الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السابعة : لا شبهة في أن المراد بقوله :( بعد عامهم هذا ) السنة التي حصل فيها النداء بالبراءة من المشركين ، وهي السنة التاسعة من الهجرة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( وإن خفتم عيلة ) والعيلة الفقر ، يقال : عال الرجل يعيل عيلة إذا افتقر ، والمعنى : إن خفتم فقرا بسبب منع الكفار( فسوف يغنيكم الله من فضله ) وفيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ذكروا في تفسير هذا الفضل وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال مقاتل : أسلم أهل جدة وصنعاء وحنين ، وحملوا الطعام إلى مكة وكفاهم الله الحاجة إلى مبايعة الكفار .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : قال الحسن : جعل الله ما يوجد من الجزية بدلا من ذلك . وقيل : أغناهم بالفيء .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال عكرمة : أنزل الله عليهم المطر ، وكثر خيرهم .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قوله :( فسوف يغنيكم الله من فضله ) إخبار عن غيب في المستقبل على سبيل الجزم في حادثة عظيمة ، وقد وقع الأمر مطابقا لذلك الخبر فكان معجزة .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى :( إن شاء ) ولسائل أن يسأل فيقول : الغرض بهذا الخبر إزالة الخوف بالعيلة ، وهذا الشرط يمنع من إفادة هذا المقصود ، وجوابه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن لا يحصل الاعتماد على حصول هذا المطلوب ، فيكون الإنسان أبدا متضرعا إلى الله تعالى في طلب الخيرات ودفع الآفات .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أن المقصود من ذكر هذا الشرط تعليم رعاية الأدب ، كما في قوله : ( لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين ) [الفتح : 27] .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أن المقصود التنبيه على أن حصول هذا المعنى لا يكون في كل الأوقات وفي جميع الأمور ؛ لأن إبراهيم عليه السلام قال في دعائه :( وارزق أهله من الثمرات ) [البقرة : 126] وكلمة "من" تفيد التبعيض ، فقوله تعالى في هذه الآية :( إن شاء ) المراد منه ذلك التبعيض .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 23 ] ثم قال :( إن الله عليم حكيم ) أي : عليم بأحوالكم ، وحكيم لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة وصواب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية