الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ؛ أي أنهم سيرون الملائكة غير نازلين لهم في الدنيا؛ فالرسالة من البشر؛ كما هي سنة الله في دعوة الخلق إلى الهداية؛ وكما كان شأن الرسل من قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ كما قال (تعالى) - مخاطبا نبيه -: قل ما كنت بدعا من الرسل ؛ فهم يطلبون محالا في الدنيا؛ وستنزل إليهم الملائكة؛ فيرونهم عيانا؛ ويكون عذاب منهم إليهم؛ ولذا قال (تعالى): لا بشرى يومئذ للمجرمين ؛ هذه عبارة [ ص: 5267 ] سامية؛ فيها تهديد للمجرمين الذين أجرموا في جنب الله (تعالى)؛ وفيها تبشير للمؤمنين.

                                                          فهذه الجملة السامية؛ مع إيجازها المعجز؛ فيها تبشير؛ وفيها ذكر لعذاب المجرمين؛ فالمجرمون لا بشرى لهم بدخول جنة النعيم؛ إذ هم محرومون منها؛ وفيها - بالمفهوم - بشرى لغير المجرمين؛ ففيها جزاء المؤمنين بالنعيم المقيم؛ وحرمان المجرمين منه؛ وهذا أدنى الجزاء؛ وهو عقوبة سلبية؛ والعقوبة الإيجابية؛ وهي دخولهم في الجحيم؛ بدل بشرى النعيم؛ فهي مذكورة في آيات كثيرة؛ وأشير إلى بشرى المؤمنين؛ لأنهم يرجون لقاء ربهم؛ فكانوا صفوفا في منازل الأبرار.

                                                          ويقولون حجرا محجورا ؛ الضمير في " يقولون " ؛ يصح أن يعود على الملائكة؛ ويصح أن يعود إلى المجرمين؛ و " الحجر " ؛ معناه: المكان الحجور الممتنع؛ كـ " نقض " ؛ بمعنى " منقوض " ؛ ومن ذلك " حجر إبراهيم " ؛ فهو مكان ممنوع؛ ووصفه بـ " المحجور " ؛ تصريح بما تضمنه اللفظ؛ وتأكيد لمعنى المنع على غير المؤمنين.

                                                          وتخريج القول على أن الضمير يعود على الملائكة؛ ويكون المعنى أن الملائكة يقولون: لا بشرى يومئذ للمجرمين؛ أي: البشرى بالجنة تكون لغير المجرمين؛ مقصورا ما يبشر به على المؤمنين؛ فأنتم معشر المجرمين ممنوعون منه؛ محرومون.

                                                          وإذا كان الضمير في " يقولون " ؛ يعود إلى المجرمين؛ يكون المعنى أنهم أدركوا أنه لا نصيب لهم بالبشرى في الجنة؛ ليقولوا متحسرين؛ نادمين؛ مكبوتين: حجرا محجورا ؛ أي: مكانا ممنوعا علينا منعا مؤكدا.

                                                          وإن المجرمين يكونون قد أحسنوا في الدنيا بأن فعلوا أحيانا ما توجبه المروءة والنجدة؛ ولكن لأنهم فقدوا الهيئة المحتسبة المخلصة لله (تعالى)؛ لا يكافؤون عليها؛ لأن الأعمال بالنيات؛ ولذا قال (تعالى):

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية