الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 28 ] فصل فى سبب تصنيفه وكيفية تأليفه

                                                                                                                                                                                                                              قال إبراهيم بن معقل النسفي : قال لنا أبو عبد الله البخاري: كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لنا بعض أصحابنا: لو جمعتم كتابا مختصرا في الصحيح لسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع هذا الكتاب.

                                                                                                                                                                                                                              وروي من جهات عنه قال: صنفت كتاب الصحيح لست عشرة سنة، خرجته من ستمائة ألف حديث، وجعلته حجة بيني وبين الله، عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 29 ] وعنه أنه قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام كأني واقف بين يديه، وبيدي مروحة أذب عنه، فسألت بعض المعبرين فقال: أنت تذب الكذب; فهو الذي حملني على إخراج "الصحيح".

                                                                                                                                                                                                                              وعنه قال: ما أدخلت في كتاب "الجامع" إلا ما صح، وتركت من الصحاح لحال الطول. وفي رواية عنه حكاها الحازمي في "شروط الأئمة الخمسة": لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحا، وما تركته من الصحاح أكثر، وهي بمعناها.

                                                                                                                                                                                                                              وقال الفربري: قال لي البخاري: ما وضعت في كتاب "الصحيح" حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد القدوس بن همام: سمعت عدة من المشايخ يقولون: حول البخاري تراجم جامعه بين قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنبره، وكان يصلي [ ص: 30 ] لكل ترجمة ركعتين.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو زيد المروزي: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، فقال لي: "إلى متى تدرس الفقه، ولا تدرس كتابي؟ ". قلت: وما كتابك يا رسول الله؟ قال: "جامع محمد بن إسماعيل البخاري"، أو كما قال.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "تاريخ نيسابور" للحاكم، عن أبي عمرو إسماعيل، ثنا أبو عبد الله محمد بن علي قال: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أقمت بالبصرة خمس سنين معي كتبي أصنف وأحج في كل سنة، وأرجع من مكة إلى البصرة. قال: وأنا أرجو أن الله تعالى يبارك للمسلمين في هذه المصنفات. قال أبو عمرو: قال أبو عبد الله: فلقد بارك الله فيها.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 31 ] وقال (ابن طاهر) : صنف صحيحه ببخارى. وقيل: بمكة. وقال ابن بجير : سمعت البخاري يقول: صنفته في المسجد الحرام، وما أدخلت فيه حديثا إلا بعد ما استخرت الله تعالى وصليت ركعتين، وتيقنت صحته.

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن طاهر: والقول الأول عندي أصح.

                                                                                                                                                                                                                              وجمع النووي بين ذلك بأنه كان يصنف فيه بمكة، والمدينة، والبصرة، وبخارى، فإنه مكث في تصنيفه ست عشرة سنة كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 32 ] وبعث الأمير خالد بن أحمد الذهلي والي بخارى إليه: أن (احمل) إلي كتاب "الجامع"، و"التاريخ"، وغيرهما; لأسمع منك.

                                                                                                                                                                                                                              فبعث إليه: أنا لا أذل العلم، ولا أحمله إلى أبواب الناس، فإن كان لك إلى شيء منه حاجة فاحضرني في مسجدي أو في داري.

                                                                                                                                                                                                                              ويروى أنه بعث إليه أن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية