[ ص: 341 ] سورة البلد [ فيها ثلاث آيات ] الآية الأولى قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=20756لا أقسم بهذا البلد } : فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى في قراءتها : قرأ
الحسن ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش ،
وابن كثير : لأقسم من غير ألف زائدة على اللام إثباتا . وقرأها الناس بالألف نفيا المسألة الثانية اختلف الناس إذا كان حرف " لا " مخطوطا بألف على صورة النفي ، هل يكون المعنى نفيا كالصورة أم لا ؟ فمنهم من قال : تكون صلة في اللفظ ، كما تكون " ما " صلة فيه ; وذلك في حرف " ما " كثير ; فأما حرف لا فقد جاءت [ كذلك ] في قول الشاعر :
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد ضمير القلب لا يتقطع
أي يتقطع ، ودخل حرف " لا " صلة .
ومنهم من قال : [ يكون ] توكيدا ، كقول القائل : لا والله ، وكقول
أبي كبشة [
امرئ القيس ] :
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبو بكر بن عياش : ومنهم من قال : إنها رد لكلام من أنكر البعث ، ثم ابتدأ القسم ; فقال : أقسم ، ليكون فرقا بين اليمين المبتدأة وبين اليمين التي تكون ردا ; قاله
الفراء .
المسألة الثالثة أما كونها صلة فقد ذكروا في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك } في سورة الأعراف أنه صلة ، بدليل قوله في ص : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما [ ص: 342 ] خلقت بيدي أستكبرت } والنازلة واحدة ، والمقصود واحد ، والمعنى سواء ; فالاختلاف إنما يعود إلى اللفظ خاصة .
وأما من قال : إنه توكيد فلا معنى له هاهنا ; لأن التوكيد إنما يكون إذا ظهر المؤكد ; كقوله : لا والله لا أقوم ، فإذا لم يكن هناك مؤكد فلا وجه للتأكيد ، ألا ترى إلى قوله :
فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر
[ كيف ] أكد النفي وهو لا يدعي بمثله .
ومن أغرب هذا أنه قد تضمر وينفى معناها ، كما قال
أبو كبشة :
فقلت يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
في قول . وقد حققنا ذلك في رسالة الإلجاء للفقهاء إلى معرفة غوامض الأدباء .
وأما من قال : إنها رد فهو قول ليس له رد ; لأنه يصح به المعنى ، ويتمكن اللفظ والمراد .
المسألة الرابعة وأما من قرأها : لأقسم فاختلفوا ; فمنهم من حذفها في الخط كما حذفها في اللفظ ، وهذا لا يجوز ; فإن خط المصحف أصل ثبت بإجماع الصحابة . ومنهم من قال : أكتبها ولا ألفظ بها ، كما كتبوا " لا إلى الجحيم " . و " لا إلى الله تحشرون " بألف ، ولم يلفظوا بها ، وهذا يلزمهم في قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فلا أقسم بمواقع النجوم } وشبهه ، ولم يقولوا به .
فإن قيل : إنما تكون صلة في أثناء الكلام ، كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ألا تسجد إذ أمرتك } ونحوه ; فأما في ابتداء الكلام فلا يوصل بها إلا مقرونة بألف ، كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55ألا إن وعد الله حق } .
فأجابوا عنه بأن قالوا : إن القرآن ككلمة واحدة ، وليس كما زعموا ; لأنه لو وصل بها ما قبلها لكانت : أهل التقوى وأهل المغفرة لا أقسم بيوم القيامة .
وهذا لا يجوز ، حتى إن قوما كرهوا في القراءة أن يصلوها بها ، ووقفوا حتى يفرقوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، ليقطعوا الوصل المتوهم .
[ ص: 343 ]
والجواب الصحيح أن نقول : إن الصلة بها في أول الكلام كصلة آخره بها ، كذكرها في أثنائه ; بل ذكرها في أثنائه أبلغ في الإشكال ، كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد } ولو كان هذا كله خارجا عن أسلوب البلاغة ، قادحا في زين الفصاحة ، مثبجا قوانين العربية التي طال القرآن بها أنواع الكلام ، ولاعترض عليه به الفصحاء البلغ ،
والعرب العرب ، والخصماء اللد ، فلما سلموا فيه تبين أنه على أسلوبهم جار ، وفي رأس فصاحتهم منظوم ، وعلى قطب عربيتهم دائر ، وقد عبر عنه
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير وغيره من محققي المفسرين ، فقالوا : قوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لا أقسم } قسم .
المسألة الخامسة فإن قيل : كيف أقسم الله سبحانه بغيره .
قلنا : هذا قد بينا الجواب عنه على البلاغ في كتاب قانون التأويل ، وقلنا : للباري تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تعظيما لها .
فإن قيل : فلم منع النبي صلى الله عليه وسلم من القسم بغير الله ؟ قلنا : لا تعلل العبادات . ولله أن يشرع ما شاء ، ويمنع ما شاء [ ويبيح ما شاء ] ، وينوع المباح والمباح له ، ويغاير بين المشتركين ، ويماثل بين المختلفين ، ولا اعتراض عليه فيما كلف من ذلك ، وحمل فإنه لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
فإن قيل . فلم قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح للأعرابي الذي قص عليه دعائم الإسلام وفرائض الإيمان ، فقال : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص : أفلح وأبيه إن صدق . [ قلت : قد رأيته في نسخة مشرقية في
الإسكندرية : أفلح والله إن صدق ، ويمكن ] أن يتصحف قوله : والله بقوله : وأبيه . جواب آخر بأن هذا منسوخ بقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11488إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم } .
جواب آخر إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عنه عبادة ، فإذا جرى ذلك على الألسن
[ ص: 344 ] عادة فلا يمنع ، فقد كانت
العرب تقسم في ذلك بمن تكره ، فكيف بمن تعظم ; قال
ابن ميادة :
أظنت سفاها من سفاهة رأيها لأهجوها لما هجتني محارب
فلا وأبيها إنني بعشيرتي ونفسي عن هذا المقام لراغب
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أحد فقهاء
المدينة السبعة :
لعمر أبي الواشين أيان نلتقي لما لا تلاقيها من الدهر أكثر
يعدون يوما واحدا إن لقيتها وينسون أياما على النأي تهجر
وقال آخر :
لعمر أبي الواشين لا عمر غيرهم لقد كلفتني خطة لا أريدها
وقال آخر :
فلا وأبي أعدائها لا أزورها
وإذا كان هذا شائعا كان من هذا الوجه سائغا .
[ ص: 341 ] سُورَةُ الْبَلَدِ [ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ ] الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=20756لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ } : فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي قِرَاءَتِهَا : قَرَأَ
الْحَسَنُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13726وَالْأَعْمَشُ ،
وَابْنُ كَثِيرٍ : لَأُقْسِمُ مِنْ غَيْرِ أَلِفٍ زَائِدَةٍ عَلَى اللَّامِ إثْبَاتًا . وَقَرَأَهَا النَّاسُ بِالْأَلِفِ نَفْيًا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اخْتَلَفَ النَّاسُ إذَا كَانَ حَرْفُ " لَا " مَخْطُوطًا بِأَلِفٍ عَلَى صُورَةِ النَّفْيِ ، هَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى نَفْيًا كَالصُّورَةِ أَمْ لَا ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : تَكُونُ صِلَةً فِي اللَّفْظِ ، كَمَا تَكُونُ " مَا " صِلَةً فِيهِ ; وَذَلِكَ فِي حَرْفِ " مَا " كَثِيرٌ ; فَأَمَّا حَرْفُ لَا فَقَدْ جَاءَتْ [ كَذَلِكَ ] فِي قَوْلِ الشَّاعِر :
تَذَكَّرْت لَيْلَى فَاعْتَرَتْنِي صَبَابَةٌ وَكَادَ ضَمِيرُ الْقَلْبِ لَا يَتَقَطَّعُ
أَيْ يَتَقَطَّعُ ، وَدَخَلَ حَرْفُ " لَا " صِلَةً .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : [ يَكُونُ ] تَوْكِيدًا ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : لَا وَاَللَّهِ ، وَكَقَوْلِ
أَبِي كَبْشَةَ [
امْرِئِ الْقَيْسِ ] :
فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11948أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ : وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهَا رَدٌّ لِكَلَامِ مَنْ أَنْكَرَ الْبَعْثَ ، ثُمَّ ابْتَدَأَ الْقَسَمَ ; فَقَالَ : أُقْسِمُ ، لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَ الْيَمِينِ الْمُبْتَدَأَةِ وَبَيْنَ الْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ رَدًّا ; قَالَهُ
الْفَرَّاءُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ أَمَّا كَوْنُهَا صِلَةً فَقَدْ ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُك } فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَنَّهُ صِلَةٌ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فِي ص : {
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُدَ لِمَا [ ص: 342 ] خَلَقْت بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْت } وَالنَّازِلَةُ وَاحِدَةٌ ، وَالْمَقْصُودُ وَاحِدٌ ، وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ ; فَالِاخْتِلَافُ إنَّمَا يَعُودُ إلَى اللَّفْظِ خَاصَّةً .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهُ تَوْكِيدٌ فَلَا مَعْنَى لَهُ هَاهُنَا ; لِأَنَّ التَّوْكِيدَ إنَّمَا يَكُونُ إذَا ظَهَرَ الْمُؤَكِّدُ ; كَقَوْلِهِ : لَا وَاَللَّهِ لَا أَقُومُ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَكِّدٌ فَلَا وَجْهَ لِلتَّأْكِيدِ ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ :
فَلَا وَأَبِيكِ ابْنَةَ الْعَامِرِيِّ لَا يَدَّعِي الْقَوْمُ أَنِّي أَفِرُّ
[ كَيْفَ ] أَكَّدَ النَّفْيَ وَهُوَ لَا يَدِّعِي بِمِثْلِهِ .
وَمِنْ أَغْرَبِ هَذَا أَنَّهُ قَدْ تُضْمَرُ وَيُنْفَى مَعْنَاهَا ، كَمَا قَالَ
أَبُو كَبْشَةَ :
فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لَدَيْك وَأَوْصَالِي
فِي قَوْلٍ . وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي رِسَالَةِ الْإِلْجَاءِ لِلْفُقَهَاءِ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ الْأُدَبَاء .
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّهَا رَدٌّ فَهُوَ قَوْلٌ لَيْسَ لَهُ رَدٌّ ; لِأَنَّهُ يَصِحُّ بِهِ الْمَعْنَى ، وَيَتَمَكَّنُ اللَّفْظُ وَالْمُرَادُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَأَمَّا مَنْ قَرَأَهَا : لَأُقْسِمُ فَاخْتَلَفُوا ; فَمِنْهُمْ مَنْ حَذَفَهَا فِي الْخَطِّ كَمَا حَذَفَهَا فِي اللَّفْظِ ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ ; فَإِنَّ خَطَّ الْمُصْحَفِ أَصْلٌ ثَبَتَ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : أَكْتُبُهَا وَلَا أَلْفِظُ بِهَا ، كَمَا كَتَبُوا " لَا إلَى الْجَحِيمِ " . و " لَا إلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ " بِأَلِفٍ ، وَلَمْ يَلْفِظُوا بِهَا ، وَهَذَا يَلْزَمُهُمْ فِي قَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } وَشِبْهِهِ ، وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا تَكُونُ صِلَةً فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12أَلَّا تَسْجُدَ إذْ أَمَرْتُك } وَنَحْوِهِ ; فَأَمَّا فِي ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ فَلَا يُوصَلُ بِهَا إلَّا مَقْرُونَةً بِأَلِفٍ ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=55أَلَا إنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ } .
فَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنْ قَالُوا : إنَّ الْقُرْآنَ كَكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا ; لِأَنَّهُ لَوْ وُصِلَ بِهَا مَا قَبْلَهَا لَكَانَتْ : أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَهَذَا لَا يَجُوزُ ، حَتَّى إنَّ قَوْمًا كَرِهُوا فِي الْقِرَاءَةِ أَنْ يَصِلُوهَا بِهَا ، وَوَقَفُوا حَتَّى يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، لِيَقْطَعُوا الْوَصْلَ الْمُتَوَهَّمَ .
[ ص: 343 ]
وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنْ نَقُولَ : إنَّ الصِّلَةَ بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ كَصِلَةِ آخِرِهِ بِهَا ، كَذِكْرِهَا فِي أَثْنَائِهِ ; بَلْ ذِكْرُهَا فِي أَثْنَائِهِ أَبْلَغُ فِي الْإِشْكَالِ ، كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُدَ } وَلَوْ كَانَ هَذَا كُلُّهُ خَارِجًا عَنْ أُسْلُوبِ الْبَلَاغَةِ ، قَادِحًا فِي زَيْنِ الْفَصَاحَةِ ، مُثَبِّجًا قَوَانِينَ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي طَالَ الْقُرْآنُ بِهَا أَنْوَاعَ الْكَلَامِ ، وَلَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِهِ الْفُصَحَاءُ الْبُلَّغُ ،
وَالْعَرَبُ الْعُرْبُ ، وَالْخُصَمَاءُ اللُّدُّ ، فَلَمَّا سَلَّمُوا فِيهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ عَلَى أُسْلُوبِهِمْ جَارٍ ، وَفِي رَأْسِ فَصَاحَتِهِمْ مَنْظُومٌ ، وَعَلَى قُطْبِ عَرَبِيَّتِهِمْ دَائِرٌ ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُفَسِّرِينَ ، فَقَالُوا : قَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=90&ayano=1لَا أُقْسِمُ } قَسَمٌ .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ فَإِنْ قِيلَ : كَيْفَ أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِغَيْرِهِ .
قُلْنَا : هَذَا قَدْ بَيَّنَّا الْجَوَابَ عَنْهُ عَلَى الْبَلَاغِ فِي كِتَابِ قَانُونِ التَّأْوِيلِ ، وَقُلْنَا : لِلْبَارِي تَعَالَى أَنْ يُقْسِمَ بِمَا شَاءَ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ تَعْظِيمًا لَهَا .
فَإِنْ قِيلَ : فَلِمَ مَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ ؟ قُلْنَا : لَا تُعَلَّلُ الْعِبَادَاتُ . وَلِلَّهِ أَنْ يُشَرِّعَ مَا شَاءَ ، وَيَمْنَعَ مَا شَاءَ [ وَيُبِيحَ مَا شَاءَ ] ، وَيُنَوِّعَ الْمُبَاحَ وَالْمُبَاحَ لَهُ ، وَيُغَايِرَ بَيْنَ الْمُشْتَرَكِينَ ، وَيُمَاثِلَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ ، وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيمَا كَلَّفَ مِنْ ذَلِكَ ، وَحَمَّلَ فَإِنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ .
فَإِنْ قِيلَ . فَلِمَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَصَّ عَلَيْهِ دَعَائِمَ الْإِسْلَامِ وَفَرَائِضَ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ : أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ . [ قُلْت : قَدْ رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مَشْرِقِيَّةٍ فِي
الْإِسْكَنْدَرِيَّة : أَفْلَحَ وَاَللَّه إنْ صَدَقَ ، وَيُمْكِنُ ] أَنْ يَتَصَحَّفَ قَوْلُهُ : وَاَللَّهِ بِقَوْلِهِ : وَأَبِيهِ . جَوَابٌ آخَرُ بِأَنَّ هَذَا مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=11488إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ } .
جَوَابٌ آخَرُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا نَهَى عَنْهُ عِبَادَةً ، فَإِذَا جَرَى ذَلِكَ عَلَى الْأَلْسُنِ
[ ص: 344 ] عَادَةً فَلَا يُمْنَعُ ، فَقَدْ كَانَتْ
الْعَرَبُ تُقْسِمُ فِي ذَلِكَ بِمَنْ تَكْرَهُ ، فَكَيْفَ بِمَنْ تُعَظِّمُ ; قَالَ
ابْنُ مَيَّادَةَ :
أَظَنَّتْ سِفَاهًا مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهَا لَأَهْجُوهَا لَمَا هَجَتْنِي مُحَارِبُ
فَلَا وَأَبِيهَا إنَّنِي بِعَشِيرَتِي وَنَفْسِي عَنْ هَذَا الْمُقَامِ لَرَاغِبُ
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16523عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَحَدُ فُقَهَاءِ
الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ :
لَعَمْرُ أَبِي الْوَاشِينَ أَيَّانَ نَلْتَقِي لَمَا لَا تُلَاقِيهَا مِنْ الدَّهْرِ أَكْثَرُ
يَعُدُّونَ يَوْمًا وَاحِدًا إنْ لَقِيتهَا وَيَنْسَوْنَ أَيَّامًا عَلَى النَّأْيِ تَهْجُرُ
وَقَالَ آخَرُ :
لَعَمْرُ أَبِي الْوَاشِينَ لَا عَمْرَ غَيْرُهُمْ لَقَدْ كَلَّفَتْنِي خُطَّةً لَا أُرِيدُهَا
وَقَالَ آخَرُ :
فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أَزُورُهَا
وَإِذَا كَانَ هَذَا شَائِعًا كَانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَائِغًا .