الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
فصل

وقد يقع التعارض بين الآية والحديث ، ولا بأس بذكر شيء للتنبيه لأمثاله ; فمنه قوله تعالى : والله يعصمك من الناس ( المائدة : 67 ) وقد صح أنه شج يوم أحد .

[ ص: 194 ] وأجيب بوجهين :

أحدهما : أن هذا كان قبل نزول هذه الآية ; لأن غزوة أحد كانت سنة ثلاث من الهجرة ، وسورة المائدة من أواخر ما نزل بالمدينة .

والثاني : بتقدير تسليم الأخير ، فالمراد العصمة من القتل . وفيه تنبيه على أنه يجب عليه أن يحتمل كل ما دون النفس من أنواع البلاء ، فما أشد تكليف الأنبياء .

ومنه قوله تعالى : ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ( النحل : 32 ) مع قوله صلى الله عليه وسلم : لن يدخل أحدكم الجنة بعمله .

وأجيب بوجهين :

أحدهما - ونقل عن سفيان وغيره - كانوا يقولون : النجاة من النار بعفو الله ، ودخول الجنة برحمته ، وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال ، ويدل له حديث أبي هريرة : إن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم . رواه الترمذي .

والثاني : أن الباء في الموضعين مدلولها مختلف ، ففي الآية باء المقابلة ، وهي الداخلة على الأعواض ; وفي الحديث للسببية ; لأن المعطي بعوض قد يعطي مجانا ، وأما المسبب فلا يوجد بدون السبب . ومنهم من عكس هذا الجواب وقال : الباء في الآية للسببية ، وفي الحديث للعوض ، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : سددوا وقاربوا واعلموا أن أحدا [ ص: 195 ] منكم لن ينجو بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ، ومنه قوله تعالى مخبرا عن خلق السماوات والأرض وما بينهما : في ستة أيام ( الفرقان : 59 ) ، فإنه يقتضي أن يكون يوما من أيام الجمعة بقي لم يخلق فيه شيء . والظاهر من الأحاديث الصحاح أن الخلق ابتدئ يوم الأحد وخلق آدم يوم الجمعة آخر الأشياء ، فهذا يستقيم مع الآية الشريفة ; ووقع في صحيح مسلم أن الخلق ابتدئ يوم السبت ، فهذا بخلاف الآية ; اللهم إلا أن يكون أراد في الآية . . . . . . . [ ص: 196 ] الشريفة جميع الأشياء غير آدم ، ثم يكون يوم الجمعة هو الذي لم يخلق فيه شيء مما بين السماء والأرض ، لأن آدم حينئذ لم يكن فيما بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية