الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 87 ] فصل في معرفة الاعتبار، والمتابعة، والشاهد

                                                                                                                                                                                                                              وقد أكثر البخاري من ذكر المتابعة، فإذا روى حماد مثلا حديثا عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نظرنا هل تابعه ثقة فرواه عن أيوب؟ فإن لم نجد فثقة غير أيوب عن ابن سيرين، وإلا فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة، وإلا فصحابي غير أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -; فأي ذلك وجد علم أن له أصلا يرجع إليه وإلا فلا، فهذا النظر هو الاعتبار.

                                                                                                                                                                                                                              وأما المتابعة: فأن يرويه عن أيوب غير حماد، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير أبي هريرة. فكل نوع من هذه يسمى متابعة. وأفضلها الأولى، وهي: متابعة حماد في الرواية عن أيوب، ثم ما بعده على الترتيب، وسببه أنها تقويه، والمتأخر إلى التقوية أحوج.

                                                                                                                                                                                                                              وأما الشاهد: فأن يروى حديث آخر بمعناه. وتسمى المتابعة شاهدا، ولا ينعكس، فإذا قالوا في مثل هذا: تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد، كان مشعرا بانتفاء وجوه المتابعات كلها فيه. ثم إنه يدخل في المتابعة والاستشهاد رواية بعض الضعفاء. وفي "الصحيح" جماعة منهم ذكروا في المتابعات والشواهد، ولا يصلح [ ص: 88 ] لذلك كل ضعيف. ولهذا يقول الدارقطني وغيره: فلان يعتبر به وفلان لا يعتبر به.

                                                                                                                                                                                                                              ولنذكر مثالا للمتابع والشاهد ليتضح لك ذلك: فحديث سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به" ورواه ابن جريج عن عمرو عن عطاء بدون الدباغ. تابع عمرا أسامة بن زيد فرواه عن عطاء عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألا نزعتم جلدها فدبغتموه فانتفعتم به" وشاهده حديث عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس رفعه: "أيما إهاب دبغ فقد طهر".

                                                                                                                                                                                                                              ثم اعلم أن البخاري -رحمه الله- قد يأتي بالمتابعة ظاهرا، كقوله في مثل هذا: تابعه مالك عن أيوب. أي: تابع مالك حمادا فرواه عن أيوب كرواية حماد، فالضمير في (تابعه) يعود إلى حماد، وتارة يقول: تابعه مالك ولا يزيد، فنحتاج إذا إلى معرفة طبقات الرواة ومراتبهم، فتنبه لذلك.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية