الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 558 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ( 5 ) )

قال أبو جعفر : يقول جل ذكره قال : يعقوب لابنه يوسف : " يا بني لا تقصص رؤياك" ، هذه ، "على إخوتك" ، فيحسدوك "فيكيدوا لك كيدا" ، يقول : فيبغوك الغوائل ، ويناصبوك العداوة ، ويطيعوا فيك الشيطان . ( إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) ، يقول : إن الشيطان لآدم وبنيه عدو ، قد أبان لهم عداوته وأظهرها . يقول : فاحذر الشيطان أن يغري إخوتك بك بالحسد منهم لك ، إن أنت قصصت عليهم رؤياك .

وإنما قال يعقوب ذلك ، لأنه قد كان تبين له من إخوته قبل ذلك حسدا ، كما : -

18788 - حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن أسباط ، عن السدي ، قال : نزل يعقوب الشأم ، فكان همه يوسف وأخاه ، فحسده إخوته لما رأوا حب أبيه له . ورأى يوسف في المنام كأن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رآهم له ساجدين ، فحدث بها أباه فقال : ( يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) ، الآية .

واختلف أهل العربية في وجه دخول"اللام" في قوله ( فيكيدوا لك كيدا ) .

فقال بعض نحويي البصرة : معناه : فيتخذوا لك كيدا وليست مثل : [ ص: 559 ] ( إن كنتم للرؤيا تعبرون ) [ سورة يوسف : 43 ] تلك أرادوا أن يوصل الفعل إليها باللام ، كما يوصل بالباء ، كما تقول : "قدمت له طعاما" ، تريد قدمت إليه ، وقال : ( يأكلن ما قدمتم لهن ) ، [ سورة يوسف : 48 ] ومثله قوله : ( قل الله يهدي للحق ) [ سورة يونس : 35 ] قال : وإن شئت كان : ( فيكيدوا لك كيدا ) ، في معنى : "فيكيدوك" ، وتجعل اللام مثل : ( لربهم يرهبون ) [ سورة الأعراف : 154 ] وقد قال"لربهم يرهبون" إنما هو بمكان : "ربهم يرهبون" .

وقال بعضهم : أدخلت اللام في ذلك ، كما تدخل في قولهم : "حمدت لك" و"شكرت لك" ، و"حمدتك" و"شكرتك" . وقال : هذه لام جلبها الفعل ، فكذلك قوله : ( فيكيدوا لك كيدا ) تقول : فيكيدوك ، أو : يكيدوا لك ، فيقصدوك ، ويقصدوا لك ، قال : و "كيدا" : توكيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية