الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        99 - الحديث الثاني : عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين ، يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية ، ويسمع الآية أحيانا وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين يطول في الأولى ، ويقصر في الثانية وفي الركعتين الأخريين بأم الكتاب . وكان يطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ، ويقصر في الثانية } .

                                        التالي السابق


                                        الأوليان " تثنية الأولى ، وكذلك " الأخريان " وأما ما يسمع على الألسنة من " الأولة " وتثنيتها بالأولتين فمرجوح في اللغة . ويتعلق بالحديث أمور :

                                        أحدها : يدل على قراءة السورة في الجملة مع الفاتحة . وهو متفق عليه والعمل متصل به من الأمة . وإنما اختلفوا في وجوب ذلك ، أو عدم وجوبه . وليس في مجرد الفعل - كما قلنا - ما يدل على الوجوب ، إلا أن يتبين أنه وقع بيانا لمجمل واجب ، ولم يرد دليل راجح على إسقاط الوجوب . وقد ادعي في كثير من الأفعال التي قصد إثبات وجوبها : أنها بيان لمجمل . وقد تقدم لنا في هذا بحث . وهذا الموضع مما يحتاج من سلك تلك الطريقة إلى إخراجه عن كونه بيانا ، أو إلى أن يفرق بينه وبين ما ادعي فيه كونه بيانا من الأفعال . فإنه ليس معه في تلك المواضع إلا مجرد الفعل ، وهو موجود ههنا .



                                        الثاني : اختلف العلماء في استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخريين [ ص: 268 ] وللشافعي قولان . وقد يستدل بهذا الحديث على اختصاص القراءة بالأوليين فإنه ظاهر الحديث ، حيث فرق بين الأوليين والأخريين فيما ذكره من قراءة السورة وعدم قراءتها ، وقد يحتمل غير ذلك ، لاحتمال اللفظ لأن يكون أراد تخصيص الأوليين بالقراءة الموصوفة بهذه الصفة ، أعني التطويل في الأولى والتقصير في الثانية .



                                        الثالث : يدل على أن الجهر بالشيء اليسير من الآيات في الصلاة السرية جائز مغتفر لا يوجب سهوا يقتضي السجود .



                                        الرابع : يدل على استحباب تطويل الركعة الأولى بالنسبة إلى الثانية ، فيما ذكر فيه . وأما تطويل القراءة في الأولى بالنسبة إلى القراءة في الثانية : ففيه نظر . وسؤال على من رأى ذلك ، لكن اللفظ إنما دل على تطويل الركعة ، وهو متردد بين تطويلها بمحض القراءة ، وبمجموع ، منه القراءة . فمن لم ير أن يكون مع القراءة غيرها ، وحكم باستحباب تطويل الأولى ، مستدلا بهذا الحديث : لم يتم له إلا بدليل من خارج ، على أنه لم يكن مع القراءة غيرها . ويمكن أن يجاب عنه بأن المذكور هو القراءة . والظاهر : أن التطويل والتقصير راجعان إلى ما ذكر قبلهما وهو القراءة .



                                        الخامس : فيه دليل على جواز الاكتفاء بظاهر الحال في الأخبار ، دون التوقف على اليقين . لأن الطريق إلى العلم بقراءة السورة في السرية لا يكون إلا بسماع كلها . وإنما يفيد اليقين ذلك لو كان في الجهرية . وكأنه أخذ من سماع بعضها ، مع قيام القرينة على قراءة باقيها . فإن قلت : قد يكون أخذ ذلك بإخبار الرسول صلى الله عليه وسلم . قلت : لفظة " كان " ظاهرة في الدوام والأكثرية ، ومن ادعى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخبرهم عقيب الصلاة دائما ، أو أكثريا بقراءة السورتين . فقد أبعد جدا . .




                                        الخدمات العلمية