الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
الفرع الرابع : اختلف العلماء في قدر nindex.php?page=treesubj&link=1788المدة التي إذا نوى المسافر إقامتها لزمه الإتمام ، فذهب مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وأحمد في إحدى الروايتين إلى أنها أربعة أيام ، والشافعية يقولون : لا يحسب فيها يوم الدخول ، ولا يوم الخروج ، ومالك يقول : إذا نوى إقامة أربعة أيام صحاح أتم .
وقال ابن القاسم : في العتيبة يلغى يوم دخوله ولا يحسبه ، والرواية المشهورة عن أحمد ، أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة .
وقال أبو حنيفة رحمه الله : هي نصف شهر ، واحتج من قال بأنها أربعة أيام ، بما ثبت في الصحيح من حديث nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007147ثلاث ليال يمكثهن المهاجر بمكة بعد الصدر " ، هذا لفظ مسلم ، وفي رواية له عنه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007285للمهاجر إقامة ثلاث ليال بعد الصدر بمكة " ، وفي رواية له عنه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007286يقيم [ ص: 275 ] المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا " ، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في المناقب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي أيضا بلفظ : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007147ثلاث للمهاجر بعد الصدر " اهـ . قالوا فأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمهاجرين في ثلاثة أيام يدل على أن من أقامها في حكم المسافر ، وأن ما زاد عليها يكون إقامة والمقيم عليه الإتمام ، وبما أخرجه مالك في " الموطأ " بسند صحيح ، عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجلى اليهود من الحجاز ، ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا " ، وأجيب عن هذا الدليل من جهة المخالف ، بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما رخص لهم في الثلاث ; لأنها مظنة قضاء حوائجهم ، وتهيئة أحوالهم للسفر ، وكذلك ترخيص عمر لليهود في إقامة ثلاثة أيام ، والاستدلال المذكور له وجه من النظر ; لأنه يعتضد بالقياس ; لأن القصر شرع لأجل تخفيف مشقة السفر ، ومن أقام أربعة أيام ، فإنها مظنة لإذهاب مشقة السفر عنه ، واحتج الإمام أحمد ، على أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة بما ثبت في الصحيح من حديث جابر ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007287قدم مكة في حجة الوداع صبح رابعة ، فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - اليوم الرابع ، والخامس ، والسادس ، والسابع ، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن ، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام ، وقد أجمع على إقامتها ، وهي إحدى وعشرون صلاة ; لأنها أربعة أيام كاملة ، وصلاة الصبح من الثامن " ، قال : فإذا أجمع أن يقيم ، كما أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر ، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم .
وروى الأثرم ، عن أحمد رحمه الله أن هذا الاحتجاج كلام ليس يفقهه كل الناس ، وحمل الإمام أحمد حديث أنس nindex.php?page=hadith&LINKID=1007288أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بمكة في حجة الوداع عشرا يقصر الصلاة على هذا المعنى الذي ذكرنا عنه ، وأن أنسا أراد مدة إقامته بمكة ومنى ومزدلفة .
قال مقيده - عفا الله عنه - : وهذا لا ينبغي العدول عنه لظهور وجهه ، ووضوح أنه الحق .
تنبيه
حديث أنس هذا الثابت في الصحيح ، لا يعارضه ما ثبت في الصحيح أيضا ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007289أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة تسعة عشر يقصر " ، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا ، وإن زدنا أتممنا ; لأن حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في غزوة الفتح ، وحديث أنس ، في حجة الوداع ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، محمول على [ ص: 276 ] أنه - صلى الله عليه وسلم - ، ما كان ناويا الإقامة ; والإقامة المجردة عن نية لا تقطع حكم السفر عند الجمهور ، والله تعالى أعلم .
واحتج أبو حنيفة رحمه الله لأنها نصف شهر ، بما روى أبو داود من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007290أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عام الفتح خمسة عشر ، يقصر الصلاة " وضعف النووي في الخلاصة ، رواية خمسة عشر .
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : وليس بجيد ; لأن رواتها ثقات ، ولم ينفرد nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق ، فقد أخرجها nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16560عراك بن مالك ، عن عبيد الله ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كذلك ، واختار أبو حنيفة رواية خمسة عشر ، عن رواية سبعة عشر ، ورواية ثمانية عشر ، ورواية تسعة عشر ; لأنها أقل ما ورد فيحمل غيرها على أنه وقع اتفاقا ، وأرجح الروايات ، وأكثرها ورودا في الروايات الصحيحة رواية تسعة عشر وبها أخذ nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، وجمع البيهقي بين الروايات ، بأن من قال : تسعة عشر ، عد يوم الدخول ، ويوم الخروج ، ومن قال : سبع عشرة حذفهما ، ومن قال : ثماني عشرة حذف أحدهما .
أما رواية خمسة عشر ، فالظاهر فيها أن الراوي ظن ، أن الأصل رواية سبعة عشر فحذف منها ، يوم الدخول ، ويوم الخروج ، فصار الباقي خمسة عشر ، واعلم أن nindex.php?page=treesubj&link=1782الإقامة المجردة عن النية فيها أقوال للعلماء :
أحدها : أنه يتم بعد أربعة أيام .
والثاني : بعد سبعة عشر يوما .
والثالث : ثمانية عشر .
والرابع : تسعة عشر .
والخامس : عشرين يوما .
والسادس : يقصر أبدا حتى يجمع على الإقامة .
والسابع : للمحارب أن يقصر ، وليس لغيره القصر بعد إقامة أربعة أيام .
وأظهر هذه الأقوال أنه لا يقصر حتى ينوي الإقامة ولو طال مقامه من غير نية الإقامة ، ويدل له قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة إقامته في مكة عام الفتح ، كما ثبت في الصحيح ، وما رواه الإمام أحمد وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان والبيهقي عن جابر قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007291أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة " . وقد صحح هذا الحديث النووي nindex.php?page=showalam&ids=13064وابن حزم ، وأعله [ ص: 277 ] nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل بالإرسال والانقطاع ، وأن علي بن المبارك وغيره من الحفاظ رووه عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي رواه عن يحيى عن أنس فقال : " بضع عشرة " وبهذا اللفظ أخرجه البيهقي وهو ضعيف .
قال البيهقي بعد إخراجه له : ولا أراه محفوظا ، وقد روي من وجه آخر عن جابر : " بضع عشرة " . اهـ . وقد اختلف فيه على nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في العلل وقال : الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي عن يحيى أن أنسا كان يفعله . قال ابن حجر : ويحيى لم يسمع من أنس .
وقال النووي في " شرح المهذب " : قلت ورواية المسند تفرد بها nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر بن راشد وهو إمام مجمع على جلالته وباقي الإسناد صحيح على شرط nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، فالحديث صحيح ; لأن الصحيح أنه إذا nindex.php?page=treesubj&link=22376تعارض في الحديث إرسال وإسناد حكم بالمسند . اهـ . منه وعقده صاحب " المراقي " بقوله : [ الرجز ]
والرفع والوصول وزيد اللفظ مقبولة عند إمام الحفظ
الخ . . .
واستدل أيضا من قال بأن الإقامة المجردة عن النية لا تقطع حكم السفر بما أخرجه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007292غزوت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين يقول : " يا أهل البلدة صلوا أربعا فإنا سفر " ، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث " فإنا سفر " مع إقامته ثماني عشرة يدل دلالة واضحة على أن nindex.php?page=treesubj&link=1782المقيم من غير نية الإقامة يصدق عليه اسم المسافر ، ويؤيده حديث : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1007293إنما الأعمال بالنيات " ، وهذا الحديث حسنه الترمذي ، وفي إسناده nindex.php?page=showalam&ids=16621علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف .
قال ابن حجر : وإنما حسن الترمذي حديثه لشواهده ولم يعتبر الاختلاف في المدة كما علم من عادة المحدثين من اعتبارهم الاتفاق على الأسانيد دون السياق . اهـ . nindex.php?page=showalam&ids=16621وعلي بن زيد المذكور أخرج له مسلم مقرونا بغيره .
وقال الترمذي في حديثه في السفر : حسن صحيح ، وقال : صدوق ربما رفع الموقوف ووثقه nindex.php?page=showalam&ids=17383يعقوب بن شيبة .
وقال بعض أهل العلم : اختلط في كبره ، وقد روى عنه شعبة ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، [ ص: 278 ] وعبد الوارث ، وخلق .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : إنما فيه لين ، والظاهر أن قول nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني هذا أقرب للصواب فيه ، لكن يتقى منه ما كان بعد الاختلاط . اهـ . إلى غير ذلك من الأدلة على أن الإقامة دون نيتها لا تقطع حكم السفر ، " وقد أقام الصحابة برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة " . رواه البيهقي بإسناد صحيح ، وتضعيفه nindex.php?page=showalam&ids=16585بعكرمة بن عمار مردود بأن عكرمة المذكور من رجال مسلم في " صحيحه " .
وقد روى أحمد في " مسنده " عن ثمامة بن شراحيل عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : " كنت بأذربيجان لا أدري قال : أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلون ركعتين ركعتين " ، وأخرجه البيهقي .
وقال ابن حجر في " التلخيص " : إن إسناده صحيح . اهـ .
ومذهب مالك الفرق بين العسكر بدار الحرب فلا يقصر وبين غيره فيقصر بنية إقامة أربعة أيام صحاح .