الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        1449 [ ص: 163 ] 21 - باب القضاء بإلحاق الولد بأبيه

                                                                                                                        1416 - مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أنها قالت : كان عتبة بن أبي وقاص ، عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص ، أن ابن وليدة زمعة مني . فاقبضه إليك ، قالت : فلما كان عام الفتح أخذه سعد ، وقال : ابن أخي ، قد كان عهد إلي فيه . [ ص: 164 ] فقام إليه عبد بن زمعة فقال : أخي ، وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه ، فتساوقا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال سعد : يا رسول الله ، ابن أخي ، قد كان عهد إلي فيه ، وقال عبد بن زمعة : أخي ، وابن وليدة أبي . ولد على فراشه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هو لك يا عبد بن زمعة ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد للفراش . وللعاهر الحجر ثم قال لسودة بنت زمعة احتجبي منه لما رأى من شبهه بعتبة بن أبي وقاص ، قالت : فما رآها حتى لقي الله عز وجل .

                                                                                                                        [ ص: 165 ]

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        [ ص: 165 ] 32251 - قال أبو عمر : لم يختلف على مالك ، ولا على ابن شهاب في هذا الحديث ، إلا أن بعض أصحاب ابن شهاب يرويه مختصرا ، لا يذكر فيه إلا قوله عليه السلام : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر بهذا الإسناد عن عروة عن عائشة .

                                                                                                                        32252 - وعند ابن شهاب أيضا ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قوله : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر دون قصة عبد بن زمعة ، وسعد .

                                                                                                                        [ ص: 166 ] 32253 - وكذلك رواه محمد بن زياد عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        32254 - وروي ذلك أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        32255 - وقد ذكرنا ذلك كله في التمهيد .

                                                                                                                        32256 - وهو أثبت ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الآحاد العدول وأصحها ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، وهو ما تلقته الأمة بالقبول ، ولم يختلفوا إلا في شيء من معناه ، نذكره في آخر هذا الباب إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        [ ص: 167 ] 32257 - وأما قصة عبد بن زمعة ، وسعد بن أبي وقاص ، فقد أشكل معناها على أكثر الفقهاء ، وتأولوا فيها تأويلات ، فخرج جوابها عن الأصول المجتمع عليها .

                                                                                                                        32258 - فمن ذلك أن الأمة مجتمعة على أن أحدا لا يدعي عن أحد دعوى إلا بتوكيل من المدعي ، ولم يذكر في هذا الحديث توكيل عتبة لأخيه سعد على ما ادعاه عنه ، بأكثر من دعوى سعد لذلك ، وهو غير مقبول عند الجميع .

                                                                                                                        32259 - وأما دعوى عتبة للولد من الزنا ، فإنما ذكره سعد ; لأنه كان في علمهم في الجاهلية ، وحكمهم دعوى الولد من الزنا ، فتكلم سعد بذلك ; لأنهم كانوا على جاهليتهم حتى يؤمروا ، أو ينهوا ، ويبين بهم حكم الله فيما تنازعوا فيه ، وفيما يراد منه التعبد به ، فكانت دعوى سعد سبب البيان من الله - عز وجل - على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - في أن العاهر لا يلحق به في الإسلام ولد يدعيه من الزنا ، وأن الولد للفراش على كل حال .

                                                                                                                        [ ص: 168 ] 32260 - والفراش النكاح ، أو ملك اليمين ، لا غير ، فإن لم يكن فراش ، وادعى أحد ولدا من زنى ، فقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يليط أولاد الجاهلية بما استلاطهم ، ويلحقهم بمن استلحقهم إذا لم يكن هناك فراش ; لأن أكثر أهل الجاهلية كانوا كذلك .

                                                                                                                        32261 - وأما اليوم في الإسلام بعد أن أحكم الله شريعته ، وأكمل دينه ، فلا يلحق ولد من زنى بمدعيه أبدا عند أحد من العلماء ، كان هناك فراش ، أو لم يكن .

                                                                                                                        32262 - حدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثنا الخشني ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا حسين المعلم ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : لما فتحت مكة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام رجل فقال : إن فلانا ابني ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش ، وللعاهر الأثلب قالوا : وما الأثلب ؟ قال : الحجر .

                                                                                                                        32263 - قال أبو عمر : أجمع العلماء - لا خلاف بينهم فيما علمته - أنه لا يلحق بأحد ولد يستلحقه إلا من نكاح أو ملك يمين ، فإذا كان نكاح ، أو ملك فالولد لاحق بصاحب الفراش على كل حال .

                                                                                                                        32264 - والفراش في الحرة عقد النكاح عليها مع إمكان الوطء عند الأكثر .

                                                                                                                        [ ص: 169 ] 32265 - والفراش في الأمة عند الحجازيين إقرار سيدها بأنه كان يلم بها ، وعند الكوفيين إقراره بالولد ، وسنبين ذلك في موضعه - إن شاء الله - عز وجل ، فلا ينتفي ولد الحرة إذ جاءت به لستة أشهر من يوم عقد النكاح إلا بلعان ، وحكم اللعان في ذلك ما قد ذكرناه ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        32266 - وهذه الجملة كلها من حكم الله ورسوله مما نقلته الكافة ، ولم يختلفوا فيه إلا فيما وصفت .

                                                                                                                        32267 - ومن ذلك أيضا مما هو خلاف الأصول المجتمع عليها - ادعاء عبد بن زمعة على أبيه ولدا بقوله : أخي ، وابن وليدة أبي ، ولد على فراشه ، ولم يأت ببينة ، تشهد على أبيه بإقراره بذلك ، وفي الأصول المجتمع عليها أنه لا تقبل دعواه على أبيه ، ولا دعوى أحد على غيره ، قال الله عز وجل : ولا تكسب كل نفس إلا عليها [ الأنعام : 164 ] .

                                                                                                                        32268 - وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : يا عبد بن زمعة فقد اختلف العلماء في معناه على ما نورده بعون الله تعالى .

                                                                                                                        32269 - فقالت طائفة منهم : إنما قال له : هو لك ، أي هو أخوك ، كما ادعيت ، قضى في ذلك بعلمه ; لأن زمعة بن قيس كان صهره ، وسودة بنت زمعة كانت زوجته - صلى الله عليه وسلم - ، فيمكن أن يكون علم أن تلك الأمة كان يمسها زمعة سيدها ، فصارت فراشا له بذلك ، فألحق ولدها به ; لما قد علمه من فراش زمعة ، إلا أنه قضى به ; لاستلحاق عبد بن زمعة له .

                                                                                                                        32270 - وقد مضى ما للعلماء في قضاء القاضي بعلمه في صدر هذا الكتاب .

                                                                                                                        [ ص: 170 ] 32271 - ومن قال بهذا لم يجز عنده أن يستلحق الأخ بحال من الأحوال .

                                                                                                                        32272 - وكان مالك يقول : لا يستلحق أحد غير الأب ، ولا يقضي القاضي بعلمه .

                                                                                                                        32273 - والكوفيون يقولون : يقضي القاضي بعلمه على اختلافهم فيما علمه قبل ولاية القضاء ، وبعد ذلك .

                                                                                                                        32274 - وكلهم يقول : لا يستلحق الأخ بحال .

                                                                                                                        32275 - وهو أحد قولي الشافعي ، وإليه ذهب المزني ، والبويطي ، وهو قول جمهور الفقهاء ، أن الأخ لا يستلحق ، وحده كان أو مع أخ يخالفه .

                                                                                                                        32276 - وللشافعي قول آخر : أنه يقبل إقرار الوارث على الموروث بالنسب ، كما يقبل إقراره عليه بالدين إذا لم يكن له وارث غير المقر ، وهو قول إبراهيم النخعي .

                                                                                                                        32277 - وروى الربيع عنه في كتاب البويطي ، قال : يجوز إقرار الأخ بأخيه إذا كان ثم من يدفعه من الورثة ، ولا يلحق نسبه ، وإن لم يكن ثم من يدفعه لحق نسبه ، واحتج بحديث عبد بن زمعة .

                                                                                                                        32278 - قال الربيع : قال أبو يعقوب البويطي : لا يجوز ذلك عندي ، كان [ ص: 171 ] من يدفعه ثم أو لم يكن ; لأنه إنما يجوز إقرار الإنسان على نفسه ، وهذا يقر على غيره ، وإنما ألحق النبي - عليه السلام - ابن وليدة زمعة بأبيه ; لمعرفته بفراشه ، والله أعلم .

                                                                                                                        32279 - قال أبو عمر : المشهور من مذهب الشافعي أن الأخ لا يستلحق ولا يثبت بقوله نسب ، ولا يلزم المقر بأخ أن يعطيه شيئا من الميراث من جهة القضاء ; لأنه أقر له بما لم يثبت له أصله .

                                                                                                                        32280 - وسنذكر أصل هذه المسألة في الباب بعد هذا - إن شاء الله عز وجل .

                                                                                                                        32281 - وقد قال الشافعي في غير موضع من كتابه : لو قبل استلحاق غير الأب كان فيه حقوق على الأب بغير إقراره ، ولا ببينة تشهد عليه .

                                                                                                                        32282 - وقال محمد بن جرير الطبري : معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : هو لك يا عبد بن زمعة ، أي هو عبد ملكا ; لأنه ابن وليدة أبيك ، وكل أمة تلد من غير سيدها ، فولدها عبد ، يريد أنه لما لم ينقل في الحديث اعتراف سيدها بوطئها ، ولا شهد بذلك عليه ، وكانت الأصول تدفع قبول ابنه عليه ; لم يبق إلا القضاء بأنه عبد تبع لأمه ، وأمر سودة بالاحتجاب منه ; لأنها لم تملك منه إلا شقصا .

                                                                                                                        32283 - وهذا أيضا من الطبري خلاف ظاهر الحديث ; لأن فيه أخي وابن [ ص: 172 ] وليدة أبي ، ولد على فراشه ، فلم ينكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك من قوله ، ولكنه قول خارج محتمل على الأصول .

                                                                                                                        32284 - وقال الطحاوي : وأما قوله : هو لك يا عبد بن زمعة فمعناه هو لك بيدك عليه ، لا أنك تملكه ، ولكن تمنع بيدك عليه كل من سواك منه ، كما قال في اللقطة : هي لك بيدك عليها ، تدفع غيرك عنها حتى يجيء صاحبها ، ليس على أنها ملك له ، قال : ولا يجوز أن يجعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابنا لزمعة ، ثم يأمر أخته أن تحتجب منه ، هذا محال ، لا يجوز أن يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                        32285 - قال : وليس قول من قال : إن ادعاء سعد في هذا الحديث كلا دعوى بشيء ; لأن سعدا إنما ادعى شيئا كان معروفا في الجاهلية من لحوق ولد الزنا بمن ادعاه .

                                                                                                                        32286 - قال وقد كان عمر يقضي بذلك في الإسلام - إذا لم يكن فراش - فادعى سعد وصية أخيه بما كان يحكم في الجاهلية به ، فكانت دعواه لأخيه كدعوى أخيه لنفسه ، غير أن عبد بن زمعة قابله بدعوى توجب عتقا للمدعي على المدعى عليه ; لأن مدعيه كان يملك بعضه حين ادعى فيه ما ادعى ، ويعتق عليه ما كان [ ص: 173 ] يملك منه ، فكان ذلك هو الذي أبطل دعوى سعد ، ولما كان لعبد بن زمعة شريك فيما ادعاه ، وهي أخته سودة ، ولم يعلم منها في ذلك التصديق لمقالته ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد بن زمعة ما أقر به في نفسه ، ولم يجعل ذلك حجة على أخته إذ لم تصدقه ، ولم تجعله أخاها ، وأمرها بالحجاب منه .

                                                                                                                        32287 - قال أبو عمر : قول الطحاوي حسن كله إلا قوله ; فكانت دعوى سعد لأخيه كدعوى أخيه لنفسه ، هذا ليس بشيء ; لأنه لم يظهر في ذلك ما يصدق دعواه على أخيه ، ولم ينقل في الحديث ما يدل عليه .

                                                                                                                        32288 - وقال المزني : فيحتمل تأويل هذا الحديث عندي - والله أعلم - أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب فيه على المسألة ، فأعلمهم بالحكم أنه هكذا يكون إذا ادعى صاحب فراش وصاحب زنى إلا أنه قبل على عتبة قول أخيه سعد ، ولا على قول زمعة قول ابنه عبد بن زمعة ، إن أباه أولدها الولد ; لأن كل واحد منهما أخبر عن غيره .

                                                                                                                        32289 - وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره ، وفي ذلك عندي دليل على أنه حكم خرج على المسألة ليعرفهم كيف الحكم في مثلها إذا نزل ، ولذلك قال لسودة : احتجبي منه ; لأنه حكم على المسألة .

                                                                                                                        32290 - وقد حكى الله - عز وجل - في كتابه العزيز مثل ذلك في قصة داود : دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض [ ص : 22 ] ولم يكونا خصمين ، ولا كان لكل واحد منهما تسع وتسعون نعجة ، [ ص: 174 ] ولكنهم كلموه على المسألة ; ليعرف بها ما أرادوا ، فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم في هذه القصة على المسألة ، وإن لم يكن أحد يؤنسني على هذا التأويل ، وكان عندي ، فهو صحيح ، والله أعلم .

                                                                                                                        32291 - قال المزني : لم تصح دعوى سعد على أخيه ، ولا دعوة عبد بن زمعة على أبيه ، ولا أقرت سودة أنه ابن أبيها ، فيكون أخاها منعه من رؤيتها ، وأمرها بالاحتجاب منه ، ولو ثبت أنه أخوها ما أمرها أن تحتجب منه ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث بصلة الأرحام ، وقد قال لعائشة في عمها من الرضاعة : إنه عمك ، فليلج عليك .

                                                                                                                        32292 - ويستحيل أن يأمر زوجته أن لا تحتجب من عمها من الرضاعة ، ويأمر زوجة له أخرى أن تحتجب من أخيها لأبيها .

                                                                                                                        32293 - قال : ويحتمل أن تكون سودة جهلت ما علمه أخوها عبد بن زمعة فسكتت .

                                                                                                                        32294 - قال المزني : فلما لم يصح أنه أخ لعدم البينة بذلك ، أو الإقرار ممن يلزمه إقراره زاده بعدا في القلوب شبهه بعتبة ، أمرها بالاحتجاب منه ، فكان جوابه - صلى الله عليه وسلم - على السؤال ، لا عن تحقيق زنى عتبة بقول أخيه ، ولا بالولد ، إنه لزمعة بقول أبيه ، بل قال : الولد للفراش على قولك يا عبد بن زمعة ، لا على ما قال سعد ثم [ ص: 175 ] أخبرنا بالذي يكون إذا ثبت مثل هذا .

                                                                                                                        32295 - قال أبو عمر : قول المزني هذا أصح في النظر ، وأثبت في حكم الأصول من قول سائر أصحاب الشافعي القائلين إنه يجوز للرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها .

                                                                                                                        32296 - وذهبوا إلى أنه أخوها على كل حال ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بالولد للفراش ، وألحق ابن أمة زمعة بفراش زمعة ، قالوا : وما حكم به ، فهو الحق لا شك فيه .

                                                                                                                        32297 - وكذلك قوله : احتجبي منه حكم آخر يجوز به أن يمنع الرجل زوجته من رؤية أخيها .

                                                                                                                        32298 - وقال الكوفيون : في قوله : احتجبي منه يا سودة دليل على أنه جعل للزنا حكما ، فحرم به رؤية ذلك المستلحق لأخته سودة ، وقال لها : احتجبي منه ; لما رأى من شبهه بعتبة ، فمنعها من أخيها في الحكم ; لأنه ليس بأخيها في غير الحكم ; لأنه من زنى في الباطن إذ كان شبيها بعتبة ، فجعلوه كأنه أجنبي لا يراها بحكم الزنا ، وجعلوه أخاها بالفراش ، وزعموا أن ما حرمه الحلال فالزنا أشد تحريما له .

                                                                                                                        32299 - قال أبو عمر : قول من قال جعله أخاها في الحكم ، ولم يجعله أخاها في غير الحكم قول فاسد ، لا يعقل ، وتخليط لا يصلح ، ولا يعقل ولا [ ص: 176 ] يفهم ، ولا يصح عنده أدنى تأمل ; لأن المراد المبتغى هو حكم الله عز وجل على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيما حكم به فهو الحق ، وخلافه باطل ، ولا يجوز أن يضاف إليه أنه حكم بشيء وضده في أمر واحد ، فيجعله أخاها من وجه ، وغير أخيها من وجه .

                                                                                                                        32300 - هذا لا يعقل ، ولا تحل إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكيف يحكم لشبهه عتبة بحكم باطل وسنته في الملاعنة أنها جاءت بالولد على النعت الذي رميت به ، ولم يلتفت إلى ذلك ، وأمضى حكم الله فيه .

                                                                                                                        32301 - وقد حكى المزني ، عن الشافعي أن رؤية ابن زمعة لسودة مباح في الحكم ، ولكنه كرهه للشبهة ، وأمرها بالتنزه عنه ، اختيارا .

                                                                                                                        32302 - وهذا أيضا وجه محتمل ، وما قدمناه أصح ; لأن سودة لم تعرفه ، ولم تقل إنه أخوها ، ولم يلزمها إقرار أخيها .

                                                                                                                        32303 - وقد مضى في ذلك ما فيه كفاية وبيان ، والحمد لله كثيرا .

                                                                                                                        32304 - حدثني عبد الوارث ، قال : حدثني قاسم ، قال : حدثني الخشني ، قال : حدثني ابن أبي عمر ، قال : حدثنا سفيان ، عن يعقوب بن عطاء ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : من زنا بامرأة حرة ، أو بأمة قوم ، فالولد ولد الزنا ، لا يرث ، ولا يورث ، الولد للفراش ، وللعاهر الحجر .

                                                                                                                        [ ص: 177 ] 32305 - قال سفيان : قال ابن أبي نجيح : قال : أول حكم بدل في الإسلام استلحاق معاوية زيادا .

                                                                                                                        32306 - وروى شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيب ، قال : أول قضاء علمته من قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رد دعوة زياد .

                                                                                                                        32307 - قال أبو عمر : يعني - والله أعلم - قوله : والولد للفراش ، وللعاهر الحجر وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - إيجاب الرجم على الزاني إذا كان محصنا دون البكر .

                                                                                                                        32308 - وهذا إجماع من المسلمين أن البكر لا رجم عليه في ذلك .

                                                                                                                        32309 - وقد قيل إن قوله عليه السلام : والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، أي أن الزاني لا شيء له في الولد إذا ادعاه على حال من الأحوال ، كقولهم : بفيك الحجر ، أي لا شيء لك مما قلت ، والله أعلم .




                                                                                                                        الخدمات العلمية