الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                وسئل رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لرجل يؤم قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم } . فهل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين ؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم ؟ [ ص: 117 ] فكيف الجمع بين هذين ؟ .

                التالي السابق


                فأجاب : الحمد لله رب العالمين . قد ثبت في الصحيحين { عن أبي هريرة . أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة . ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي . كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد } فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما . وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض - فيه - فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت } .

                وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله : { لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت } { اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } . وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله ومن أمره لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد . كقوله : { اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال } . وكذا دعاؤه بين [ ص: 118 ] السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة ومن حديث ابن عباس وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما أحدهما بحذيفة والآخر بابن عباس . وحديث حذيفة { رب اغفر لي رب اغفر لي } وحديث ابن عباس فيه { اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني } ونحو هذا فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد . وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية .

                وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور إن صح فالمراد به الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم : كدعاء القنوت فإن المأموم إذا أمن كان داعيا قال الله تعالى لموسى وهارون : { قد أجيبت دعوتكما } وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمن . وإذا كان المأموم مؤمنا على دعاء الإمام فيدعو بصيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } فإن المأموم إنما أمن لاعتقاده . أن الإمام يدعو لهما جميعا فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم .

                فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه كالاستفتاح وما بعد التشهد ونحو ذلك فكما أن المأموم يدعو لنفسه فالإمام يدعو لنفسه . كما يسبح المأموم في الركوع والسجود إذا سبح الإمام في [ ص: 119 ] الركوع والسجود وكما يتشهد إذا تشهد ويكبر إذا كبر فإن لم يفعل المأموم ذلك فهو المفرط .

                وهذا الحديث لو كان صحيحا صريحا معارضا للأحاديث المستفيضة المتواترة ولعمل الأمة والأئمة لم يلتفت إليه فكيف وليس من الصحيح ولكن قد قيل : إنه حسن ولو كان فيه دلالة لكان عاما وتلك خاصة والخاص يقضي على العام . ثم لفظه { فيخص نفسه بدعوة دونهم } يراد بمثل هذا إذا لم يحصل لهم دعاء وهذا لا يكون مع تأمينهم . وأما مع كونهم مؤمنين على الدعاء كلما دعا فيحصل لهم كما حصل له بفعلهم ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع : { اللهم إنا نستعينك ونستهديك } إلى آخره . ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع ويتبع السنة على وجهها والله أعلم .




                الخدمات العلمية