الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) أن لا يكون بالخف خرق كثير ، فأما اليسير ، فلا يمنع المسح ، وهذا قول أصحابنا الثلاثة وهو استحسان ، والقياس أن يمنع قليله ، وكثيره ، وهو قول زفر ، والشافعي وقال مالك ، ، وسفيان الثوري ، الخرق لا يمنع جواز المسح ، قل أو كثر ، بعد أن كان ينطلق عليه اسم الخف .

                                                                                                                                وجه قولهما أن الشرع ورد بالمسح على الخفين ، فما دام اسم الخف له باقيا ، يجوز المسح عليه .

                                                                                                                                وجه القياس أنه لما ظهر شيء من القدم ، وإن قل وجب غسله لحلول الحدث به ، لعدم الاستتار بالخف ، والرجل في حق الغسل غير متجزئة ، فإذا وجب غسل بعضها ، وجب غسل كلها وجه الاستحسان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه رضي الله عنهم بالمسح ، مع علمه بأن خفافهم لا تخلو عن قليل الخروق ، فكان هذا منه بيانا أن القليل من الخروق لا يمنع المسح ; ولأن المسح أقيم مقام الغسل ترفها ، فلو منع قليل الانكشاف ، لم يحصل الترفيه لوجوده في أغلب الخفاف ، والحد الفاصل بين القليل ، والكثير ، هو قدر ثلاث أصابع ، فإن كان الخرق قدر ثلاث أصابع ، منع ، وإلا فلا .

                                                                                                                                ثم المعتبر أصابع اليد ، وأصابع الرجل ، ذكر محمد في الزيادات قدر ثلاث أصابع من أصغر أصابع الرجل .

                                                                                                                                وروى الحسن عن أبي حنيفة ثلاث أصابع من أصابع اليد ، وإنما قدر بالثلاث لوجهين ، أحدهما أن هذا القدر إذا انكشف ، منع من قطع الأسفار .

                                                                                                                                والثاني أن الثلاث أصابع أكثر الأصابع ، وللأكثر حكم الكل ، ثم الخرق المانع أن يكون منفتحا ، بحيث يظهر ما تحته من القدم مقدار ثلاث أصابع ، أو يكون منضما لكنه ينفرج عند المشي ، فأما إذا كان منضما لا ينفرج عند المشي ، فإنه لا يمنع ، وإن كان أكثر من ثلاث أصابع ، كذا روى المعلى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة وإنما كان كذلك ، لأنه إذا كان منفتحا ، أو ينفتح عند المشي ، لا يمكن قطع السفر به ، وإذا لم يمكن ، يمنع وسواء كان الخرق في ظاهر الخف ، أو في باطنه ، أو من ناحية العقب ، بعد أن كان أسفل من الكعبين لما قلنا ، ولو بدا ثلاث من أنامله ، اختلف المشايخ فيه ، قال بعضهم : لا يمنع .

                                                                                                                                وقال بعضهم : يمنع وهو الصحيح ، ولو انكشفت الظهارة ، وفي داخله بطانة من جلد ، ولم يظهر القدم ، يجوز المسح عليه ، هذا إذا كان الخرق في موضع واحد ، فإن كان في مواضع متفرقة ، ينظر إن كان في خف واحد ، يجمع بعضها إلى بعض ، فإن بلغ قدر ثلاث أصابع ، يمنع ، وإلا فلا وإن كان في خفين لا يجمع وقالوا في النجاسة ، إن كانت على الخفين أنه يجمع بعضها إلى بعض ، فإذا زادت على قدر الدرهم منعت جواز [ ص: 12 ] الصلاة ، والفرق أن الخرق إنما يمنع جواز المسح لظهور مقدار فرض المسح ، فإذا كان متفرقا ، فلم يظهر مقدار فرض المسح من كل واحد منهما ، والمانع من جواز الصلاة في النجاسة هو كونه حاملا للنجاسة ، ومعنى الحمل متحقق سواء كان في خف واحد ، أو في خفين .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية