فصل
nindex.php?page=treesubj&link=19606وأصل الشكر في وضع اللسان : ظهور أثر الغذاء في أبدان الحيوان ظهورا بينا . يقال : شكرت الدابة تشكر شكرا على وزن سمنت تسمن سمنا : إذا ظهر عليها أثر العلف ، ودابة شكور : إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وتعطى من العلف .
وفي صحيح
مسلم حتى إن الدواب لتشكر من لحومهم أي لتسمن من كثرة ما تأكل منها .
وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=19606_32490حقيقته في العبودية . وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده : ثناء واعترافا . وعلى قلبه : شهودا ومحبة . وعلى جوارحه : انقيادا وطاعة .
nindex.php?page=treesubj&link=19606_29485_19611_19612_32490والشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور . وحبه له . واعترافه بنعمته . وثناؤه عليه بها . وأن لا يستعملها فيما يكره .
فهذه الخمس : هي أساس الشكر . وبناؤه عليها . فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة .
وكل من تكلم في الشكر وحده ، فكلامه إليها يرجع . وعليها يدور .
فقيل : حده الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع .
وقيل : الثناء على المحسن بذكر إحسانه .
[ ص: 135 ] وقيل : هو عكوف القلب على محبة النعم ، والجوارح على طاعته ، وجريان اللسان بذكره ، والثناء عليه .
وقيل : هو مشاهدة المنة . وحفظ الحرمة .
وما ألطف ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15756حمدون القصار : شكر النعمة أن ترى نفسك فيها طفيليا .
وقال
أبو عثمان : الشكر معرفة العجز عن الشكر .
وقيل : الشكر إضافة النعم إلى موليها بنعت الاستكانة له .
وقال
الجنيد : الشكر أن لا ترى نفسك أهلا للنعمة .
هذا معنى قول
حمدون أن يرى نفسه فيها طفيليا .
وقال
رويم : الشكر استفراغ الطاقة .
وقال
الشبلي : الشكر رؤية المنعم لا رؤية النعمة .
قلت : يحتمل كلامه أمرين .
أحدهما : أن يفنى برؤية المنعم عن رؤية نعمه .
والثاني : أن لا تحجبه رؤية نعمه ومشاهدتها عن رؤية المنعم بها . وهذا أكمل . والأول أقوى عندهم .
والكمال : أن تشهد النعمة والمنعم . لأن شكره بحسب شهود النعمة . فكلما كان أتم كان الشكر أكمل . والله يحب من عبده : أن يشهد نعمه ، ويعترف له بها . ويثني عليه بها . ويحبه عليها . لا أن يفنى عنها . ويغيب عن شهودها .
وقيل : الشكر قيد النعم الموجودة ، وصيد النعم المفقودة .
nindex.php?page=treesubj&link=19619وشكر العامة : على المطعم والمشرب والملبس ، وقوت الأبدان .
nindex.php?page=treesubj&link=19618وشكر الخاصة : على التوحيد والإيمان وقوت القلوب .
وقال
داود عليه السلام : يا رب ، كيف أشكرك ؟ وشكري لك نعمة علي من عندك تستوجب بها شكرا . فقال : الآن شكرتني يا
داود .
[ ص: 236 ] وفي أثر آخر إسرائيلي : أن
موسى صلى الله عليه وسلم قال يا رب ، خلقت
آدم بيدك . ونفخت فيه من روحك . وأسجدت له ملائكتك . وعلمته أسماء كل شيء . وفعلت وفعلت . فكيف شكرك ؟ قال الله عز وجل : علم أن ذلك مني . فكانت معرفته بذلك شكرا لي .
وقيل : الشكر التلذذ بثنائه ، على ما لم تستوجب من عطائه .
وقال
الجنيد - وقد سأله سري عن الشكر ، وهو صبي - الشكر : أن لا يستعان بشيء من نعم الله على معاصيه . فقال : من أين لك هذا ؟ قال : من مجالستك .
وقيل : من قصرت يداه عن المكافآت فليطل لسانه بالشكر .
والشكر معه المزيد أبدا . لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لئن شكرتم لأزيدنكم فمتى لم تر حالك في مزيد . فاستقبل الشكر .
وفي أثر إلهي : يقول الله عز وجل
أهل ذكري أهل مجالستي ، وأهل شكري أهل زيادتي ، وأهل طاعتي أهل كرامتي ، وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي . إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم . أبتليهم بالمصائب ، لأطهرهم من المعايب .
وقيل : من كتم النعمة فقد كفرها . ومن أظهرها ونشرها فقد شكرها .
وهذا مأخوذ من قوله : صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=980447إن الله إذا أنعم على عبد بنعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده .
وفي هذا قيل :
ومن الرزية أن شكري صامت عما فعلت وأن برك ناطق وأرى الصنيعة منك ثم أسرها
إني إذا لندى الكريم لسارق
فَصْلٍ
nindex.php?page=treesubj&link=19606وَأَصْلُ الشُّكْرِ فِي وَضْعِ اللِّسَانِ : ظُهُورُ أَثَرِ الْغِذَاءِ فِي أَبْدَانِ الْحَيَوَانِ ظُهُورًا بَيِّنًا . يُقَالُ : شَكِرَتِ الدَّابَّةُ تَشْكَرُ شَكَرًا عَلَى وَزْنِ سَمِنَتْ تَسْمَنُ سِمَنًا : إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْعَلَفِ ، وَدَابَّةٌ شَكُورٌ : إِذَا ظَهَرَ عَلَيْهَا مِنَ السِّمَنِ فَوْقَ مَا تَأْكُلُ وَتُعْطَى مِنَ الْعَلَفِ .
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ حَتَّى إِنَّ الدَّوَابَّ لَتَشْكَرُ مِنْ لُحُومِهِمْ أَيْ لَتَسَمَنُ مِنْ كَثْرَةِ مَا تَأْكُلُ مِنْهَا .
وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=19606_32490حَقِيقَتُهُ فِي الْعُبُودِيَّةِ . وَهُوَ ظُهُورُ أَثَرِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ عَبْدِهِ : ثَنَاءً وَاعْتِرَافًا . وَعَلَى قَلْبِهِ : شُهُودًا وَمَحَبَّةً . وَعَلَى جَوَارِحِهِ : انْقِيَادًا وَطَاعَةً .
nindex.php?page=treesubj&link=19606_29485_19611_19612_32490وَالشُّكْرُ مَبْنِيٌ عَلَى خَمْسِ قَوَاعِدَ : خُضُوعُ الشَّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ . وَحُبُّهُ لَهُ . وَاعْتِرَافُهُ بِنِعْمَتِهِ . وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ بِهَا . وَأَنْ لَا يَسْتَعْمِلَهَا فِيمَا يَكْرَهُ .
فَهَذِهِ الْخَمْسُ : هِيَ أَسَاسُ الشُّكْرِ . وَبِنَاؤُهُ عَلَيْهَا . فَمَتَى عُدِمَ مِنْهَا وَاحِدَةً : اخْتَلَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشُّكْرِ قَاعِدَةٌ .
وَكُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الشُّكْرِ وَحْدَهُ ، فَكَلَامُهُ إِلَيْهَا يَرْجِعُ . وَعَلَيْهَا يَدُورُ .
فَقِيلَ : حَدُّهُ الِاعْتِرَافُ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ عَلَى وَجْهِ الْخُضُوعِ .
وَقِيلَ : الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِذِكْرِ إِحْسَانِهِ .
[ ص: 135 ] وَقِيلَ : هُوَ عُكُوفُ الْقَلْبِ عَلَى مَحَبَّةِ النِّعَمِ ، وَالْجَوَارِحِ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَجَرَيَانُ اللِّسَانِ بِذِكْرِهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ .
وَقِيلَ : هُوَ مُشَاهَدَةُ الْمِنَّةِ . وَحِفْظُ الْحُرْمَةِ .
وَمَا أَلْطَفَ مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15756حَمْدُونُ الْقَصَّارُ : شُكْرُ النِّعْمَةِ أَنْ تَرَى نَفْسَكَ فِيهَا طُفَيْلِيًّا .
وَقَالَ
أَبُو عُثْمَانَ : الشُّكْرُ مَعْرِفَةُ الْعَجْزِ عَنِ الشُّكْرِ .
وَقِيلَ : الشُّكْرُ إِضَافَةُ النِّعَمِ إِلَى مُولِيهَا بِنَعْتِ الِاسْتِكَانَةِ لَهُ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ : الشُّكْرُ أَنْ لَا تَرَى نَفْسَكَ أَهْلًا لِلنِّعْمَةِ .
هَذَا مَعْنَى قَوْلِ
حَمْدُونَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فِيهَا طُفَيْلِيًّا .
وَقَالَ
رُوَيْمٌ : الشُّكْرُ اسْتِفْرَاغُ الطَّاقَةِ .
وَقَالَ
الشِّبْلِيُّ : الشُّكْرُ رُؤْيَةُ الْمُنْعِمِ لَا رُؤْيَةُ النِّعْمَةِ .
قُلْتُ : يَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَمْرَيْنِ .
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَفْنَى بِرُؤْيَةِ الْمُنْعِمِ عَنْ رُؤْيَةِ نِعَمِهِ .
وَالثَّانِي : أَنْ لَا تَحْجُبَهُ رُؤْيَةُ نِعَمِهِ وَمُشَاهَدَتُهَا عَنْ رُؤْيَةِ الْمُنْعِمِ بِهَا . وَهَذَا أَكْمَلُ . وَالْأَوَّلُ أَقْوَى عِنْدَهُمْ .
وَالْكَمَالُ : أَنْ تَشْهَدَ النِّعْمَةَ وَالْمُنْعِمَ . لِأَنَّ شُكْرَهُ بِحَسَبِ شُهُودِ النِّعْمَةِ . فَكُلَّمَا كَانَ أَتَمَّ كَانَ الشُّكْرُ أَكْمَلَ . وَاللَّهُ يُحِبُّ مِنْ عَبْدِهِ : أَنْ يَشْهَدَ نِعَمَهُ ، وَيَعْتَرِفَ لَهُ بِهَا . وَيُثْنِيَ عَلَيْهِ بِهَا . وَيُحِبُّهُ عَلَيْهَا . لَا أَنْ يَفْنَى عَنْهَا . وَيَغِيبَ عَنْ شُهُودِهَا .
وَقِيلَ : الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ الْمَوْجُودَةِ ، وَصَيْدُ النِّعَمِ الْمَفْقُودَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19619وَشُكْرُ الْعَامَّةِ : عَلَى الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالْمَلْبَسِ ، وَقُوتِ الْأَبْدَانِ .
nindex.php?page=treesubj&link=19618وَشُكْرُ الْخَاصَّةِ : عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ وَقُوتِ الْقُلُوبِ .
وَقَالَ
دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَشْكُرُكَ ؟ وَشُكْرِي لَكَ نِعْمَةٌ عَلَيَّ مِنْ عِنْدِكَ تَسْتَوْجِبُ بِهَا شُكْرًا . فَقَالَ : الْآنَ شَكَرْتَنِي يَا
دَاوُدُ .
[ ص: 236 ] وَفِي أَثَرٍ آخَرَ إِسْرَائِيلِيٍّ : أَنَّ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا رَبِّ ، خَلَقْتَ
آدَمَ بِيَدِكَ . وَنَفَخْتَ فِيهِ مِنْ رُوحِكَ . وَأَسْجَدْتَ لَهُ مَلَائِكَتَكَ . وَعَلَّمْتَهُ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ . وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ . فَكَيْفَ شَكَرَكَ ؟ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي . فَكَانَتْ مَعْرِفَتُهُ بِذَلِكَ شُكْرًا لِي .
وَقِيلَ : الشُّكْرُ التَّلَذُّذُ بِثَنَائِهِ ، عَلَى مَا لَمْ تَسْتَوْجِبْ مِنْ عَطَائِهِ .
وَقَالَ
الْجُنَيْدُ - وَقَدْ سَأَلَهُ سَرِيٌّ عَنِ الشُّكْرِ ، وَهُوَ صَبِيٌّ - الشُّكْرُ : أَنْ لَا يُسْتَعَانَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِيهِ . فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا ؟ قَالَ : مِنْ مُجَالَسَتِكَ .
وَقِيلَ : مَنْ قَصُرَتْ يَدَاهُ عَنِ الْمُكَافَآتِ فَلْيَطُلْ لِسَانُهُ بِالشُّكْرِ .
وَالشُّكْرُ مَعَهُ الْمَزِيدُ أَبَدًا . لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=7لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ فَمَتَى لَمْ تَرَ حَالَكَ فِي مَزِيدٍ . فَاسْتَقْبِلِ الشُّكْرَ .
وَفِي أَثَرٍ إِلَهِيٍّ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَسَتِي ، وَأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي ، وَأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي ، وَأَهْلُ مَعْصِيَتِي لَا أُقَنِّطُهُمْ مِنْ رَحْمَتِي . إِنْ تَابُوا فَأَنَا حَبِيبُهُمْ ، وَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيبُهُمْ . أَبْتَلِيهِمْ بِالْمَصَائِبِ ، لِأُطَهِّرَهُمْ مِنَ الْمَعَايِبِ .
وَقِيلَ : مَنْ كَتَمَ النِّعْمَةَ فَقَدْ كَفَرَهَا . وَمَنْ أَظْهَرَهَا وَنَشَرَهَا فَقَدْ شَكَرَهَا .
وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980447إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ بِنِعْمَةٍ أَحَبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ .
وَفِي هَذَا قِيلَ :
وَمِنَ الرَّزِيَّةِ أَنَّ شُكْرِيَ صَامِتٌ عَمَّا فَعَلْتَ وَأَنَّ بِرَّكَ نَاطِقُ وَأَرَى الصَّنِيعَةَ مِنْكَ ثُمَّ أُسِرُّهَا
إِنِّي إِذًا لِنَدَى الْكَرِيمِ لَسَارِقُ