الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومن سلم وعليه سهو فسبقه الحدث فهذا لا يخلو : إما إن كان منفردا أو إماما فإن كان منفردا توضأ وسجد ; لأن الحدث السابق لا يقطع التحريمة ولا يمنع بناء بعض الصلاة على البعض ; فلأن لا يمنع بناء سجدتي السهو أولى وإن كان إماما استخلف ; لأنه عجز عن سجدتي السهو ، فيقدم الخليفة ليسجد كما لو بقي عليه ركن أو التسليم ، ثم لا ينبغي أن يقدم المسبوق ولا للمسبوق أن يتقدم ; لأن غيره أقدر على إتمام صلاة الإمام ، بل يقدم رجلا أدرك أول صلاة الإمام فيسلم بهم ويسجد سجدتي السهو ، ولكن مع هذا لو قدمه أو تقدم جاز ; لأنه قادر على إتمام الصلاة في الجملة ، ولا يأتي بسجدتي السهو ; لأن أوان السجود بعد التسليم وهو عاجز عن التسليم ; لأن عليه البناء ، فلو سلم لفسدت صلاته ; لأنه سلام عمد وعليه ركن ، وحينئذ يتعذر عليه البناء فيتأخر ويقيم مدركا ليسلم بهم .

                                                                                                                                ويسجد سجدتي السهو ، ويسجد هو معهم كما لو كان الإمام هو الذي يسجد لسهوه ، ثم يقوم إلى قضاء ما سبق به وحده ، وإن لم يسجد مع خليفته سجد في آخر صلاته استحسانا على ما ذكرنا في حق الإمام الأول ، فإن لم يجد الإمام المسبوق مدركا ، وكان الكل مسبوقين ، قاموا وقضوا ما سبقوا به فرادى ; لأن تحريمة المسبوق انعقدت للأداء على الانفراد ، ثم إذا فرغوا لا يسجدون في القياس ، وفي الاستحسان يسجدون ، وقد بينا وجه القياس والاستحسان .

                                                                                                                                ولو قام المسبوق إلى قضاء ما سبق به بعد ما سلم الإمام ، ثم تذكر الإمام أن عليه سجود السهو فسجدهما - يعود إلى صلاة الإمام ولا يقتدي ولا يعتد بما قرأ وركع .

                                                                                                                                ( والجملة ) في المسبوق إذا قام إلى قضاء ما عليه فقضاه أنه لا يخلو ما قام إليه وقضاه : إما أن يكون قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد ، أو بعدما قعد قدر التشهد فإن كان ما قام إليه وقضاه قبل أن يقعد الإمام قدر التشهد لم يجزه ; لأن الإمام ما بقي عليه فرض لم ينفرد المسبوق به عنه ; لأنه التزم متابعته فيما بقي عليه من الصلاة ، وهو قد بقي عليه فرض وهو القعدة ، فلم ينفرد فبقي مقتديا ، وقراءة المقتدي خلف الإمام لا تعتبر قراءة من صلاته وإنما تعتبر من قيامه ، وقراءته ما كان بعد ذلك ، فإن كان مسبوقا بركعة أو ركعتين فوجد بعد ما قعد الإمام قدر التشهد قيام وقراءة قدر ما تجوز به الصلاة - جازت صلاته ; لأنه لما قعد الإمام قدر التشهد فقد انفرد لانقطاع التبعية بانقضاء أركان صلاة الإمام ، فقد أتى بما فرض عليه من القيام والقراءة في أوانه فكان معتدا به ، وإن لم يوجد مقدار ذلك أو وجد القيام دون القراءة - لا تجوز صلاته لانعدام ما فرض عليه في أوانه .

                                                                                                                                وإن كان مسبوقا بثلاث ركعات فإن لم يركع حتى فرغ الإمام من التشهد ، ثم ركع وقرأ في الركعتين بعد هذه الركعة - جازت صلاته ; لأن القيام فرض في كل ركعة ، وفرض القراءة في الركعتين ، ولا يعتد بقيامه ما لم يفرغ الإمام من التشهد ، فإذا فرغ الإمام من التشهد قبل أن يركع هو فقد وجد القيام وإن قل في هذه الركعة ، ووجدت القراءة في الركعتين بعد هذه الركعة ، فقد أتى بما فرض عليه - فتجوز صلاته .

                                                                                                                                وإن كان ركع قبل فراغ الإمام من التشهد أنجز صلاته ; لأنه لم يوجد قيام معتد به في هذه الركعة ; لأن ذلك هو القيام بعد تشهد الإمام ، ولم يوجد فلهذا فسدت صلاته .

                                                                                                                                وأما إذا قام المسبوق إلى قضاء ما عليه بعد فراغ الإمام من التشهد قبل السلام فقضاه - أجزأه وهو مسيء أما الجواز فلأن قيامه حصل بعد فراغ الإمام من أركان الصلاة .

                                                                                                                                وأما الإساءة فلتركه انتظار سلام الإمام ; لأن أوان قيامه للقضاء بعد خروج الإمام من الصلاة ، فينبغي أن يؤخر القيام عن السلام .

                                                                                                                                ولو قام بعدما سلم ثم تذكر الإمام سجدتي السهو فخر لهما فهذا على وجهين : أما إن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة أو لم يقيد فإن لم يقيد ركعته بالسجدة رفض ذلك ويسجد مع الإمام ; لأن ما أتى به ليس بفعل كامل ، وكان محتملا للرفض ، ويكون تركه قبل التمام منعا له عن الثبوت حقيقة ، فجعل كأن لم يوجد ، فيعود ويتابع إمامه ; لأن متابعة الإمام في الواجبات واجبة ، وبطل ما أتى به من القيام والقراءة والركوع لما بينا فإن لم يعد إلى متابعة الإمام ومضى على قضائه جازت صلاته ; لأن عود [ ص: 178 ] الإمام إلى سجود السهو لا يرفع التشهد ، والباقي على الإمام سجود السهو وهو واجب ، والمتابعة في الواجب واجبة ، فترك الواجب لا يوجب فساد الصلاة ، ألا ترى لو تركه الإمام لا تفسد صلاته ؟ فكذا المسبوق ، ويسجد سجدتي السهو بعد الفراغ من قضائه استحسانا .

                                                                                                                                وإن كان المسبوق قيد ركعته بالسجدة لا يعود إلى متابعة الإمام ; لأن الانفراد قد تم وليس على الإمام ركن ولو عاد فسدت صلاته ; لأنه اقتدى بغيره بعد وجود الانفراد ووجوبه فتفسد صلاته .

                                                                                                                                ولو ذكر الإمام سجدة تلاوة فسجدها فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام - لما مر - فيسجد معه للتلاوة ويسجد للسهو ثم يسلم الإمام ويقوم المسبوق إلى قضاء ما عليه ، ولا يعتد بما أتى به من قبل لما مر ، ولو لم يعد فسدت صلاته ; لأن عود الإمام إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة في حق الإمام ، وهو بعد لم يصر منفردا ; لأن ما أتى به دون فعل صلاة فترتفض القعدة في حقه أيضا ، فإذا ارتفضت في حقه لا يجوز له الانفراد ; لأن هذا أوان وجوب المتابعة ، والانفراد في هذه الحالة مفسد للصلاة .

                                                                                                                                وإن كان قد قيد ركعته بالسجدة فإن عاد إلى متابعة الإمام فسدت صلاته ، رواية واحدة ، وإن لم يعد ومضى عليها ففيه روايتان : ذكر في الأصل أن صلاته فاسدة ، وذكر في نوادر أبي سليمان أنه لا تفسد صلاته ، ( وجه ) رواية الأصل أن العود إلى سجدة التلاوة يرفض القعدة فتبين أن المسبوق انفرد قبل أن يقعد الإمام ، والانفراد في موضع يجب فيه الاقتداء مفسد للصلاة .

                                                                                                                                ( وجه ) نوادر أبي سليمان أن ارتفاض القعدة في حق الإمام لا يظهر في حق المسبوق ; لأن ذلك بالعود إلى التلاوة ، والعود حصل بعدما تم انفراده عن الإمام ، وخرج عن متابعته فلا يتعدى حكمه إليه ، ألا ترى أن جميع الصلاة لو ارتفضت بعد انقطاع المتابعة لا يظهر في حق المؤتم ، بأن ارتد الإمام بعد الفراغ من الصلاة - والعياذ بالله - بطلت صلاته ولا تبطل صلاة القوم ، ففي حق القعدة أولى ، ولذا لو صلى الظهر بقوم يوم الجمعة ثم راح إلى الجمعة فأدركها - ارتفض ظهره ، ولم يظهر الرفض في حق القوم ، بخلاف ما إذا لم يقيد ركعته بالسجدة ; لأن هناك الانفراد لم يتم على ما قررنا ( ونظير ) هذه المسألة : مقيم اقتدى بمسافر وقام إلى إتمام صلاته بعدما تشهد الإمام قبل أن يسلم ، ثم نوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا - فإن لم يقيد ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام ، وإن لم يعد فسدت صلاته ، وإن كان قيد ركعته بالسجدة فإن عاد فسدت صلاته ، وإن لم يعد ومضى عليها وأتم صلاته لا تفسد .

                                                                                                                                ولو ذكر الإمام أن عليه سجدة صلبية فإن كان المسبوق لم يقيد ركعته بالسجدة لا شك أنه يجب عليه العود ولو لم يعد فسدت صلاته لما مر في سجدة التلاوة ، وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد في الروايات كلها ; لأنه انتقل عن صلاة الإمام ، وعلى الإمام ركنان : السجدة ، والقعدة ، وهو عاجز عن متابعته بعد إكمال الركعة ، ولو انتقل وعليه ركن واحد وعجز عن متابعته تفسد صلاته فههنا أولى .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية