الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( فإن تباعدت الصفوف أو تباعد الصف الأول عن الإمام نظرت فإن كان لا حائل بينهما وكانت الصلاة في المسجد وهو عالم بصلاة الإمام صحت الصلاة لأن كل موضع من المسجد موضع الجماعة ، وإن كان في غير المسجد فإن كان بينه وبين الإمام أو بينه وبين آخر صف مع الإمام مسافة بعيدة لم تصح صلاته ، فإن كانت مسافة قريبة صحت صلاته ، وقدر الشافعي - رحمه الله - القريب بثلاثمائة ذراع والبعيد ما زاد على ذلك ، لأن ذلك قريب في العادة ، وما زاد بعيد ، وهل هو تقريب أو تحديد ؟ فيه وجهان : ( أحدهما ) : أنه تحديد ، فلو زاد على ذلك ذراع لم يجزه ( والثاني ) : أنه تقريب فإن زاد ثلاثة أذرع جاز .

                                      وإن كان بينهما حائل نظرت فإن كانت الصلاة في المسجد بأن كان أحدهما في المسجد والآخر على سطحه أو في بيت منه لم يضر ، وإن كان في غير المسجد نظرت فإن كان الحائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم تصح صلاته ، لما روي عن عائشة رضي الله عنها " أن نسوة كن يصلين في حجرتها بصلاة الإمام فقالت : لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب " وإن كان بينهما حائل يمنع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك ففيه وجهان :

                                      ( أحدهما ) : لا يجوز لأن بينهما حائلا يمنع الاستطراق فأشبه الحائط ( والثاني ) يجوز لأنه يشاهدهم فهو كما لو كان معهم ، وإن كان بين الإمام والمأموم نهر ففيه وجهان :

                                      قال أبو سعيد الإصطخري : لا يجوز لأن الماء يمنع الاستطراق فهو كالحائط ، والمذهب أنه يجوز لأن الماء لم يخلق للحائل وإنما خلق للمنفعة فلا يمنع الائتمام كالنار ) .

                                      [ ص: 194 ]

                                      التالي السابق


                                      [ ص: 194 ] الشرح ) للإمام والمأموم في المكان ثلاثة أحوال ( أحدها ) : أن يكونا في مسجد فيصح الاقتداء ، سواء قربت المسافة بينهما أم بعدت لكبر المسجد ، وسواء اتحد البناء أم اختلف كصحن المسجد صفته وسرداب فيه ، وبئر ، مع سطحه وساحته والمنارة التي هي من المسجد تصح الصلاة في كل هذه الصور وما أشبهها إذا علم صلاة الإمام ولم يتقدم عليه ، سواء كان أعلى منه أو أسفل ولا خلاف في هذا .

                                      ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين ، وهذا الذي ذكرناه في سطح المسجد هو إذا كان سطحه منه ، فإن كان مملوكا فهو كملك متصل بالمسجد وقف أحدهما فيه والآخر في المسجد وسيأتي في الحال الثالث إن شاء الله تعالى .

                                      وشرط البناءين في المسجد أن يكون باب أحدهما نافذا إلى الآخر وإلا فلا يعدان مسجدا واحدا ، وإذا وجد هذا الشرط فلا فرق بين أن يكون الباب بينهما مفتوحا أو مردودا ، مغلقا أو غير مغلق ، وفي وجه ضعيف إن كان مغلقا لم يصح الاقتداء ، ووجه آخر أنه إذا كان أحدهما في المسجد والآخر على سطحه وباب المرقاة مغلق لم يصح الاقتداء حكاهما الرافعي وهما شاذان والمذهب ما سبق ، أما المساجد المتلاصقة التي يفتح بعضها إلى بعض فلها حكم مسجد واحد فيصح الاقتداء ، وأحدهما في ذا والآخر في ذاك ، هكذا أطلقه الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب وصاحبا الشامل والتتمة والجمهور .

                                      وقال الشيخ أبو محمد الجويني : إن انفرد كل واحد من المسجدين بإمام ومؤذن وجماعة فلكل واحد منهما مع الآخر حكم الملك المتصل بالمسجد كما سنذكره إن شاء الله - تعالى والمذهب الأول .

                                      ولو كانا في مسجدين يحول بينهما نهر أو طريق أو حائط المسجد غير باب نافذ من أحدهما إلى الآخر فهو كملك متصل بالمسجد ، ولو كان في المسجد نهر فإن حفر بعد المسجد فهو مسجد فلا يضر ، وإن حفر قبل مصيره مسجدا فهما مسجدان غير متصلين ، أما رحبة المسجد فقال الرافعي : عدها الأكثرون منه ولم يفرقوا بين أن يكون بينها وبين المسجد طريق أم لا .

                                      وقال ابن كج : إن انفصلت فهي كمسجد آخر ، والمذهب الأول ، فقد نص الشافعي والأصحاب على [ ص: 195 ] صحة الاعتكاف فيها ، قال البندنيجي : ورحبة المسجد هي البناء المبني له حوله متصلا به ، وقال القاضي أبو الطيب : هي ما حواليه .

                                      ( الحال الثاني ) أن يكون الإمام والمأموم في غير مسجد وهو ضربان .

                                      ( أحدهما ) : أن يكونا في فضاء من صحراء أو بيت واسع ونحوه فيصح الاقتداء بشرط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع ، وهل هو تحديد أم تقريب ؟ فيه طريقان حكاهما الشيخ أبو حامد وغيره ( أحدهما ) : أنه تقريب وجها واحدا ، ونقله أبو حامد عن عامة أصحابنا ( وأصحهما ) وأشهرهما فيه وجهان : ذكرهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) تقريب ، وهو نصه في الأم والمختصر .

                                      قال الشيخ أبو حامد : هو قول عامة أصحابنا وهو الصحيح ، وهذا التقدير مأخوذ من العرف على الصحيح وقول الجمهور منهم أبو علي بن خيران وأبو الطيب بن سلمة وأبو حفص بن الوكيل ، وفيه وجه مشهور أنه مأخوذ مما بين الصفين في صلاة الخوف .

                                      حكى البندنيجي هذا الوجه عن ابن سريج وأبي إسحاق وغيرهما فإذا قلنا تقريب فزاد على ثلاثمائة أذرعا يسيرة كثلاثة ونحوها لم يضر ، وإن قلنا تحديد ضر .

                                      ولو وقف خلف الإمام شخصان أو صفان أحدهما وراء الآخر اعتبرت هذه المسافة بين الصف الأخير والصف الأول ، أو الشخص الأخير والأول حتى لو كثرت الصفوف وبلغ ما بين الإمام والصف الأخير أميالا جاز بشرط أن لا يزيد ما بين كل صف أو شخص وبين من قدامه على ثلاثمائة ذراع .

                                      وفيه وجه مذكور في الطريقتين أنه يعتبر هذه المسافة بين الإمام والصف الأخير إذا لم تكن الصفوف القريبة من الإمام متصلة على العادة ، وهذا ضعيف ; واتفق الأصحاب على تضعيفه ; والصحيح الأول .

                                      ولو وقف عن يمين الإمام أو يساره ولم يتقدم عليه رجل أو صف صح إن لم يزد ما بينه وبين الإمام على ثلاثمائة ذراع ، فإن وقف آخر عن يمين الواقف عن يمين الإمام على ثلاثمائة ذراع من المأموم الأول ثم ثالث على يمين الثاني على ثلاثمائة ذراع ; وهكذا رابع وخامس وأكثر صحت [ ص: 196 ] صلاة الجميع كما إذا كانوا خلفه ; وهذا متفق عليه ، ويجيء فيه الوجه السابق في اعتبار هذه المسافة من الإمام إذا لم تتصل الصفوف القريبة بالإمام على العادة ، وعلى هذا لو وقف واحد عن يمين الإمام على ثلاثمائة ذراع وآخر عن يساره كذلك وآخر وراءه كذلك ; ثم وراء كل واحد أو عن جنبه آخر أو صف على هذه المسافة ; ثم آخر ، ثم آخر وكثروا صحت صلاة الجميع إذا علموا صلاة الإمام .

                                      أما إذا حال بين الإمام والمأموم أو بين الصفين نهر في الفضاء فإن أمكن العبور من أحد طرفيه إلى الآخر بلا سباحة بالوثوب أو الخوض أو العبور على جسر صح الاقتداء بالاتفاق ، وإن احتاج إلى سباحة أو كان بينهما شارع مطروق فوجهان : الصحيح باتفاقهم لا يضر ; بل يصح الاقتداء لحصول المشاهدة .

                                      والماء لا يعد حائلا ، وكما لو حال بينهما نار فإن الاقتداء صحيح بالاتفاق .

                                      قال أصحابنا : وسواء في الأحكام المذكورة كان الفضاء مواتا أو ملكا أو وقفا بعضه مواتا وبعضه ملكا .

                                      وحكى الخراسانيون وجها أنه يشترط في الساحة المملوكة اتصال الصفوف بحيث لا يكون بين كل صف والذي قدامه أكثر من ثلاث أذرع ; ووجها حكاه البغوي وغيره يشترط ذلك في الملكين لشخصين لا في ملك الواحد ، والصحيح المشهور لا يشترط ذلك مطلقا ، وبه قطع العراقيون وكثيرون من الخراسانيين ، وسواء في هذا كله كان الفضاء محوطا عليه أو مسقفا كالبيوت الواسعة أو غير ذلك .

                                      ( الضرب الثاني ) أن يكونا في غير فضاء ، فإذا وقف أحدهما في صحن دار أو صفتها والآخر في بيت منها فقد يقف المأموم عن يمين الإمام ووراءه وخلفه وفيه طريقان ( إحداهما ) قالها القفال وأصحابه وابن كج ; وحكاها أبو علي الطبري في الإفصاح عن بعض الأصحاب أنه يشترط فيما إذا وقف من أحد الجانبين أن يتصل الصف من البناء الذي فيه الإمام بالذي فيه المأموم ، بحيث لا يبقى فرجة تسع واحدا ، فإن بقيت فرجة لا تسع واقفا فوجهان : ( الصحيح ) أنها لا تضر ( والثاني ) : تضر ، فلو كان بينهما عتبة عريضة تسع واقفا اشترط وقوف مصل فيها فإن لم يمكن الوقوف فيها فعلى الوجهين في الفرجة اليسيرة ، الأصح : لا تضر وإن وقف خلف الإمام فوجهان : [ ص: 197 ] أحدهما ) : لا يصح الاقتداء مطلقا ( والصحيح ) الصحة بشرط اتصال الصفوف وتلاحقها ، ومعنى اتصالها أن يقف شخص أو صف في آخر بناء الإمام وآخر في أول بناء المأموم بحيث لا يكون بينهما أكثر من ثلاث أذرع والثلاثة للتقريب .

                                      قالوا : فلو زاد عليها ما لا يبين في الحس لم يضر وهذا القدر هو المشروع بين الصفين في كل حال ، ومعناه أن السنة أن لا يزاد ما بينهما عليه ، وإذا وجد هذا الشرط فكان في بناء المأموم بيت عن اليمين أو الشمال اعتبر الاتصال بتواصل المناكب كما سبق ، هذه طريقة القفال وموافقيه .

                                      ( الطريقة الثانية ) طريقة أبي إسحاق المروزي وأصحابه وجمهور العراقيين ، واختارها أبو علي الطبري وغيره ، وهي الصحيحة ، أن اختلاف البناء لا يضر ولا يشترط اتصال الصف من خلف ولا من اليمين والشمال ، بل المعتبر القرب والبعد على الضبط المذكور في الصحراء ، فيصح اقتداء المأموم خلف الإمام وبجنبه ما لم يزد ما بينه وبين آخر صف على ثلاثمائة ذراع كما سبق ، هذا إذا كان بين البناءين باب مفتوح ، فوقف مقابله رجل أو صف ، أو لم يكن جدار أصلا - كصحن مع صفة - فلو حال حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة لم يصح الاقتداء باتفاق الطريقتين وإن منع الاستطراق دون المشاهدة كالشباك فوجهان مشهوران : ( أصحهما ) لا تصح لأنه يعد حائلا ، ممن صححه البندنيجي ، وإذا صح اقتداء الواقف أو الواقفين في البناء - إما لوجود الاتصال كما شرطه أصحاب الطريقة الأولى ، وإما لعدم الزيادة على ثلاثمائة ذراع كما قاله أصحاب الثانية - صحت صلاة الصفوف والمنفرد خلفهم تبعا ، ولا يضر الحائل المانع من الاستطراق والمشاهدة بينهم وبين الإمام ، لكن يكون الصفوف مع الواقف كالمأمومين مع الإمام في اعتبار الشرط السابق فيعتبر أن لا يحول بينهما مانع من الاستطراق والمشاهدة ، ويعتبر باقي ما سبق .

                                      ولو تقدم على الواقف المذكور واحد أو صف لم تصح صلاته وإن تأخر عن سمت الإمام إلا إذا جوزنا تقدم المأموم على الإمام .

                                      قال القاضي حسين وغيره : ولا يجوز أن تتقدم تكبيرة إحرام الذين وراء الواقف عليه لأنهم لا يصح اقتداؤهم بالإمام إلا تبعا للواقف ، فيشترط أن يكون قد دخل في الصلاة .

                                      أما إذا وقف الإمام في صحن الدار والمأموم في مكان عال [ ص: 198 ] منها كسطح وطرف صفة مرتفعة ونحوه أو بالعكس ففيما يحصل به الاتصال ويصح الاقتداء وجهان : ( أحدهما ) : قاله الشيخ أبو محمد الجويني : إن كان رأس الواقف أسفل يحاذي ركبة الواقف في العلو صح الاقتداء وإلا فلا ( والثاني ) وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور إن حاذى رأس الأسفل قدم الأعلى صح الاقتداء ، وإلا فلا .

                                      قال إمام الحرمين : الأول مزيف لا أصل له ، والاعتبار بمعتدل القامة حتى لو كان قصيرا أو قاعدا فلم تحاذ - ولو قام فيه معتدل القامة لحصلت المحاذاة - كفى .

                                      وحيث لا يمنع الانخفاض القدوة ; وكان بعض من يحصل بهم الاتصال على سرير وبعضهم على الأرض جاز .

                                      ولو كانا في بحر والإمام في سفينة والمأموم في أخرى وهما مكشوفتان فوجهان : ( أحدهما ) : قاله الإصطخري يشترط أن تكون سفينته مشدودة بسفينة الإمام ( والثاني ) : وهو الصحيح وبه قطع الجمهور : لا يشترط ذلك ، وإنما يشترط أن لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع كالصحراء ، قالوا : وتكون السفينتان كدكتين في الصحراء والماء كالأرض ; وإن كانتا مسقفتين أو إحداهما فهما كالدارين والسفينة ذات البيوت كدار ذات بيوت ، وحكم المدرسة والرباط والخان حكم الدار ، لأنها لم تبن للصلاة بخلاف المسجد ، والسرادقات في الصحراء كسفينة مكشوفة ، والخيام كالبيوت .

                                      ( الحال الثالث ) أن يكون أحدهما في المسجد والآخر خارجه ، فإن وقف الإمام في مسجد والمأموم في موات متصل به - فإن لم يكن بينهما حائل - جاز إذا لم يزد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع ، ومن أين تعتبر هذه الذرعان ؟ في ثلاثة أوجه الصحيح أنها تعتبر من آخر المسجد والثاني من آخر صف في المسجد ، فإن لم يكن فيه إلا الإمام فمن موقفه ; والثالث : من حريم المسجد الذي بينه وبين الموات ، وحريمه الموضع المتصل به المهيأ لمصلحته كانصباب الماء إليه وطرح القمامات فيه ، ولو كان بينهما جدار المسجد لكن الباب النافذ بينهما مفتوح فوقف في مقابلته جاز ، فلو اتصل صف بالواقف في المقابلة وراءه وخرجوا عن المقابلة صحت صلاتهم لاتصالهم بمن صلاته صحيحة فلو لم يكن في الجدار باب أو كان ولم يكن مفتوحا ، أو كان مفتوحا ولم يقف في قبالته بل عدل عنه فوجهان : الصحيح أنه لا يصح الاقتداء لعدم الاتصال .

                                      [ ص: 199 ] وبهذا قال جمهور أصحابنا المتقدمين وقطع به أكثر المصنفين ( والثاني ) قاله أبو إسحاق المروزي يصح الاقتداء ولا يكون حائط المسجد حائلا سواء كان قدام المأموم أو عن جنبه والمذهب أنه يمنع .

                                      وهذا الوجه مشهور عن أبي إسحاق في كتب الأصحاب .

                                      وقال البندنيجي : هذا ليس بصحيح عن أبي إسحاق ، قال القاضي أبو الطيب : هو ظاهر نص الشافعي في الأم ، وبه قال أبو حنيفة .

                                      وأما الحائل غير جدار المسجد فيمنع بلا خلاف ، ولو كان بينهما باب مغلق فهو كالجدار لأنه يمنع الاستطراق والمشاهدة ، فإن كان مردودا غير مغلق فهو مانع من المشاهدة ، دون الاستطراق ، أو كان بينهما شباك فهو مانع من الاستطراق دون المشاهدة ، ففي الصورتين وجهان : ( أصحهما ) عند الأكثرين أنه مانع ، وأصحهما عند القاضي أبي الطيب أنه ليس بمانع ، هذا كله في الموات ، فلو وقف المأموم في شارع متصل بالمسجد فوجهان : الصحيح أنه كالموات ( والثاني ) يشترط اتصال الصف من المسجد بالطريق .

                                      ولو وقف في حريم المسجد ، قال البغوي : هو كالموات ، قال والفضا المتصل بالمسجد لو كان مملوكا فوقف المأموم فيه لم يصح اقتداؤه حتى يتصل الصف من المسجد بالفضاء ، قال : وكذا يشترط اتصال الصف من سطح المسجد بالسطح المملوك ، وكذا لو وقف في دار مملوكة متصلة بالمسجد يشترط الاتصال بأن يقف واحد في آخر المسجد متصل بعتبة الدار وآخر في الدار متصل بالعتبة بحيث لا يكون بينهما موقف رجل .

                                      هذا كلام البغوي وهذا الذي قاله في الفضاء ضعيف والصحيح أنه كالموات وأما ما ذكره في مسألة الدار فهو تفريع على طريقة القفال ، وقال أبو علي الطبري ومتابعوه : لا يشترط اتصال الصفوف إذا لم يكن حائل ، بل يصح الاقتداء إذا لم يزد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع ، وهذا هو الصحيح كما سبق والله أعلم .

                                      [ ص: 200 ] فرع ) في بيان ما يتعلق بلفظ المصنف ( فقوله ) فإن تباعدت الصفوف عن الإمام فإن كان لا حائل بينهما وكانت الصلاة في المسجد وهو عالم بصلاة الإمام صحت صلاته .

                                      هكذا هو في نسخ المهذب : فإن كان لا حائل بينهما ، والصواب حذف هذه الزيادة لأنهما إذا كانا في المسجد صحت الصلاة إذا علم صلاته ، سواء حال حائل أم لا ؟ وهذا لا خلاف فيه كما سبق ، وقوله : وقدر الشافعي القريب بثلاثمائة ذراع لأنه قريب في العادة ، هذا اختيار منه للصحيح .

                                      وقول الجمهور إن هذا التقدير مأخوذ من العرف لا من صلاة الخوف ، وقد ذكرنا الخلاف فيه ، والذراع مؤنث ومذكر لغتان التأنيث أفصح ، واختار المصنف التذكير بقوله : فإن زاد ثلاثة أذرع ولم يقل : ثلاث ، وقوله : والثاني أنه تقريب ، فإن زاد ثلاثة أذرع جاز ، هذا ليس تحديدا للثلاثة بل الثلاثة ونحوها وما قاربها يعفى عنه على هذا الوجه ، كذا قاله الأصحاب وقد سبق بيانه ( قوله ) لما روي عن عائشة " أن نسوة كن يصلين في حجرتها بصلاة الإمام فقالت : إنكن دونها في حجاب " هذا الأثر ذكره الشافعي والبيهقي عن عائشة بغير إسناد .

                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بالباب ( إحداها ) يشترط أن لا تطول المسافة بين الإمام والمأمومين إذا صلوا في غير المسجد ، وبه قال جماهير العلماء ، وقدر الشافعي القرب بثلاثمائة ذراع ، وقال عطاء يصح مطلقا ، وإن طالت المسافة ميلا وأكثر إذا علم صلاته .

                                      ( الثانية ) لو حال بينهما طريق صح الاقتداء عندنا وعند مالك والأكثرين وقال أبو حنيفة : لا يصح لحديث رووه مرفوعا { من كان بينه وبين الإمام طريق فليس مع الإمام } وهذا حديث باطل لا أصل له ، وإنما يروى عن عمر من رواية ليث بن أبي سليم عن تميم ، وليث ضعيف ، وتميم مجهول .

                                      ( الثالثة ) لو صلى في دار أو نحوها بصلاة الإمام في المسجد وحال بينهما حائل لم يصح عندنا ، وبه قال أحمد ، وقال مالك : تصح إلا في الجمعة ، وقال أبو حنيفة تصح مطلقا .

                                      [ ص: 201 ] الرابعة ) يشترط لصحة الاقتداء علم المأموم بانتقالات الإمام ، سواء صليا في المسجد ، أو في غيره أو أحدهما فيه والآخر في غيره .

                                      وهذا مجمع عليه ، قال أصحابنا : ويحصل له العلم بذلك بسماع الإمام أو من خلفه أو مشاهدة فعله أو فعل من خلفه ، ونقلوا الإجماع في جواز اعتماد كل واحد من هذه الأمور فلو كان المأموم أعمى اشترط أن يصلي بجنب كامل ليعتمد موافقته مستدلا بها .




                                      الخدمات العلمية