الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقد أمر الله (تعالى) نبيه أن يسألهم في أمر كوني آخر. [ ص: 5109 ]

                                                          قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون ؛ الخطاب أيضا للنبي؛ يأمره أن يسألهم: من رب السماوات السبع ؛ والربوبية تقتضي - أولا - الخلق والتكوين؛ وتقتضي - ثانيا - الإمداد برحمته؛ وتقتضي - ثالثا - الرقابة عليه؛ والتنظيم له؛ والتسيير له؛ والقيام على شؤونه؛ والسماوات وصفها بأنها سبع؛ ثم قال (تعالى): ورب العرش العظيم ؛ أي: صاحب السلطان العظيم المهيمن على الوجود كله؛ وإجابتهم لا محالة: سيقولون لله ؛ السين لتأكيد القول في المستقبل؛ وذلك لما ذكرنا من قبل؛ من أنهم يعلمون أنه لا سلطان في الخلق والتكوين والهيمنة على الوجود إلا لله؛ ولكنهم كما قلنا: لا يرتبون النتائج على علمهم؛ بل يعبدون غير الله بسيطرة أوهامهم على تفكيرهم؛ ونجد هنا افتراقا في الجواب عن السؤال؛ فالسؤال: " من رب السماوات؟ " ؛ والجواب: " لله " ؛ وظاهر الجواب أن يكون " الله " ؛ من غير لام؛ ونقول في الجواب عن ذلك: إن السؤال عن الربوبية يقتضي السؤال عن الملكية والسلطان؛ كأنه قيل: لمن السلطان والملك؟ فكان الجواب " لله " .

                                                          ويلاحظ أنه تكرر لفظ الرب في قوله (تعالى): من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ؛ ونقول: إن التكرار لتغاير معنى الربوبية؛ ففي الأولى السؤال عن الخالق؛ والمنمي؛ والقائم بالتدبير؛ والتسيير؛ والثاني معنى الربوبية: السلطان والحكم؛ قل أفلا تتقون ؛ الأمر موجه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليقنعهم بخلق الله؛ مع استحقاقه وحده العبودية؛ أفلا تتقون ؛ الفاء؛ كما ذكرنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ أي أنه إذا كان يجب عليهم أن يتقوا الله ويجعلوا وقاية بينهم وبين عذابه؛ ما دام هو رب هذا الوجود كله؛ ورب السلطان فيه وحده؛ وهو الذي يعذب من يشاء؛ ويغفر لمن يشاء.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية