ولما كان الإحياء والإماتة من أظهر آيات الربانية وأخصها بها أظهر سبحانه وتعالى الغيرة عليها تارة بإبهات المدعي للمشاركة، وتارة
[ ص: 54 ] بإشهاد المستبعد في نفسه وغيره بفعل ربه، وتارة بإشهاد المسترشد في غيره بنفسه معبرا في كل منها بما اقتضاه حاله وأشعر به سؤاله، فعبر في الكافر بإلى إشارة إلى أنه في محل البعد عن المخاطب صلى الله عليه وسلم، وفي المتعجب بإسقاطها إسقاطا لذلك البعد، وفي المسترشد المستطلع بإذ كما هي العادة المستمرة في أهل الصفاء والمحبة والوفاء فأتبع التعجيب من حال المحاجج التعجيب أيضا من حال من استعظم إحياءه تعالى لتلك القرية. ولما كان معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258ألم تر هل رأيت لأن هل كما ذكر الرضي وغيره تختص مع كونها للاستفهام بأن تفيد فائدة النافي حتى جاز أن يجيء بعدها " إلا " قصدا للإيجاب كقوله سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وقوله سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=3هل هذا إلا بشر مثلكم كان كأنه قيل: هل رأيت الذي حاج إبراهيم
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30340_31753_32011_32445_33679_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أو هل رأيت
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كالذي ويجوز أن يكون التقدير لأن أخبار الأولين إنما هي مواعظ لنا: أقومك كهذا المحاج لأعظم إبائهم فهم يقولون: إن الإحياء ليس على حقيقته بالبعث بعد الموت،
[ ص: 55 ] أو هم كالذي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259مر قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: [من المرور] وهو جعل الشيء على مسلك إلى غيره مع التفات إليه [في] سبيله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259على قرية وهي التي خرج منها الألوف أو بيت المقدس
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وهي خاوية أي متهدمة ساقطة جدرانها
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259على عروشها أي سقوفها، أو خالية على بقاء سقوفها. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: من الخوا وهو خلو الشيء عما شأنه أن يعينه حسا أو معنى، والعروش جمع عرش من نحو معنى العريش وهو ما أقيم من البناء على حالة عجالة يدفع سورة الحر والبرد ولا يدفع جملتها كالكن المشيد، فكان المشيد في الحقيقة عريشا لوهاء الدنيا بجملتها في عين الاستبصار. انتهى.
ولما كان كأنه قيل: ما الذي في حاله ذلك مما يعجب منه؟ قيل:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال أنى يحيي هذه أي القرية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259الله أي الذي له الأمر كله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259بعد موتها أي بما صارت إليه من الخراب وذهاب الأهل فيعيدها إلى ما كانت عليه عامرة آهلة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: وفي لفظة "أنى" لشمول معناها لمعنى كيف وحيث ومتى استبعاده الإحياء في الكيف والمكان والزمان، ومنشأ هذا الاستبعاد إنما يطوق النفس
[ ص: 56 ] من طلبها لمعرفة تكييف ما لا يصل إليه علمها. انتهى.
ولما كان هذا المستبعد قاصرا عن رتبة
الخليل عليه الصلاة والسلام في التهيؤ للطمأنينة بل كان إيقانه على الكيفية متوقفا في الحكمة على تركه في عالم الغيب المدة التي ضربت لبقائه ميتا ليكون ذلك كالتخمير في الطين لتتهيأ نفسه لعلم ذلك والإيقان به قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فأماته أي فتسبب عن ذلك أن أماته
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259الله أي الذي لا كفؤ له فمهما أراد كان [لإيقانه على علم ذلك عناية من الله به]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259مائة ولما كان المراد أن مدة موته كانت طويلة ليكون قد بلي فيها فتكون إعادته أمكن في القدرة على ما تستبعده
العرب وأن ذلك الزمان كان حسنا طيبا لقبوله الإحياء والعمارة عبر عنه بما يدل على السعة فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259عام حتى بلي حماره وحفظ طعامه وشرابه من التغير ليتحقق كمال القدرة بحفظ ما شأنه التغير وتغير ما شأنه البقاء وإعادة ما فني.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: وخص المائة لكمالها في العد المثلث من الآحاد [و] العشرات وعشرها وتر الشفع لأن ما تم في الثالث كان ما زاد عليه تكرارا يجزئ عنه الثلاث
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثم بعثه في بيانه إشعار
[ ص: 57 ] بأن بدنه لم يتغير ولا فني فناء حماره حيث لم يكن ثم نشره والله سبحانه وتعالى أعلم كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=22ثم إذا شاء أنشره انتهى.
ولما أحاط العلم بأن هذا العمل لأجل إيقانه على القدرة تشوفت النفس إلى ما حصل له بعد البعث فأجيبت بقوله تنبيها له ولكل سامع على ما في قصته من الخوارق:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال أي له الله سبحانه وتعالى أو من شاء ممن خطابه ناشئ عنه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كم لبثت أي في رقدتك هذه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال لنظره إلى سلامة طعامه وشرابه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259لبثت يوما ثم تغير ظنه بحسب الشمس أو غيرها فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أو بعض يوم وكأنه استعجل بهذا الجواب - كما هي عادة الإنسان - قبل النظر إلى حماره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال أي الذي خاطبه مضربا عن جوابه بيانا لأنه غلط ظاهر
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259بل لبثت مائة عام معبرا عن الحول بلفظ يدور على معنى السعة والامتداد والطول [ودله] على ذلك وعلى كمال القدرة بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فانظر إلى طعامك وشرابك أي الذي كان معك لما رقدت وهو أسرع الأشياء فسادا تين وعصير
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259لم يتسنه من السنة أي يتغير بمر السنين على طول مرورها وقوة تقلباتها وتأثيرها، ومعنى القراءة بهاء السكت أن الخبر بذلك أمر جازم مقنع لا مرية فيه ولا تردد أصلا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259حمارك باليا رميما، فجمع الله [له] سبحانه
[ ص: 58 ] وتعالى بين آيتي الرطب في حفظه واليابس في نقضه.
ولما كان التقدير: فعلنا ذلك لنجعله آية لك على كمال القدرة أو لتعلم أنت قدرتنا، عطف عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ولنجعلك أي في مجموع خبرك
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259آية للناس أي كافة فكان أمره إبقاء وتثبيتا آية في موجود الدنيا على ما سيكون في أمر الآخرة قيام ساعة وبعثا ونشورا، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي.
ولما أمره بالنظر إلى ما جعله له آية على لبثه ذلك الزمن الطويل أمره بالنظر إلى ما جعله له آية على اقتداره على الإحياء كيف ما أراد فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وانظر إلى العظام أي من حمارك وهي جمع عظم وهو عماد البدن الذي عليه مقوم صورته
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كيف ننشزها قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: بالراء من النشر وهو عود الفاني إلى صورته الأولى وبالضم جعل وتصيير إليه، وبالزاي من النشز وهو إظهار الشيء وإعلاؤه، من نشز الأرض وهو ما ارتفع منها وظهر. انتهى. وضم بعضها إلى بعض على ما كانت عليه ينظم ذلك كله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثم نكسوها لحما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: جعل حياته بعثا وحياة حماره نشورا وأراه [النشر]، واللحم الذي لحم بين العظام حتى
[ ص: 59 ] صارت صورة واحدة ليتبين أمر الساعة عيانا فيكون حجة على الكافر والمستبعد
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فلما تبين له أي هذا الأمر الخارق الباهر الدال على ما وصف سبحانه وتعالى به نفسه المقدسة في آية الكرسي. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: وفي صيغة تفعل إشعار بتردده في النظر بين الآيتين حتى استقر عنده أمر ما أعلم به واضمحل عنده ما قدره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قال أعلم بصيغة الفعل بناء على نفسه وبصيغة الأمر إفادة لغيره ما علم لتدل القراءتان على أنه علم وعلم لأن العلم إنما يتم حين يصل إلى غير العالم [فيجمع فضل العلم والتعليم. انتهى. ويجوز أن يدل التعبير بالمضارع في أعلم على أنه لم يزل متصفا بهذا العلم] من غير نظر إلى حال ولا استقبال ويكون ذلك اعتذارا عن تعبيره في التعجيب بما دل على الاستبعاد بأنه إنما قاله استبعادا لتعليق القدرة بذلك لا للقدرة عليه
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أن الله أي لما أعلم من عظمته
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259على كل شيء أي من هذا وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قدير قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: في إشعاره إلزام البصائر شهود قدرة الله سبحانه وتعالى في تعينها في الأسباب الحكمية التي تتقيد بها الأبصار إلحاقا لما دون آية الإحياء والإماتة بأمرها ليستوي في العلم أن محييك هو مصرفك، فكما أن حياتك بقدرته [فكذلك عملك
[ ص: 60 ] بقدرته] فلاءم تفصيل إفراد القدرة لله بما تقدم من إبداء الحفظ بالله والعظمة لله، فكأنها جوامع وتفاصيل كلها تقتضي إحاطة أمر الله سبحانه وتعالى بكلية ما أجمل وبدقائق تفاصيل ما فصل. انتهى. وفي الآية بيان لوجه مغالطة الكافر لمن استخفه من قومه في المحاجة مع
الخليل صلوات الله وسلامه عليه بأن الإحياء الذي يستحق به الملك الألوهية هو هذا الإحياء الحقيقي لا التخلية عمن استحق القتل.
وَلَمَّا كَانَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ مِنْ أَظْهَرِ آيَاتِ الرَّبَّانِيَّةِ وَأَخَصِّهَا بِهَا أَظْهَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْغَيْرَةَ عَلَيْهَا تَارَةً بِإِبْهَاتِ الْمُدَّعِي لِلْمُشَارَكَةِ، وَتَارَةً
[ ص: 54 ] بِإِشْهَادِ الْمُسْتَبْعِدِ فِي نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِفِعْلِ رَبِّهِ، وَتَارَةً بِإِشْهَادِ الْمُسْتَرْشِدِ فِي غَيْرِهِ بِنَفْسِهِ مُعَبِّرًا فِي كُلٍّ مِنْهَا بِمَا اقْتَضَاهُ حَالُهُ وَأَشْعَرَ بِهِ سُؤَالُهُ، فَعَبَّرَ فِي الْكَافِرِ بِإِلَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْبُعْدِ عَنِ الْمُخَاطَبِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الْمُتَعَجِّبِ بِإِسْقَاطِهَا إِسْقَاطًا لِذَلِكَ الْبُعْدِ، وَفِي الْمُسْتَرْشِدِ الْمُسْتَطْلِعِ بِإِذْ كَمَا هِيَ الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ فِي أَهْلِ الصَّفَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَفَاءِ فَأَتْبَعَ التَّعْجِيبَ مِنْ حَالِ الْمُحَاجِجِ التَّعْجِيبَ أَيْضًا مِنْ حَالِ مَنِ اسْتَعْظَمَ إِحْيَاءَهُ تَعَالَى لِتِلْكَ الْقَرْيَةِ. وَلَمَّا كَانَ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258أَلَمْ تَرَ هَلْ رَأَيْتَ لِأَنَّ هَلْ كَمَا ذَكَرَ الرَّضِيُّ وَغَيْرُهُ تَخْتَصُّ مَعَ كَوْنِهَا لِلِاسْتِفْهَامِ بِأَنْ تُفِيدَ فَائِدَةَ النَّافِي حَتَّى جَازَ أَنْ يَجِيءَ بَعْدَهَا " إِلَّا " قَصْدًا لِلْإِيجَابِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=60هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=3هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: هَلْ رَأَيْتَ الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_30340_31753_32011_32445_33679_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَوْ هَلْ رَأَيْتَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كَالَّذِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لِأَنَّ أَخْبَارَ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ لَنَا: أَقَوْمُكَ كَهَذَا الْمُحَاجِّ لِأَعْظَمِ إِبَائِهِمْ فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْإِحْيَاءَ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ،
[ ص: 55 ] أَوْ هُمْ كَالَّذِي
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259مَرَّ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: [مِنَ الْمُرُورِ] وَهُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ عَلَى مَسْلَكٍ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ الْتِفَاتٍ إِلَيْهِ [فِي] سَبِيلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا الْأُلُوفُ أَوْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَهِيَ خَاوِيَةٌ أَيْ مُتَهَدِّمَةٌ سَاقِطَةٌ جُدْرَانُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259عَلَى عُرُوشِهَا أَيْ سُقُوفِهَا، أَوْ خَالِيَةٌ عَلَى بَقَاءِ سُقُوفِهَا. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: مِنَ الْخَوَا وَهُوَ خُلُوُّ الشَّيْءِ عَمَّا شَأْنُهُ أَنْ يُعِينَهُ حِسًّا أَوْ مَعْنَىً، وَالْعُرُوشُ جَمْعُ عَرْشٍ مِنْ نَحْوِ مَعْنَى الْعَرِيشِ وَهُوَ مَا أُقِيمَ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى حَالَةِ عُجَالَةٍ يَدْفَعُ سَوْرَةَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا يَدْفَعُ جُمْلَتَهَا كَالْكِنِّ الْمُشَيَّدِ، فَكَانَ الْمُشَيَّدُ فِي الْحَقِيقَةِ عَرِيشًا لِوَهَاءِ الدُّنْيَا بِجُمْلَتِهَا فِي عَيْنِ الِاسْتِبْصَارِ. انْتَهَى.
وَلَمَّا كَانَ كَأَنَّهُ قِيلَ: مَا الَّذِي فِي حَالِهِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْجَبُ مِنْهُ؟ قِيلَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ أَيِ الْقَرْيَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259اللَّهُ أَيِ الَّذِي لَهُ الْأَمْرُ كُلُّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْ بِمَا صَارَتْ إِلَيْهِ مِنَ الْخَرَابِ وَذَهَابِ الْأَهْلِ فَيُعِيدُهَا إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عَامِرَةً آهِلَةً. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: وَفِي لَفْظَةِ "أَنَّى" لِشُمُولِ مَعْنَاهَا لِمَعْنَى كَيْفَ وَحَيْثُ وَمَتَى اسْتِبْعَادُهُ الْإِحْيَاءَ فِي الْكَيْفِ وَالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَمَنْشَأُ هَذَا الِاسْتِبْعَادِ إِنَّمَا يُطَوِّقُ النَّفْسَ
[ ص: 56 ] مِنْ طَلَبِهَا لِمَعْرِفَةِ تَكْيِيفِ مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ عِلْمُهَا. انْتَهَى.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمُسْتَبْعِدُ قَاصِرًا عَنْ رُتْبَةِ
الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي التَّهَيُّؤِ لِلطُّمَأْنِينَةِ بَلْ كَانَ إِيقَانُهُ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ مُتَوَقِّفًا فِي الْحِكْمَةِ عَلَى تَرْكِهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ الْمُدَّةَ الَّتِي ضُرِبَتْ لِبَقَائِهِ مَيِّتًا لِيَكُونَ ذَلِكَ كَالتَّخْمِيرِ فِي الطِّينِ لِتَتَهَيَّأَ نَفْسُهُ لِعِلْمِ ذَلِكَ وَالْإِيقَانِ بِهِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَأَمَاتَهُ أَيْ فَتَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ أَنْ أَمَاتَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259اللَّهُ أَيِ الَّذِي لَا كُفْؤَ لَهُ فَمَهْمَا أَرَادَ كَانَ [لِإِيقَانِهِ عَلَى عِلْمِ ذَلِكَ عِنَايَةً مِنَ اللَّهِ بِهِ]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259مِائَةَ وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ مُدَّةَ مَوْتِهِ كَانَتْ طَوِيلَةً لِيَكُونَ قَدْ بَلِيَ فِيهَا فَتَكُونَ إِعَادَتُهُ أَمْكَنَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى مَا تَسْتَبْعِدُهُ
الْعَرَبُ وَأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ كَانَ حَسَنًا طَيِّبًا لِقَبُولِهِ الْإِحْيَاءَ وَالْعِمَارَةَ عَبَّرَ عَنْهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى السَّعَةِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259عَامٍ حَتَّى بَلِيَ حِمَارُهُ وَحَفِظَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنَ التَّغَيُّرِ لِيَتَحَقَّقَ كَمَالُ الْقُدْرَةِ بِحِفْظِ مَا شَأْنُهُ التَّغَيُّرُ وَتَغَيُّرِ مَا شَأْنُهُ الْبَقَاءُ وَإِعَادَةُ مَا فَنِيَ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: وَخَصَّ الْمِائَةَ لِكَمَالِهَا فِي الْعَدِّ الْمُثَلَّثِ مِنَ الْآحَادِ [وَ] الْعَشَرَاتِ وَعُشْرُهَا وَتْرُ الشَّفْعِ لِأَنَّ مَا تَمَّ فِي الثَّالِثِ كَانَ مَا زَادَ عَلَيْهِ تَكْرَارًا يُجْزِئُ عَنْهُ الثَّلَاثُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثُمَّ بَعَثَهُ فِي بَيَانِهِ إِشْعَارٌ
[ ص: 57 ] بِأَنَّ بَدَنَهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَلَا فَنِيَ فَنَاءَ حِمَارِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثُمَّ نَشَرَهُ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=22ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ انْتَهَى.
وَلَمَّا أَحَاطَ الْعِلْمُ بِأَنَّ هَذَا الْعَمَلَ لِأَجْلِ إِيقَانِهِ عَلَى الْقُدْرَةِ تَشَوَّفَتِ النَّفْسُ إِلَى مَا حَصَلَ لَهُ بَعْدَ الْبَعْثِ فَأُجِيبَتْ بِقَوْلِهِ تَنْبِيهًا لَهُ وَلِكُلِّ سَامِعٍ عَلَى مَا فِي قِصَّتِهِ مِنَ الْخَوَارِقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ أَيْ لَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ مَنْ شَاءَ مِمَّنْ خِطَابُهُ نَاشِئٌ عَنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كَمْ لَبِثْتَ أَيْ فِي رَقْدَتِكَ هَذِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ لِنَظَرِهِ إِلَى سَلَامَةِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259لَبِثْتُ يَوْمًا ثُمَّ تَغَيَّرَ ظَنُّهُ بِحَسَبِ الشَّمْسِ أَوْ غَيْرِهَا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ وَكَأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ بِهَذَا الْجَوَابِ - كَمَا هِيَ عَادَةُ الْإِنْسَانِ - قَبْلَ النَّظَرِ إِلَى حِمَارِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ أَيِ الَّذِي خَاطَبَهُ مُضْرِبًا عَنْ جَوَابِهِ بَيَانًا لِأَنَّهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ مُعَبِّرًا عَنِ الْحَوْلِ بِلَفْظٍ يَدُورُ عَلَى مَعْنَى السَّعَةِ وَالِامْتِدَادِ وَالطُّولِ [وَدَلَّهُ] عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ أَيِ الَّذِي كَانَ مَعَكَ لَمَّا رَقَدْتَ وَهُوَ أَسْرَعُ الْأَشْيَاءِ فَسَادًا تِينٌ وَعَصِيرٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259لَمْ يَتَسَنَّهْ مِنَ السَّنَةِ أَيْ يَتَغَيَّرْ بِمَرِّ السِّنِينَ عَلَى طُولِ مُرُورِهَا وَقُوَّةِ تَقَلُّبَاتِهَا وَتَأْثِيرِهَا، وَمَعْنَى الْقِرَاءَةِ بِهَاءِ السَّكْتِ أَنَّ الْخَبَرَ بِذَلِكَ أَمْرٌ جَازِمٌ مُقْنِعٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ أَصْلًا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259حِمَارِكَ بَالِيًا رَمِيمًا، فَجَمَعَ اللَّهُ [لَهُ] سُبْحَانَهُ
[ ص: 58 ] وَتَعَالَى بَيْنَ آيَتَيِ الرَّطْبِ فِي حِفْظِهِ وَالْيَابِسِ فِي نَقْضِهِ.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِنَجْعَلَهُ آيَةً لَكَ عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ أَوْ لِتَعْلَمَ أَنْتَ قُدْرَتَنَا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَلِنَجْعَلَكَ أَيْ فِي مَجْمُوعِ خَبَرِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259آيَةً لِلنَّاسِ أَيْ كَافَّةً فَكَانَ أَمْرُهُ إِبْقَاءً وَتَثْبِيتًا آيَةً فِي مَوْجُودِ الدُّنْيَا عَلَى مَا سَيَكُونُ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ قِيَامَ سَاعَةٍ وَبَعْثًا وَنُشُورًا، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ.
وَلَمَّا أَمَرَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ آيَةً عَلَى لُبْثِهِ ذَلِكَ الزَّمَنَ الطَّوِيلَ أَمَرَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا جَعَلَهُ لَهُ آيَةً عَلَى اقْتِدَارِهِ عَلَى الْإِحْيَاءِ كَيْفَ مَا أَرَادَ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ أَيْ مِنْ حِمَارِكَ وَهِيَ جَمْعُ عَظْمٍ وَهُوَ عِمَادُ الْبَدَنِ الَّذِي عَلَيْهِ مُقَوِّمُ صُورَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259كَيْفَ نُنْشِزُهَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: بِالرَّاءِ مِنَ النَّشْرِ وَهُوَ عَوْدُ الْفَانِي إِلَى صُورَتِهِ الْأُولَى وَبِالضَّمِّ جَعْلٌ وَتَصْيِيرٌ إِلَيْهِ، وَبِالزَّايِ مِنَ النَّشْزِ وَهُوَ إِظْهَارُ الشَّيْءِ وَإِعْلَاؤُهُ، مِنْ نَشَزِ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا ارْتَفَعَ مِنْهَا وَظَهَرَ. انْتَهَى. وَضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ يَنْظِمُ ذَلِكَ كُلَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: جَعَلَ حَيَاتَهُ بَعْثًا وَحَيَاةَ حِمَارِهِ نُشُورًا وَأَرَاهُ [النَّشْرَ]، وَاللَّحْمَ الَّذِي لُحِمَ بَيْنَ الْعِظَامِ حَتَّى
[ ص: 59 ] صَارَتْ صُورَةً وَاحِدَةً لِيَتَبَيَّنَ أَمْرُ السَّاعَةِ عِيَانًا فَيَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْكَافِرِ وَالْمُسْتَبْعِدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَيْ هَذَا الْأَمْرُ الْخَارِقُ الْبَاهِرُ الدَّالُّ عَلَى مَا وَصَفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ نَفْسَهُ الْمُقَدَّسَةَ فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: وَفِي صِيغَةِ تَفَعَّلَ إِشْعَارٌ بِتَرَدُّدِهِ فِي النَّظَرِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ حَتَّى اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ أَمْرُ مَا أُعْلِمَ بِهِ وَاضْمَحَلَّ عِنْدَهُ مَا قَدَّرَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَالَ أَعْلَمُ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ بِنَاءً عَلَى نَفْسِهِ وَبِصِيغَةِ الْأَمْرِ إِفَادَةً لِغَيْرِهِ مَا عَلِمَ لِتَدُلَّ الْقِرَاءَتَانِ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ وَعُلِّمَ لِأَنَّ الْعِلْمَ إِنَّمَا يَتِمُّ حِينَ يَصِلُ إِلَى غَيْرِ الْعَالِمِ [فَيَجْمَعُ فَضْلَ الْعِلْمِ وَالتَّعْلِيمِ. انْتَهَى. وَيَجُوزُ أَنْ يَدُلَّ التَّعْبِيرُ بِالْمُضَارِعِ فِي أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَذَا الْعِلْمِ] مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى حَالٍ وَلَا اسْتِقْبَالٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ اعْتِذَارًا عَنْ تَعْبِيرِهِ فِي التَّعْجِيبِ بِمَا دَلَّ عَلَى الِاسْتِبْعَادِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَهُ اسْتِبْعَادًا لِتَعْلِيقِ الْقُدْرَةِ بِذَلِكَ لَا لِلْقُدْرَةِ عَلَيْهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّ اللَّهَ أَيْ لِمَا أَعْلَمُ مِنْ عَظَمَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَيْ مِنْ هَذَا وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259قَدِيرٌ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ: فِي إِشْعَارِهِ إِلْزَامُ الْبَصَائِرِ شُهُودَ قُدْرَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي تَعَيُّنِهَا فِي الْأَسْبَابِ الْحِكْمِيَّةِ الَّتِي تَتَقَيَّدُ بِهَا الْأَبْصَارُ إِلْحَاقًا لِمَا دُونَ آيَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ بِأَمْرِهَا لِيَسْتَوِيَ فِي الْعِلْمِ أَنَّ مُحْيِيكَ هُوَ مُصَرِّفُكَ، فَكَمَا أَنَّ حَيَاتَكَ بِقُدْرَتِهِ [فَكَذَلِكَ عَمَلُكَ
[ ص: 60 ] بِقُدْرَتِهِ] فَلَاءَمَ تَفْصِيلُ إِفْرَادِ الْقُدْرَةِ لِلَّهِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إِبْدَاءِ الْحِفْظِ بِاللَّهِ وَالْعَظَمَةِ لِلَّهِ، فَكَأَنَّهَا جَوَامِعُ وَتَفَاصِيلُ كُلُّهَا تَقْتَضِي إِحَاطَةَ أَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكُلِّيَّةِ مَا أَجْمَلَ وَبِدَقَائِقِ تَفَاصِيلِ مَا فَصَّلَ. انْتَهَى. وَفِي الْآيَةِ بَيَانٌ لِوَجْهِ مُغَالَطَةِ الْكَافِرِ لِمَنِ اسْتَخَفَّهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَ
الْخَلِيلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْإِحْيَاءَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَلِكُ الْأُلُوهِيَّةَ هُوَ هَذَا الْإِحْيَاءُ الْحَقِيقِيُّ لَا التَّخْلِيَةُ عَمَّنِ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ.