الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : من الناس من قال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، كان يحكم بمقتضى الاجتهاد في بعض الوقائع ، واحتج عليه بأن قوله :( فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [الحشر : 2] أمر لأولي الأبصار بالاعتبار والاجتهاد ، والرسول كان سيدا لهم ، فكان داخلا تحت هذا الأمر ، ثم أكدوا ذلك بهذه الآية فقالوا : إما أن يقال إنه تعالى أذن له في ذلك الإذن أو منعه عنه ، أو ما أذن له فيه ، وما منعه عنه والأول باطل ، وإلا امتنع أن يقول له : لم أذنت لهم ، والثاني باطل أيضا ؛ لأن على هذا التقدير يلزم أن يقال : إنه حكم بغير ما أنزل الله فيلزم دخوله تحت قوله :( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) [المائدة : 44] و( أولئك هم الظالمون ) [المائدة : 45]( وأولئك هم الفاسقون ) [المائدة : 47] وذلك باطل بصريح القول ، فلم يبق إلا القسم الثالث ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام أذن في تلك الواقعة من تلقاء نفسه ، فإما أن يكون ذلك مبنيا على الاجتهاد أو ما كان كذلك ، والثاني باطل ؛ لأنه حكم بمجرد التشهي وهو باطل لقوله تعالى :( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ) [مريم : 59] فلم يبق إلا أنه عليه الصلاة والسلام أذن في تلك الواقعة ، بناء على الاجتهاد ، وذلك يدل على أنه عليه الصلاة والسلام ، كان يحكم بمقتضى الاجتهاد .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : فهذا بأن يدل على أنه لا يجوز له الحكم بالاجتهاد أولى ؛ لأنه تعالى منعه من هذا الحكم بقوله :( لم أذنت لهم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : إنه تعالى ما منعه من ذلك الإذن مطلقا ؛ لأنه قال :( حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ) والحكم الممدود إلى غاية بكلمة حتى يجب انتهاؤه عند حصول تلك الغاية ، فهذا يدل على صحة قولنا .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قالوا : فلم لا يجوز أن يكون المراد من ذلك التبين هو التبين بطريق الوحي ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : ما ذكرتموه محتمل إلا أن على التقدير الذي ذكرتم يصير تكليفه أن لا يحكم البتة ، وأن يصبر حتى ينزل الوحي ويظهر النص ، فلما ترك ذلك ، كان ذلك كبيرة ، وعلى التقدير الذي ذكرنا كان ذلك الخطأ خطأ واقعا في الاجتهاد ، فدخل تحت قوله : " ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " فكان حمل الكلام عليه أولى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية