجز العقل عن ضبطها ، كما قال : ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( لا إله إلا هو ) يعني أنكم لما عرفتم وجود الإله المحسن المتفضل المتكرم فاعلموا أنه لا إله سواه ولا معبود سواه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال : ( خالق كل شيء ) يعني إنما صح قولنا : لا إله سواه ؛ لأنه لا خالق للخلق سواه ، ولا مدبر للعالم إلا هو ، فهذا الترتيب ترتيب مناسب مفيد .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية