[ ص: 330 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الكهف
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا .
هذه الآية تدل بظاهرها على أن المكره على الكفر لا يفلح أبدا .
وقد جاءت آية أخرى تدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=23640_24889المكره على الكفر معذور إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان ، وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا [ 16 : 106 ] .
والجواب عن هذا من وجهين :
الأول : أن رفع المؤاخذة مع الإكراه من خصائص هذه الأمة فهو داخل في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم [ 7 \ 157 ] ، ويدل لهذا قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008315إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه فهو يدل بمفهومه على خصوصه بأمته صلى الله عليه وسلم .
وليس مفهوم لقب لأن مناط التخصيص هو اتصافه بالأفضلية على من قبله من الرسل ، واتصاف أمته بها على من قبلها من الأمم ، والحديث وإن أعله
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم فقد تلقاه العلماء قديما وحديثا بالقبول ، ومن أصرح الأدلة في أن من قبلنا ليس لهم عذر بالإكراه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16243طارق بن شهاب في الذي دخل النار في ذباب قربه لصنم ، مع أنه قربه ليتخلص من شر عبدة الصنم ، وصاحبه الذي امتنع من ذلك قتلوه فعلم أنه لو لم يفعل لقتلوه كما قتلوا صاحبه ، ولا إكراه أكبر من خوف القتل ، ومع هذا دخل النار ولم ينفعه الإكراه ، وظواهر الآيات تدل على ذلك ، فقوله : ولن تفلحوا إذا أبدا . ظاهر في عدم فلاحهم مع الإكراه ، لأن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ، صريح في
[ ص: 331 ] الإكراه ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ 2 : 286 ] مع أنه تعالى قال : " قد فعلت " ، كما ثبت في صحيح
مسلم ، يدل بظاهره على أن التكليف بذلك كان معهودا قبل ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي [ 20 \ 115 ] مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه [ 20 \ 121 ] ، فأسند إليه النسيان والعصيان معا ، يدل على ذلك أيضا ، وعلى القول بأن المراد بالنسيان الترك ، فلا دليل في الآية .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، مع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286كما حملته على الذين من قبلنا [ 2 \ 286 ] ، ويستأنس لهذا بما ذكره
البغوي في تفسيره عن
الكلبي من أن المؤاخذة بالنسيان كانت من الإصر على من قبلنا ، وكان عقابها يعجل لهم في الدنيا فيحرم عليهم بعض الطيبات ، وقال بعض العلماء : إن الإكراه عذر لمن قبلنا ، وعليه فالجواب هو :
الوجه الثاني : أن الإكراه على الكفر قد يكون سببا لاستدراج الشيطان إلى استحسانه والاستمرار عليه ، كما يفهم من مفهوم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106وقلبه مطمئن بالإيمان [ 16 \ 106 ] وإلى هذا الوجه جنح صاحب روح المعاني ، والأول أظهر عندي وأوضح ، والله تعالى أعلم .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79فأردت أن أعيبها .
هذه الآية تدل على أن عيبها يكون سببا لترك الملك الغاصب لها ، ولذلك خرقها الخضر ، وعموم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا [ 18 \ 79 ] يقتضي أخذ الملك للمعيبة والصحيحة معا .
والجواب أن في الكلام حذف الصفة ، وتقديره كل سفينة صالحة صحيحة ، وحذف النعت إذا دل المقام عليه جائز ، كما أشار له ابن مالك في الخلاصة بقوله :
وما من المنعوت والنعت عقل يجوز حذفه وفي النعت يقل
ومن شواهد حذف الصفة قول الشاعر :
ورب أسيلة الخدين بكر مهفهفة لها فرع وجيد
أي لها فرع فاحم وجيد طويل .
[ ص: 332 ] وقول
عبيد بن الأبرص الأسيدي :
من قوله قول ومن فعله فعل ومن نائله نائل
يعني من قوله قول فصل ، وفعله فعل جميل ، ونائله نائل جزل .
[ ص: 330 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الْكَهْفِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا .
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يُفْلِحُ أَبَدًا .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=23640_24889الْمُكْرَهَ عَلَى الْكُفْرِ مَعْذُورٌ إِذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [ 16 : 106 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ رَفْعَ الْمُؤَاخَذَةِ مَعَ الْإِكْرَاهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=157وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [ 7 \ 157 ] ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1008315إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ فَهُوَ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى خُصُوصِهِ بِأُمَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَلَيْسَ مَفْهُومَ لَقَبٍ لِأَنَّ مَنَاطَ التَّخْصِيصِ هُوَ اتِّصَافُهُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ عَلَى مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ ، وَاتِّصَافُ أُمَّتِهِ بِهَا عَلَى مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الْأُمَمِ ، وَالْحَدِيثُ وَإِنْ أَعَلَّهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فَقَدْ تَلَقَّاهُ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا بِالْقَبُولِ ، وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي أَنَّ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ بِالْإِكْرَاهِ حَدِيثُ
nindex.php?page=showalam&ids=16243طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِي دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ قَرَّبَهُ لِصَنَمٍ ، مَعَ أُنَّهُ قَرَّبَهُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ شَرِّ عَبَدَةِ الصَّنَمِ ، وَصَاحِبُهُ الَّذِي امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ قَتَلُوهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لَقَتَلُوهُ كَمَا قَتَلُوا صَاحِبَهُ ، وَلَا إِكْرَاهَ أَكْبَرُ مِنْ خَوْفِ الْقَتْلِ ، وَمَعَ هَذَا دَخَلَ النَّارَ وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْإِكْرَاهُ ، وَظَوَاهِرُ الْآيَاتِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَوْلُهُ : وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا . ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ فَلَاحِهِمْ مَعَ الْإِكْرَاهِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=20يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ ، صَرِيحٌ فِي
[ ص: 331 ] الْإِكْرَاهِ ، وَقَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [ 2 : 286 ] مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : " قَدْ فَعَلْتُ " ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ ، يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ بِذَلِكَ كَانَ مَعْهُودًا قَبْلُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [ 20 \ 115 ] مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ [ 20 \ 121 ] ، فَأَسْنَدَ إِلَيْهِ النِّسْيَانَ وَالْعِصْيَانَ مَعًا ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ التَّرْكُ ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْآيَةِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ، مَعَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [ 2 \ 286 ] ، وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَهُ
الْبَغَوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ
الْكَلْبِيِّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالنِّسْيَانِ كَانَتْ مِنَ الْإِصْرِ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا ، وَكَانَ عِقَابُهَا يُعَجَّلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا فَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ بَعْضُ الطَّيِّبَاتِ ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ الْإِكْرَاهَ عُذْرٌ لِمَنْ قَبْلَنَا ، وَعَلَيْهِ فَالْجَوَابُ هُوَ :
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِاسْتِدْرَاجِ الشَّيْطَانِ إِلَى اسْتِحْسَانِهِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَيْهِ ، كَمَا يُفْهَمُ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=106وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [ 16 \ 106 ] وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ جَنَحَ صَاحِبُ رَوْحِ الْمَعَانِي ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ عِنْدِي وَأَوْضَحُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا .
هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَيْبَهَا يَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِ الْمَلِكِ الْغَاصِبِ لَهَا ، وَلِذَلِكَ خَرَقَهَا الْخَضِرُ ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=79وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [ 18 \ 79 ] يَقْتَضِي أَخْذَ الْمَلِكِ لِلْمَعِيبَةِ وَالصَّحِيحَةِ مَعًا .
وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ الصِّفَةِ ، وَتَقْدِيرُهُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ صَحِيحَةٍ ، وَحَذْفُ النَّعْتِ إِذَا دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ جَائِزٌ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ :
وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
وَمِنْ شَوَاهِدِ حَذْفِ الصِّفَةِ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
وَرُبَّ أَسِيلَةِ الْخَدَّيْنِ بِكْرٍ مُهَفْهَفَةٍ لَهَا فَرْعٌ وَجِيدٌ
أَيْ لَهَا فَرْعٌ فَاحِمٌ وَجِيدٌ طَوِيلٌ .
[ ص: 332 ] وَقَوْلُ
عَبِيدِ بْنِ الْأَبْرَصِ الْأُسَيِّدِيِّ :
مِنْ قَوْلِهِ قَوْلٌ وَمِنْ فِعْلِهِ فِعْلٌ وَمِنْ نَائِلِهِ نَائِلٌ
يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ قَوْلٌ فَصْلٌ ، وَفِعْلِهِ فِعْلٌ جَمِيلٌ ، وَنَائِلُهُ نَائِلٌ جَزْلٌ .