الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات [34. 40] كلام مستأنف جيء به في تضاعيف ما ورد من الآيات السابقة واللاحقة لبيان جلالة شؤونها المستوجبة للإقبال الكلي على العمل بمضمونها، وصدر بالقسم المعربة عنه اللام لإبراز كمال العناية بشأنه أي وبالله لقد أنزلنا إليكم في هذه السورة الكريمة آيات مبينات لكل ما لكم حاجة إلى بيانه من الحدود وسائر الأحكام والآداب وغير ذلك مما هو من مبادي بيانها على أن مبينات من بين المتعدي والمفعول محذوف وإسناد التبيين إلى الآيات مجازي أو آيات واضحات صدقتها الكتب القديمة والعقول السليمة على أنها من بين بمعنى تبين اللازم أي آيات تبين كونها آيات من الله تعالى، ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر «مبينات» على صيغة المفعول أي آيات بينها الله تعالى وجعلها واضحة الدلالة على الأحكام والحدود وغيرها، وجوز أن يكون الأصل مبينا فيها الأحكام فاتسع في الظرف بإجرائه مجرى المفعول.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 160 ] ومثلا من الذين خلوا من قبلكم عطف على آيات أي وأنزلنا مثلا كائنا من قبيل أمثال الذين مضوا من قبلكم من القصص العجيبة والأمثال المضروبة لهم في الكتب السابقة والكلمات الجارية على ألسنة الأنبياء عليهم السلام فينتظم قصة عائشة رضي الله تعالى عنها المحاكية لقصة يوسف عليه السلام وقصة مريم رضي الله تعالى عنها حيث أسند إليهما مثل ما أسند إلى عائشة من الإفك فبرأهما الله تعالى منه وسائر الأمثال الواردة في هذه السورة الكريمة انتظاما أوليا، وهذا أوفق بتعقيب الكلام بما سيأتي إن شاء الله تعالى من التمثيلات من تخصيص الآيات بالسوابق وحمل المثل على القصة العجيبة فقط وموعظة تتعظون بها وتنزجرون عما لا ينبغي من المحرمات والمكروهات وسائر ما يخل بمحاسن الآداب فهي عبارة عما سبق من الآيات والمثل لظهور كونها من المواعظ بالمعنى المذكور، ويكفي في العطف التغاير العنواني المنزل منزلة التغاير الذاتي، وقد خصت الآيات بما يبين الحدود والأحكام والموعظة بما يتعظ به كقوله تعالى ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله [النور: 2] وقوله سبحانه: لولا إذ سمعتموه [النور: 12] إلخ وغير ذلك من الآيات الواردة في شأن الآداب وقيدت الموعظة بقوله سبحانه:

                                                                                                                                                                                                                                      للمتقين مع شمولها للكل حسب شمول الإنزال حثا للمخاطبين على الاغتنام بالانتظام في سلك المتقين ببيان أنهم المغتنمون لآثارها المقتبسون من أنوارها فحسب، وقيل: المراد بالآيات المبينات والمثل والموعظة جميع ما في القرآن المجيد من الآيات والأمثال والمواعظ .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية