الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ( 86 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه أولئك الذين أخبر عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ، فيفادون أسراهم من اليهود ، ويكفرون ببعض ، فيقتلون من حرم الله عليهم قتله من أهل ملتهم ، ويخرجون من داره من حرم الله عليهم إخراجه من داره ، نقضا لعهد الله وميثاقه في التوراة إليهم . فأخبر جل ثناؤه أن هؤلاء [ هم ] الذين اشتروا رياسة الحياة الدنيا على الضعفاء وأهل الجهل والغباء من أهل ملتهم ، وابتاعوا المآكل الخسيسة الرديئة فيها بالإيمان ، الذي كان يكون لهم به في الآخرة - لو كانوا أتوا به مكان الكفر - الخلود في الجنان . وإنما وصفهم الله جل ثناؤه [ ص: 317 ] بأنهم اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ، لأنهم رضوا بالدنيا بكفرهم بالله فيها ، عوضا من نعيم الآخرة الذي أعده الله للمؤمنين . فجعل حظوظهم من نعيم الآخرة بكفرهم بالله ، ثمنا لما ابتاعوه به من خسيس الدنيا ، كما : -

1482 - حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) ، استحبوا قليل الدنيا على كثير الآخرة .

قال أبو جعفر : ثم أخبر الله جل ثناؤه أنهم إذ باعوا حظوظهم من نعيم الآخرة - بتركهم طاعته ، وإيثارهم الكفر به والخسيس من الدنيا عليه - لا حظ لهم في نعيم الآخرة ، وأن الذي لهم في الآخرة العذاب ، غير مخفف عنهم فيها العذاب ؛ لأن الذي يخفف عنه فيها من العذاب ، هو الذي له حظ في نعيمها ، ولا حظ لهؤلاء ، لاشترائهم - بالذي كان في الدنيا - دنياهم بآخرتهم .

وأما قوله : ( ولا هم ينصرون ) فإنه أخبر عنهم أنه لا ينصرهم في الآخرة أحد ، فيدفع عنهم بنصرته عذاب الله - لا بقوته ولا بشفاعته ولا غيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية