الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة ، لحديث عمر رضي الله عنه ويستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب ، ويستحب إذا جاء المطر أن يقولوا : اللهم صيبا هنيئا ، لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان إذا رأى المطر قال ذلك " ويستحب أن يتمطر لأول مطر ، لما روى أنس رضي الله عنه قال : { أصابنا مطر ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابه المطر ، فقلنا يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ فقال : إنه حديث عهد بربه } " ويستحب إذا سال الوادي أن يغتسل فيه ، ويتوضأ منه لما روي أنه { جرى الوادي فقال النبي صلى الله عليه وسلم اخرجوا بنا إلى هذا الذي سماه الله طهورا حتى نتوضأ منه ونحمد الله عليه } ويستحب لمن سمع الرعد أن يسبح لما روى ابن عباس قال : " كنا مع عمر رضي الله عنه في سفر فأصابنا رعد وبرق وبرد فقال لنا كعب : من قال حين يسمع الرعد : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ثلاثا عوفي من ذلك ، فقلنا فعوفينا " ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) حديث عمر سبق ، وحديث عائشة رواه البخاري ، وحديث أنس رواه مسلم ، وحديث الوادي رواه الشافعي في الأم بإسناد منقطع ضعيف مرسلا والخصب بكسر الخاء ، والجدب بإسكان الدال المهملة ، وهو القحط . قوله : اللهم صيبا ، هو بفتح الصاد وبعدها ياء مثناة من تحت مكسورة ثم باء موحدة ، هكذا صوابه وهكذا هو في صحيح البخاري وغيره من كتب الحديث ، ووقع في المهذب اللهم صبا بحذف المثناة وبباء موحدة مشددة ، ولكل واحد منهما وجه ، فالصيب الذي في البخاري وغيره هو المطر ، قاله البخاري عن ابن عباس وقال الواحدي : الصيب المطر الشديد من قولهم : صاب يصوب إذا نزل من علو إلى أسفل ، وقيل الصيب السحاب ، وأما الذي في المهذب [ ص: 87 ] فمعناه اللهم صبه علينا صبا ، وجاء في رواية لابن ماجه " اللهم سيبا نافعا مرتين أو ثلاثا " ذكره في كتاب الدعاء ، والسيب بفتح السين وإسكان الياء وهو العطاء . وقوله " يتمطر " يتفعل من المطر ومعناه يتطلب ويتحرى نزول المطر عليه ببروزه عليه . وقوله حسر بفتح الحاء والسين المهملتين والسين مخففة أي كشف وفيه محذوف أي حسر بعض بدنه . وقوله صلى الله عليه وسلم : { حديث عهد بربه } أي بتكوين ربه أو تنزيله ، والحديث القريب . وقوله ( رعد وبرق وبرد ) فالبرد هنا بفتح الباء والراء وهو معروف وإنما ذكرته لئلا يصحف ببرد بإسكان الراء . ( أما الأحكام ) ففيما ذكره مسائل : ( إحداها ) يستحبالاستسقاء في الدعاء من غير صلاة بالاتفاق ، وقد سبق في أول الباب أن الاستسقاء ثلاثة أضرب هذا أحدها ، ودليل هذا حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم { استسقى يوم الجمعة على المنبر بالدعاء من غير صلاة الاستسقاء } " رواه البخاري ومسلم ، قال الشافعي وكذلك أمر بالدعاء لكل نازلة تنزل بأحد من المسلمين .



                                      ( الثانية ) يستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب ، نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ، وهكذا عبارة الأصحاب : يستحب لأهل الخصب أن يدعوا لأهل الجدب ، ولم يتعرضوا للصلاة ، وظاهر كلامهم أنه لا تشرع الصلاة . وقال في الأم : يستسقي أهل الخصب لأهل الجدب .



                                      ( الثالثة ) السنة أن يدعو عند نزول المطر بما سبق في الحديث ، ويستحب أن يجمع بين روايتي البخاري وابن ماجه فيقول " { اللهم صيبا هنيا وسيبا نافعا } " ويكرره .



                                      ( الرابعة ) السنة أن يكشف بعض بدنه ليصيبه أول المطر للحديث السابق ، والمراد أول مطر يقع في السنة ، كذا نص عليه الشافعي وقاله الأصحاب . قال سليم الرازي والشيخ نصر المقدسي وصاحب العدة : يستحب إذا جاء المطر في أول السنة أن يخرج الإنسان إليه ويكشف ما عدا [ ص: 88 ] عورته ليصيبه منه ، ولفظ الشافعي : في أول قطرة ، وكذا لفظ المحاملي وصاحب الشامل والباقين . وذكر الشافعي في الأم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لغلامه وقد مطرت السماء " أخرج فراشي ورحلي يصيبه المطر ، فقيل له : لم تفعل هذا ؟ فقال أما تقرأ كتاب الله ؟ { ونزلنا من السماء ماء مباركا } ، فأحب أن تصيب البركة فراشي ورحلي " .



                                      ( الخامسة ) يستحب إذا سال الوادي أن يتوضأ منه ويغتسل فإن لم يجمعهما فليتوضأ .



                                      ( السادسة ) يستحب لسامع الرعد أن يسبح لما روى مالك في الموطأ بإسناده الصحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال : " سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته " .



                                      ( فرع ) في مسائل تتعلق بباب الاستسقاء ( إحداها ) ذكرنا أنه يخطب للاستسقاء بعد الصلاة ، فلو خطب قبلها صحت خطبته وكان تاركا للأكمل ، صرح به صاحب التتمة وغيره ، وأشار ابن المنذر إلى استحباب تقديم الخطبة ، وحكاه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره ، وحكاه العبدري عن عبد الله بن الزبير وعمر بن عبد العزيز والليث بن سعد ، قال : ومذهب العلماء كافة سوى هؤلاء : تقديم الصلاة على الخطبة . ودليل جواز تقديم الخطبة حديث عبد الله بن زيد قال " { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى وحول رداءه حين استقبل القبلة ، ثم صلى ركعتين } " رواه البخاري ومسلم . وعن عائشة رضي الله عنها قالت " { شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له بالمصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر . وذكرت الخطبة والدعاء ، وأنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين } " رواه أبو داود [ ص: 89 ] بإسناد صحيح قال الشيخ أبو حامد : قال أصحابنا : تقديم الخطبة في هذه الأحاديث محمول على بيان الجواز في بعض الأوقات .



                                      ( الثانية ) قال الشافعي والأصحاب : إذا ترك الإمام الاستسقاء لم يتركه الناس . وقال الشافعي في الأم : إذا كان جدب أو قلة ماء في نهر أو عين أو بئر في حاضر أو باد من المسلمين لم أحب للإمام التخلف عن الاستسقاء ، فإن تخلف فقد أساء في تخلفه وتركه السنة ولا قضاء عليه ولا كفارة . وقال في الأم أيضا : إذا خلت الأمصار من الولاة قدموا أحدهم للجمعة والعيد والكسوف والاستسقاء كما قدم الناس أبا بكر رضي الله عنه حين ذهب النبي صلى الله عليه وسلم ليصلح بين بني عمرو بن عوف ، وقدموا عبد الرحمن بن عوف في غزوة تبوك حين تأخر النبي صلى الله عليه وسلم لحاجته ، وكان ذلك في الصلاة المكتوبة " وهذان الحديثان في الصحيحين قال الشافعي : فإذا جاز ذلك في المكتوبة فغيرها أولى .



                                      ( الثالثة ) قال الشافعي في الأم في باب المطر قبل الاستسقاء : لو نذر الإمام أن يستسقي ثم سقي الناس وجب عليه أن يخرج فيوفي نذره ، فإن لم يفعل فعليه قضاؤه ، قال : وليس عليه أن يخرج بالناس لأنه لا يملكهم ، ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم ، وليس له أن يكرههم على الاستسقاء من غير جدب ، قال : ولو نذر رجل أن يخرج ليستسقي كان عليه أن يخرج بنفسه ، فإن نذر أن يخرج بالناس كان عليه أن يخرج بنفسه ولم يكن عليه أن يخرج بالناس ، قال : وأحب أن يخرج ممن أطاعه منهم من ولده وغيرهم . قال فإن كان في نذره أن يخطب خطب وذكر الله تعالى ، وله أن يدعو جالسا لأنه ليس في قيامه - إذا لم يكن واليا ولا معه جماعة - بالذكر طاعة ، قال : وإن نذر أن يخطب على منبر فله أن يخطب جالسا ، وليس عليه أن يخطب على منبر ، لأنه لا طاعة في ركوبه المنبر ، وإنما يؤمر بهذا الإمام ليسمع الناس . قال : فإن كان إماما ومعه ناس لم يحصل الوفاء بنذره إلا بالخطبة قائما لأن الطاعة فيها إذا كان معه ناس أن يخطب قائما ، فإذا وقف على منبر أو جدار أو قائما أجزأه عن نذره . قال ولو نذر أن يخرج ويستسقي أحببت له أن يستسقي في المسجد ، ولو استسقى في بيته أجزأه . هذا آخر نصه .

                                      [ ص: 90 ] وقال صاحب التهذيب في هذا الباب : لو نذر الإمام أن يستسقي لزمه أن يخرج بالناس ويصلي بهم ، قال : ولو نذره واحد من الناس لزمه أن يصلي منفردا وإن نذر أن يستسقي بالناس لم ينعقد نذره لأنهم لا يطيعونه ، قال : ولو نذر أن يخطب وهو من أهله لزمه ، وهل له أن يخطب قاعدا مع القدرة ؟ فيه خلاف مبني على أن النذر يسلك مسلك جائز الشرع أم مسلك واجبه ؟ .



                                      ( الرابعة ) قال الشافعي والأصحاب : وإذا كثرت الأمطار وتضرر الناس به فالسنة أن يدعو برفعها : اللهم حوالينا ولا علينا . قال الشافعي في الأم والأصحاب : ولا يشرع لذلك صلاة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل لذلك ودليل هذه المسألة حديث أنس قال { دخل رجل المسجد يوم جمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا ، اللهم أغثنا قال أنس : والله وما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا بيننا وبين سلع ، يعني الجبل المعروف بقرب المدينة ، من بيت ولا دار فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت ، فلا والله ما رأينا الشمس سبتا ، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب ، فقال : يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله أن يمسكها علينا ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال : اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ، فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس } " رواه البخاري ومسلم .

                                      وأما قول المصنف في التنبيه في أثناء دعاء الاستسقاء لطلب المطر : اللهم حوالينا ولا علينا ، فما أنكروه عليه ، وإنما يقال هذا عند كثرة الأمطار وحصول الضرر بها ، كما صرح به في الحديث ونص عليه الشافعي والأصحاب رحمهم الله .



                                      ( الخامسة ) ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال " { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل ، فلما انصرف أقبل على الناس فقال : هل تدرون ماذا [ ص: 91 ] قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر . فأما من قال : مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب } " . قال الشافعي في الأم وأصحابنا وغيرهم من العلماء : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا لأنه كان في بلاد الكفار الملحدين في دين الله تعالى ، فأخبر أن العباد قسمان ، قالوا فيسن أن يقول في إثر المطر : مطرنا بفضل الله ورحمته ، فإن قال : مطرنا بنوء كذا وأراد أن النوء هو الفاعل حقيقة وليس لله فيه صنع فهو كافر مرتد خارج من الملة ، وإن أراد أن النوء وقت يوقع الله المطر فيه من غير أثر للنوء ، وإنما الفعل لله تعالى فليس بكافر كفر جحود بل هو لفظ مكروه وليس بحرام ، ويصح أن يطلق عليه كفر النعمة والله أعلم .



                                      ( السادسة ) يستحب الدعاء عند نزول المطر ، نص عليه الشافعي في الأم ، وروى فيه حديثا ضعيفا مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث } . قال الشافعي : وحفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند نزول الغيث وإقامة الصلاة .



                                      ( السابعة ) قال الشافعي في الأم : لم تزل العرب تكره الإشارة إلى البرق والمطر قال الشافعي " أخبرني الثقة أن مجاهدا كان يقول الرعد ملك والبرق أجنحته يسقن السحاب " قال الشافعي " ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن " .



                                      ( الثامنة ) يكره سب الريح قال الشافعي في الأم : ولا ينبغي لأحد أن يسب الرياح فإنها خلق لله تعالى مطيع ، وجند من أجناده يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء . والسنة أن يقول عند هبوب الريح ما روت عائشة رضي الله عنها قالت " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال : اللهم إني [ ص: 92 ] أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به } " رواه مسلم في صحيحه .

                                      وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { الريح من روح الله تعالى تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب ، فإذا رأيتموها فلا تسبوها ، واسألوا الله خيرها ، واستعيذوا بالله من شرها } " رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن ( قوله صلى الله عليه وسلم ) من روح الله - بفتح الراء - قال العلماء معناه من رحمة الله بعباده . وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تسبوا الريح ، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا : اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح ، وخير ما فيها وخير ما أمرت به ، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها ، وشر ما أمرت به } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، قال وفي الباب عن عائشة وعثمان بن أبي العاصي وأبي هريرة وأنس وابن عباس وجابر . وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال " { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتدت الريح يقول : اللهم لقحا لا عقيما } رواه ابن السني بإسناد صحيح ، ومعنى ( لقحا ) حامل للماء كاللقحة من الإبل والعقيم التي لا ماء فيها كالعقيم من الحيوان لا ولد فيها ، وعن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " { إذا وقعت كبيرة أو هاجت ريح عظيمة فعليكم بالتكبير فإنه يجلي العجاج الأسود } رواه ابن السني . وقال الشافعي في الأم : أخبرني من لا أتهم وذكر إسناده إلى ابن عباس قال " { ما هبت ريح إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه وقال : اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا ، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلهما ريحا . } قال ابن عباس : في كتاب الله تعالى ( { إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا } ) ( { إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } ) وقال الله تعالى ( { وأرسلنا الرياح [ ص: 93 ] لواقح } ) ، و ( { أن يرسل الرياح مبشرات } ) . وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور } " . رواه البخاري ومسلم .



                                      ( التاسعة ) روى ابن السني بإسناد ليس بثابت عن ابن مسعود قال : " أمرنا أن لا نتبع أبصارنا الكوكب إذا انقض وأن نقول عند ذلك : ما شاء الله لا قوة إلا بالله " وروى الشافعي في الأم بإسناد ضعيف مرسل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " { ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا والسماء تمطر فيها يصرفه الله حيث يشاء } " وبإسناد له ضعيف عن كعب " { أن السيول ستعظم في آخر الزمان } " قال الشافعي أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن المسيب عن أبيه عن جده قال " جاء مكة سيل طبق ما بين الجبلين " هذا إسناد صحيح .



                                      ( العاشرة ) قال صاحب الحاوي : زعم بعضهم أنه يكره أن يقال : اللهم أمطرنا لأن الله تعالى لم يذكر الإمطار في كتابه إلا للعذاب ، قال الله تعالى { وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين } " قال وهذا عندنا غير مكروه . هذا كلام صاحب الحاوي ، والصواب أنه لا يكره كما اختاره ، فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه في حديثه المتقدم في المسألة الرابعة . قوله " ثم أمطرت " هكذا هو : أمطرت بالألف في صحيح مسلم ، وفي ثلاثة أبواب من صحيح البخاري في كتاب الاستسقاء . وأما قول المخالف إنه لم يأت في كتاب الله تعالى ( أمطر ) إلا في العذاب ، فليس كما زعم ، بل قد جاء في القرآن العزيز أمطر في المطر الذي هو الغيث ، وهو قوله عز وجل ( { قالوا هذا عارض ممطرنا } ) وهو من أمطر ، ومعلوم أنهم أرادوا الغيث ، ولهذا رد الله تعالى قولهم ، فقال تعالى ( { بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } ) .



                                      [ ص: 94 ] فرع ) في مذاهب العلماء في صلاة الاستسقاء قد ذكرنا أن مذهبنا أنها سنة متأكدة ، وبهذا قال الأئمة كافة إلا أبا حنيفة فإنه قال ليس في الاستسقاء صلاة . قال القاضي أبو الطيب وغيره : قال أصحاب أبي حنيفة : مراده ليس فيه صلاة مسنونة كما قال : ليس سجود الشكر بشيء ، أي ليس مسنونا ، وكما قال دعاء الناس ليلة عرفة بالأمصار وليس بشيء . واحتج له بقوله تعالى ( { استغفروا ربكم إنه كان غفارا } ) ولم يذكر صلاة ، ولحديث أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى يوم الجمعة على المنبر } " وبأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " استسقى بالعباس رضي الله عنه ولم يذكر صلاة " وبالقياس على الزلازل ونحوها . دليلنا الأحاديث الصحيحة المشهورة في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم " { صلى في الاستسقاء ركعتين } " منها حديث عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم " { خرج إلى المصلى فاستسقى وصلى ركعتين } " رواه البخاري ومسلم .

                                      وفي رواية للبخاري " { خرج النبي صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فتوجه إلى القبلة يدعو ، وحول رداءه ثم صلى ركعتين جهر فيهما بالقراءة } " . وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم " شكوا إليه قحوط المطر فذكرت الحديث إلى قولها : فخطب ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين . وذكرت الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن ابن عباس قال " { خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا فصلى ركعتين كما يصلي في العيد } " رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة . قال الترمذي حديث حسن صحيح . وفي المسألة أحاديث كثيرة غير هذه . وعن القياس أنه معنى سن له الاجتماع والخطبة فسن له الصلاة كالعيد والكسوف .

                                      [ ص: 95 ] والجواب عن الآية من وجهين ( أحدهما ) ليس فيها نفي الصلاة وإنما فيها الاستغفار . ونحن نقول بالاستغفار وبالصلاة بالأحاديث الصحيحة ، فلم نخالف الآية ( الثاني ) أن الآية إخبار عن شرع من قبلنا وللأصوليين من أصحابنا وغيرهم خلاف في الاحتجاج به إذا لم يرد شرعنا بمخالفته ، أما إذا ورد بخلافه فلا حجة فيه بالاتفاق . وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة بالصلاة . والجواب عن الحديث وفعل عمر رضي الله عنه أنه لبيان الجواز ، وفعل لأحد أنواع الاستسقاء الثلاثة التي قدمنا بيانها ، وليس فيه نفي للصلاة ، ففي هذا بيان نوع ، وفيما ذكرناه بيان نوع آخر ، فلا تعارض . وقد روي عن عمر أيضا الصلاة ( والجواب ) عن قياسهم على الزلازل أنها لم يسن لها الاجتماع والخطبة بخلاف الاستسقاء فإنهم أجمعوا على أنه يسن فيه الاجتماع والخطبة ، ولأن السنة بينت الصلاة في الاستسقاء دون الزلازل ، فوجب اعتمادها دون القياس . والله أعلم .



                                      ( فرع ) في مذاهبهم في كيفية صلاة الاستسقاء قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يكبر في افتتاح الركعة الأولى سبع تكبيرات ، وفي الثانية خمسا كالعيد ، وحكاه ابن المنذر عن سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم . وقال مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور : لا يكبر ، وحكاه العبدري عن المزني أيضا ، ومذهبنا استحباب تحويل الرداء في الخطبة للإمام والمأمومين كما سبق وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور وداود . وقال أبو حنيفة لا يستحب . وقال محمد بن الحسن يحول الإمام دون المأمومين وحكاه العبدري عن الطحاوي عن أبي يوسف . قال : وروي عن ابن المسيب وعروة والثوري . ومذهبنا استحباب خطبتين للاستسقاء بينهما جلسة وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد . وحكى ابن المنذر عن عبد الرحمن بن مهدي أنها خطبة واحدة . وعن أحمد أنه لا خطبة ، وإنما يدعو ويكثر الاستغفار ، ومذهبنا أنه يستحب الاستسقاء بالدعاء ، ولكن الأفضل الاستسقاء بالصلاة ، كما سبق ، وحكى ابن المنذر عن الثوري كراهة الاستسقاء بدعاء من غير صلاة . "




                                      الخدمات العلمية