[ ص: 335 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة طه
nindex.php?page=treesubj&link=28991_29692_30292قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية أكاد أخفيها .
هذه الآية الكريمة يتوهم منها أنه جل وعلا لم يخفها بالفعل ولكنه قارب أن يخفيها لأن كاد فعل مقاربة .
وقد جاء في آيات أخر التصريح بأنه أخفاها كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو [ 6 \ 59 ] .
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=29692المراد بمفاتح الغيب الخمس المذكورة في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إن الله عنده علم الساعة الآية [ 31 ] .
وكقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قل إنما علمها عند ربي [ 7 \ 187 ] وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=43فيم أنت من ذكراها [ 79 \ 43 ] إلى غير ذلك من الآيات .
والجواب من سبعة أوجه :
الأول : وهو الراجح ، أن معنى الآية : أكاد أخفيها من نفسي ، أي لو كان ذلك يمكن ، وهذا على عادة العرب ، لأن القرءان نزل بلغتهم ، والواحد منهم إذا أراد المبالغة في كتمان أمر قال : كتمته من نفسي ، أي لا أبوح لأحد ، ومنه قول الشاعر :
أيام تصحبني هند وأخبرها ما كدت أكتمه عني من الخبر
ونظير هذا من المبالغة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009968رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه وهذا القول مروي عن أكثر المفسرين ، وممن قال به
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح كما نقله عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=15639وجعفر الصادق ، كما نقله عنه
الألوسي في تفسيره ، ويؤيد هذا القول أن في مصحف
أبي : " أكاد أخفيها من نفسي " ،
[ ص: 336 ] كما نقله
الألوسي وغيره .
وروى
ابن خالويه أنها في مصحف
أبي كذلك بزيادة : " فكيف أظهركم عليها " ، وفي بعض القراءات بزيادة : " فكيف أظهرها لكم " وفي مصحف
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود بزيادة : " فكيف يعلمها مخلوق " كما نقله
الألوسي وغيره .
الوجه الثاني : أن معنى الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها أي أخفي الأخبار بأنها آتية ، والمعنى أقرب أن أترك الإخبار عن إتيانها من أصله لشدة إخفائي لتعيين وقت إتيانها .
الوجه الثالث : أن الهمزة في قوله : أخفيها ، هي همزة السلب لأن العرب كثيرا ما تجعل الهمزة أداة لسلب الفعل ، كقولهم : شكا إلي فلان فأشكيته أي أزلت شكايته ، وقولهم : عقل البعير فأعقلته ، أي أزلت عقاله .
وعلى هذا فالمعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها أي أزيل خفاءها بأن أظهرها لقرب وقتها ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقتربت الساعة الآية [ 54 ] ، وهذا القول مروي عن
أبي علي ، كما نقله عنه
الألوسي في تفسيره ، ونقله
النيسابوري في تفسيره عن
أبي الفتح الموصلي .
ومنه قول
امرئ القيس بن عابس الكندي :
فإن تدفنوا الداء لا نخفه وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
على رواية ضم النون من : لا نخفه ، وقد نقل
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير في تفسير هذه الآية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12078معمر بن المثنى أنه قال : أنشدنيه
أبو الخطاب عن أهله في بلده بضم النون من : لا نخفه ، ومعناه : لا نظهره .
أما على الرواية المشهورة بفتح النون من : لا نخفه ، فلا شاهد في البيت إلا على قراءة من قرأ : " أكاد أخفيها " بفتح الهمزة وممن قرأ بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=4أبو الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد وحميد ، وروي مثل ذلك عن
ابن كثير وعاصم ، وإطلاق خفاه يخفيه بفتح الياء بمعنى أظهره إطلاق مشهور صحيح ، إلا أن القراءة به لا تخلو من شذوذ .
ومنه البيت المذكور على رواية فتح النون وقول
كعب بن زهير أو غيره :
دأب شهرين ثم شهرا دميكا بأريكين يخفيان غميرا
أي يظهرانه . وقول
امرئ القيس :
[ ص: 337 ] خفاهن من إنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
الوجه الرابع : أن خبر كاد محذوف ، والمعنى على هذا القول أن الساعة آتية أكاد أظهرها ، فحذف الخبر ثم ابتدأ الكلام بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى [ 20 \ 15 ] ، ونظير ذلك من كلام العرب قول
ضابئ بن الحارث البرجمي :
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
يعني : وكدت أفعل .
الوجه الخامس : أن كاد تأتي بمعنى أراد ، وعليه فمعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها أريد أن أخفيها ، وإلى هذا القول ذهب
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري وأبو مسلم كما نقله عنهم
الألوسي وغيره .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني في المحتسب ، ومن مجيء كاد بمعنى أراد ، قول الشاعر :
كادت وكدت وتلك خير إرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
كما نقله
الألوسي ، وقال بعض العلماء : إن من مجيء كاد بمعنى أراد قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76كذلك كدنا ليوسف [ 12 ] ، أي أردنا له كما ذكره
النيسابوري وغيره .
ومنه قول العرب لا أفعل كذا ولا أكاد أي لا أريد كما نقله بعضهم .
الوجه السادس : أن كاد من الله تدل على الوجوب ، كما دلت عليه عسى في كلامه تعالى نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51قل عسى أن يكون قريبا [ 17 \ 51 ] ، أي هو قريب .
وعلى هذا فمعنى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أكاد أخفيها أنا أخفيها .
الوجه السابع : أن كاد صلة ، وعليه فالمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إن الساعة آتية أكاد أخفيها nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لتجزى الآية ، واستدل قائل هذا القول بقول
زيد الخيل :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحه فما أن يكاد قرنه يتنفس
أي فما يتنفس قرنه ، قالوا : ومن هذا القبيل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40لم يكد يراها [ 24 \ 40 ] ، أي لم يرها ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذي الرمة :
[ ص: 338 ] إذا غير النأي المحبين لم يكد رسيس الهوى من حب مية يبرح
أي لم يبرح على قول هذا القائل .
قالوا : ومن هذا المعنى قول
أبي النجم :
وإن أتاك نعي فاندبن أبا قد كاد يطلع الأعداء والخطبا
أي قد اطلع الأعداء .
وقد قدمنا أن أرجح الأقوال الأول ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .
لا يخفى أنه من سؤل
موسى الذي قال له ربه إنه آتاه إياه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قال قد أوتيت سؤلك ياموسى [ 20 \ 36 ] ، وذلك صريح في حل العقدة من لسانه ، وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على بقاء شيء من الذي كان بلسانه كقوله تعالى عن
فرعون :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين [ 43 \ 52 ] .
وقوله تعالى عن
موسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي الآية [ 28 ] .
والجواب أن
موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ، لم يسأل زوال ما كان بلسانه بالكلية ، وإنما سأل زوال القدر المانع من أن يفقهوا قوله ، كما يدل عليه قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يفقهوا قولي .
قال
ابن كثير في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ، ما نصه : وما سأل أن يزول ذلك بالكلية ، بل بحيث يزول العي ويحصل لهم فهم ما يريد منه ، وهو قدر الحاجة ، ولو سأل الجميع لزال ، ولكن الأنبياء لا يسألون إلا بحسب الحاجة ، ولهذا بقيت بقية ، قال تعالى إخبارا عن
فرعون أنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أم أنا خير من هذا الذي هو مهين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52ولا يكاد يبين [ 43 52 ] ، أي يفصح بالكلام .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27واحلل عقدة من لساني ، قال : حل عقدة واحدة ، ولو سأل أكثر من ذلك أعطي .
[ ص: 339 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : شكا
موسى إلى ربه ما يتخوف من
آل فرعون في القتيل ، وعقدة لسانه ، فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه من كثير من الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه
هارون يكون ردءا له ، ويتكلم عنه بكثير مما لا يفصح به لسانه ، فآتاه سؤله ، فحل عقدة من لسانه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : ذكر عن
عمر بن عثمان ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15550بقية عن
أرطأة بن المنذر ، حدثني بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب عنه ، قال : أتاه ذو قرابة له فقال له : ما بك بأس ، لولا أنك تلحن في كلامك ، ولست تعرب في قراءتك ، فقال
القرظي : يا ابن أخي ألست أفهمك إذا حدثتك ؟ قال نعم ، قال : فإن
موسى عليه السلام إنما سأل ربه أن يحل عقدة من لسانه كي يفقه
بنو إسرائيل قوله ، ولم يزد عليها ، انتهى كلام
ابن كثير بلفظه .
وقد نقل فيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب القرظي ما ذكرنا من الجواب ، ويمكن أن يجاب أيضا بأن
فرعون كذب عليه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34هو أفصح مني لسانا [ 28 ] ، يدل على اشتراكه مع
هارون في الفصاحة ، فكلاهما فصيح ، إلا أن
هارون أفصح ، وعليه فلا إشكال ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47فقولا إنا رسولا ربك الآية .
يدل على أنهما رسولان وهما
موسى وهارون ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16فقولا إنا رسول رب العالمين [ 26 \ 16 ] ، يوهم كون الرسول واحدا .
والجواب من وجهين :
الأول : أن معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16إنا رسول رب العالمين أي كل واحد منا رسول رب العالمين ، كقول
البرجمي : [ الطويل ]
فإني وقيارا بها لغريب
وإنما ساغ هذا لظهور المراد من سياق الكلام .
الوجه الثاني : أن أصل الرسول مصدر كالقبول والولوع ، فاستعمل في الاسم فجاز جمعه ، وتثنيته نظرا إلى كونه بمعنى الوصف وساغ إفراده مع إرادة المثنى أو الجمع نظرا إلى أن الأصل من كونه مصدرا ، ومن إطلاق الرسول على غير المفرد ، قول الشاعر :
[ ص: 340 ] ألكني إليها وخير الرسو ل أعلمهم بنواحي الخبر
يعني وخير الرسل ، وإطلاق الرسول مرادا به المصدر كثير ، ومنه قوله :
لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بقول ولا أرسلتهم برسول
يعني برسالة .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=28991_31913قال فمن ربكما يا موسى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49قال فمن ربكما يقتضي أن المخاطب اثنان ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49ياموسى : يقتضي أن المخاطب واحد ، والجواب من ثلاثة أوجه :
الأول : أن
فرعون أراد خطاب
موسى وحده ، والمخاطب إن اشترك معه في الكلام غير مخاطب غلب المخاطب على غيره ، كما لو خاطبت رجلا اشترك معه آخر في شأن والثاني غائب فإنك تقول للحاضر منهما : ما بالكما فعلتما كذا والمخاطب واحد ، وهذا ظاهر .
الوجه الثاني : أنه خاطبهما معا وخص
موسى بالنداء ، لكونه الأصل في الرسالة .
الثالث : أنه خاطبهما معا وخص
موسى بالنداء لمطابقة رءوس الآي مع ظهور المراد ، ونظير الآية قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى [ 20 \ 117 ] ، ويجاب عنه بأن المرأة تبع لزوجها ، وبأن شقاء الكد والعمل يتولاه الرجال أكثر من النساء ، وبأن الخطاب لآدم وحده ، والمرأة ذكرت فيما خوطب به
آدم بدليل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117إن هذا عدو لك ولزوجك [ 20 \ 117 ] فهي ذكرت فيما خوطب به
آدم والمخاطب هو وحده ، ولذا قال : " فتشقى " لأن الخطاب لم يتوجه إليها هي ، والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115nindex.php?page=treesubj&link=28991_31806ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي .
ظاهر هذه الآية أن
آدم ناس للعهد بالنهي عن أكل الشجرة ، لأن الشيطان قاسمه بالله أنه له ناصح حتى دلاه بغرور وأنساه العهد ، وعليه فهو معذور لا عاص .
[ ص: 341 ] وقد جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك ، وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وعصى آدم ربه فغوى [ 20 \ 121 ] .
والجواب عن هذا من وجهين :
الأول : هو ما قدمنا من عدم العذر بالنسيان لغير هذه الأمة .
الثاني : أن نسي بمعنى ترك ، والعرب ربما أطلقت النسيان بمعنى الترك ومنه قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=51فاليوم ننساهم الآية [ 7 \ 51 ] ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 335 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ طه
nindex.php?page=treesubj&link=28991_29692_30292قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُتَوَهَّمُ مِنْهَا أَنَّهُ جَلَّ وَعَلَا لَمْ يُخْفِهَا بِالْفِعْلِ وَلَكِنَّهُ قَارَبَ أَنْ يُخْفِيَهَا لِأَنَّ كَادَ فِعْلُ مُقَارَبَةٍ .
وَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ أُخَرَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ أَخْفَاهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=59وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ [ 6 \ 59 ] .
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29692الْمُرَادَ بِمَفَاتِحِ الْغَيْبِ الْخَمْسُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ الْآيَةَ [ 31 ] .
وَكَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي [ 7 \ 187 ] وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=43فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [ 79 \ 43 ] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ .
وَالْجَوَابُ مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الرَّاجِحُ ، أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ : أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي ، أَيْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ يُمْكِنُ ، وَهَذَا عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ ، لَأَنَّ الْقُرْءَانِ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ ، وَالْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي كِتْمَانِ أَمْرٍ قَالَ : كَتَمْتُهُ مِنْ نَفْسِي ، أَيْ لَا أَبُوحُ لِأَحَدٍ ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَيَّامُ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا مَا كِدْتُ أَكْتُمُهُ عَنِّي مِنَ الْخَبَرِ
وَنَظِيرُ هَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009968رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمُ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَأَبُو صَالِحٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ nindex.php?page=showalam&ids=15639وَجَعْفَرٌ الصَّادِقُ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
الْأَلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّ فِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ : " أَكَادُ أُخْفِيهَا مِنْ نَفْسِي " ،
[ ص: 336 ] كَمَا نَقَلَهُ
الْأَلُوسِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَرَوَى
ابْنُ خَالَوَيْهِ أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ
أُبَيٍّ كَذَلِكَ بِزِيَادَةِ : " فَكَيْفَ أُظْهِرُكُمْ عَلَيْهَا " ، وَفِي بَعْضِ الْقِرَاءَاتِ بِزِيَادَةِ : " فَكَيْفَ أُظْهِرُهَا لَكُمْ " وَفِي مُصْحَفِ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِزِيَادَةِ : " فَكَيْفَ يَعْلَمُهَا مَخْلُوقٌ " كَمَا نَقَلَهُ
الْأَلُوسِيُّ وَغَيْرُهُ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا أَيْ أُخْفِي الْأَخْبَارَ بِأَنَّهَا آتِيَةٌ ، وَالْمَعْنَى أَقْرُبُ أَنْ أَتْرُكَ الْإِخْبَارَ عَنْ إِتْيَانِهَا مِنْ أَصْلِهِ لِشِدَّةِ إِخْفَائِي لِتَعْيِينِ وَقْتِ إِتْيَانِهَا .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْهَمْزَةَ فِي قَوْلِهِ : أُخْفِيهَا ، هِيَ هَمْزَةُ السَّلْبِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَثِيرًا مَا تَجْعَلُ الْهَمْزَةَ أَدَاةً لِسَلْبِ الْفِعْلِ ، كَقَوْلِهِمْ : شَكَا إِلَيَّ فُلَانٌ فَأَشْكَيْتُهُ أَيْ أَزَلْتُ شِكَايَتَهُ ، وَقَوْلِهِمْ : عَقَلَ الْبَعِيرَ فَأَعْقَلْتُهُ ، أَيْ أَزَلْتُ عِقَالَهُ .
وَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا أَيْ أُزِيلُ خَفَاءَهَا بِأَنْ أُظْهِرَهَا لِقُرْبِ وَقْتِهَا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=1اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ الْآيَةَ [ 54 ] ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ
الْأَلُوسِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ، وَنَقَلَهُ
النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ
أَبِي الْفَتْحِ الْمَوْصِلِيِّ .
وَمِنْهُ قَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَابِسٍ الْكِنْدِيِّ :
فَإِنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لَا نُخْفِهِ وَإِنْ تَبْعَثُوا الْحَرْبَ لَا نَقْعُدُ
عَلَى رِوَايَةِ ضَمِّ النُّونِ مِنْ : لَا نُخْفِهِ ، وَقَدْ نَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12078مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَّهُ قَالَ : أَنْشَدَنِيهِ
أَبُو الْخَطَّابِ عَنْ أَهْلِهِ فِي بَلَدِهِ بِضَمِّ النُّونِ مِنْ : لَا نُخْفِهِ ، وَمَعْنَاهُ : لَا نُظْهِرُهُ .
أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ بِفَتْحِ النُّونِ مِنْ : لَا نَخْفِهِ ، فَلَا شَاهِدَ فِي الْبَيْتِ إِلَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " أَكَادُ أَخْفِيهَا " بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَمِمَّنْ قَرَأَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=4أَبُو الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَحُمَيْدٌ ، وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ
ابْنِ كَثِيرٍ وَعَاصِمٍ ، وَإِطْلَاقُ خَفَاهُ يَخْفِيهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ بِمَعْنَى أَظْهَرَهُ إِطْلَاقٌ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ ، إِلَّا أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِهِ لَا تَخْلُو مِنْ شُذُوذٍ .
وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْمَذْكُورُ عَلَى رِوَايَةِ فَتْحِ النُّونِ وَقَوْلُ
كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ أَوْ غَيْرِهِ :
دَأَبَ شَهْرَيْنِ ثُمَّ شَهْرًا دَمِيكًا بِأَرِيكَيْنِ يُخْفِيَانِ غَمِيرًا
أَيْ يُظْهِرَانِهِ . وَقَوْلُ
امْرِئِ الْقَيْسِ :
[ ص: 337 ] خَفَاهُنَّ مِنْ إِنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عَشِيٍّ مُجَلَّبِ
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ خَبَرَ كَادَ مَحْذُوفٌ ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُظْهِرُهَا ، فَحَذَفَ الْخَبَرَ ثُمَّ ابْتَدَأَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [ 20 \ 15 ] ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَوْلُ
ضَابِئِ بْنِ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيِّ :
هَمَمْتُ وَلَمْ أَفْعَلْ وَكِدْتُ وَلَيْتَنِي تَرَكَتْ عَلَى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلَائِلُهْ
يَعْنِي : وَكِدْتُ أَفْعَلُ .
الْوَجْهُ الْخَامِسُ : أَنَّ كَادَ تَأْتِي بِمَعْنَى أَرَادَ ، وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا أُرِيدُ أَنَّ أُخْفِيَهَا ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=12590وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَأَبُو مُسْلِمٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
الْأَلُوسِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّي فِي الْمُحْتَسَبِ ، وَمِنْ مَجِيءٍ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ ، قَوْلُ الشَّاعِرِ :
كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إِرَادَةٍ لَوْ عَادَ مِنْ لَهْوِ الصَّبَابَةِ مَا مَضَى
كَمَا نَقَلَهُ
الْأَلُوسِيُّ ، وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ مِنْ مَجِيءٍ كَادَ بِمَعْنَى أَرَادَ قَوْلَهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=76كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [ 12 ] ، أَيْ أَرَدْنَا لَهُ كَمَا ذَكَرَهُ
النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُ .
وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَا أَكَادُ أَيْ لَا أُرِيدُ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ .
الْوَجْهُ السَّادِسُ : أَنَّ كَادَ مِنَ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عَسَى فِي كَلَامِهِ تَعَالَى نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا [ 17 \ 51 ] ، أَيْ هُوَ قَرِيبٌ .
وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15أَكَادُ أُخْفِيهَا أَنَا أُخْفِيهَا .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنَّ كَادَ صِلَةٌ ، وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=15لِتُجْزَى الْآيَةَ ، وَاسْتَدَلَّ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِ
زِيدِ الْخَيْلِ :
سَرِيعٌ إِلَى الْهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلَاحُهُ فَمَا أَنْ يَكَادَ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ
أَيْ فَمَا يَتَنَفَّسُ قِرْنُهُ ، قَالُوا : وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=40لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا [ 24 \ 40 ] ، أَيْ لَمْ يَرَهَا ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=15871ذِي الرُّمَّةِ :
[ ص: 338 ] إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ الْمُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ رَسِيسُ الْهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
أَيْ لَمْ يَبْرَحْ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ .
قَالُوا : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ
أَبِي النَّجْمِ :
وَإِنْ أَتَاكَ نَعِيٌّ فَانْدُبَنَّ أَبًا قَدْ كَادَ يَطَّلِعُ الْأَعْدَاءُ وَالْخُطُبَا
أَيْ قَدِ اطَّلَعَ الْأَعْدَاءُ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي .
لَا يَخْفَى أَنَّهُ مِنْ سُؤْلِ
مُوسَى الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ إِنَّهُ آتَاهُ إِيَّاهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=36قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى [ 20 \ 36 ] ، وَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي حَلِّ الْعُقْدَةِ مِنْ لِسَانِهِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ مَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ شَيْءٍ مِنَ الَّذِي كَانَ بِلِسَانِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ
فِرْعَوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [ 43 \ 52 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ
مُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ الْآيَةَ [ 28 ] .
وَالْجَوَابُ أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، لَمْ يَسْأَلْ زَوَالَ مَا كَانَ بِلِسَانِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا سَأَلَ زَوَالَ الْقَدْرِ الْمَانِعِ مِنْ أَنْ يَفْقَهُوا قَوْلَهُ ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=28يَفْقَهُوا قَوْلِي .
قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، مَا نَصُّهُ : وَمَا سَأَلَ أَنْ يَزُولَ ذَلِكَ بِالْكُلِّيَّةِ ، بَلْ بِحَيْثُ يَزُولُ الْعِيُّ وَيَحْصُلُ لَهُمْ فَهْمُ مَا يُرِيدُ مِنْهُ ، وَهُوَ قَدْرُ الْحَاجَةِ ، وَلَوْ سَأَلَ الْجَمِيعَ لَزَالَ ، وَلَكِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَسْأَلُونَ إِلَّا بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَلِهَذَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ ، قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ
فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=52وَلَا يَكَادُ يُبِينُ [ 43 52 ] ، أَيْ يُفْصِحُ بِالْكَلَامِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=27وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، قَالَ : حَلَّ عُقْدَةً وَاحِدَةً ، وَلَوْ سَأَلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أُعْطِي .
[ ص: 339 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : شَكَا
مُوسَى إِلَى رَبِّهِ مَا يَتَخَوَّفُ مِنْ
آلِ فِرْعَوْنَ فِي الْقَتِيلِ ، وَعُقْدَةِ لِسَانِهِ ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي لِسَانِهِ عُقْدَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُعِينَهُ بِأَخِيهِ
هَارُونَ يَكُونُ رِدْءًا لَهُ ، وَيَتَكَلَّمُ عَنْهُ بِكَثِيرٍ مِمَّا لَا يُفْصِحُ بِهِ لِسَانُهُ ، فَآتَاهُ سُؤْلَهُ ، فَحَلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : ذُكِرَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15550بَقِيَّةُ عَنْ
أَرْطَأَةَ بْنِ الْمُنْذِرِ ، حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْهُ ، قَالَ : أَتَاهُ ذُو قَرَابَةٍ لَهُ فَقَالَ لَهُ : مَا بِكَ بَأْسٌ ، لَوْلَا أَنَّكَ تَلْحَنُ فِي كَلَامِكَ ، وَلَسْتَ تُعْرِبُ فِي قِرَاءَتِكَ ، فَقَالَ
الْقُرَظِيُّ : يَا ابْنَ أَخِي أَلَسْتُ أُفْهِمُكَ إِذَا حَدَّثْتُكَ ؟ قَالَ نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يَحُلَّ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِهِ كَيْ يَفْقَهَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ قَوْلَهُ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا ، انْتَهَى كَلَامُ
ابْنِ كَثِيرٍ بِلَفْظِهِ .
وَقَدْ نُقِلَ فِيهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=14980وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجَوَابِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ
فِرْعَوْنَ كَذَبَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=34هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا [ 28 ] ، يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاكِهِ مَعَ
هَارُونَ فِي الْفَصَاحَةِ ، فَكِلَاهُمَا فَصِيحٌ ، إِلَّا أَنْ
هَارُونَ أَفْصَحُ ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=47فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ الْآيَةَ .
يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا رَسُولَانِ وَهُمَا
مُوسَى وَهَارُونُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 26 \ 16 ] ، يُوهِمُ كَوْنَ الرَّسُولِ وَاحِدًا .
وَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=16إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، كَقَوْلِ
الْبُرْجُمِيِّ : [ الطَّوِيلِ ]
فَإِنِّي وَقَيَّارًا بِهَا لَغَرِيبُ
وَإِنَّمَا سَاغَ هَذَا لِظُهُورِ الْمُرَادِ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ أَصْلَ الرَّسُولِ مَصْدَرٌ كَالْقَبُولِ وَالْوَلُوعِ ، فَاسْتُعْمِلَ فِي الِاسْمِ فَجَازَ جَمْعُهُ ، وَتَثْنِيَتُهُ نَظَرًا إِلَى كَوْنِهِ بِمَعْنَى الْوَصْفِ وَسَاغَ إِفْرَادُهُ مَعَ إِرَادَةِ الْمُثَنَّى أَوِ الْجَمْعِ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ مِنْ كَوْنِهِ مَصْدَرًا ، وَمِنْ إِطْلَاقِ الرَّسُولِ عَلَى غَيْرِ الْمُفْرَدِ ، قَوْلُ الشَّاعِرِ :
[ ص: 340 ] أَلِكْنِي إِلَيْهَا وَخَيْرُ الرَّسُو لِ أَعْلَمُهُمْ بِنَوَاحِي الْخَبَرْ
يَعْنِي وَخَيْرُ الرُّسُلِ ، وَإِطْلَاقُ الرَّسُولِ مُرَادًا بِهِ الْمَصْدَرُ كَثِيرٌ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ :
لَقَدْ كَذَبَ الْوَاشُونَ مَا فُهْتُ عِنْدَهُمْ بِقَوْلٍ وَلَا أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولٍ
يَعْنِي بِرِسَالَةٍ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49nindex.php?page=treesubj&link=28991_31913قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ اثْنَانِ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=49يَامُوسَى : يَقْتَضِي أَنَّ الْمُخَاطَبَ وَاحِدٌ ، وَالْجَوَابُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
فِرْعَوْنَ أَرَادَ خِطَابَ
مُوسَى وَحْدَهُ ، وَالْمُخَاطَبُ إِنِ اشْتَرَكَ مَعَهُ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ غَلَبَ الْمُخَاطَبُ عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ خَاطَبْتَ رَجُلًا اشْتَرَكَ مَعَهُ آخَرُ فِي شَأْنٍ وَالثَّانِي غَائِبٌ فَإِنَّكَ تَقُولُ لِلْحَاضِرِ مِنْهُمَا : مَا بَالُكُمَا فَعَلْتُمَا كَذَا وَالْمُخَاطَبُ وَاحِدٌ ، وَهَذَا ظَاهِرٌ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُ خَاطَبَهُمَا مَعًا وَخَصَّ
مُوسَى بِالنِّدَاءِ ، لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ فِي الرِّسَالَةِ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ خَاطَبَهُمَا مَعًا وَخَصَّ
مُوسَى بِالنِّدَاءِ لِمُطَابَقَةِ رُءُوسِ الْآيِ مَعَ ظُهُورِ الْمُرَادِ ، وَنَظَيرُ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [ 20 \ 117 ] ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَبَعٌ لِزَوْجِهَا ، وَبِأَنَّ شَقَاءَ الْكَدِّ وَالْعَمَلِ يَتَوَلَّاهُ الرِّجَالُ أَكْثَرَ مِنَ النِّسَاءِ ، وَبِأَنَّ الْخِطَابَ لِآدَمَ وَحْدَهُ ، وَالْمَرْأَةُ ذُكِرَتْ فِيمَا خُوطِبَ بِهِ
آدَمُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=117إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ [ 20 \ 117 ] فَهِيَ ذُكِرَتْ فِيمَا خُوطِبَ بِهِ
آدَمُ وَالْمُخَاطَبُ هُوَ وَحْدَهُ ، وَلِذَا قَالَ : " فَتَشْقَى " لِأَنَّ الْخِطَابَ لَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهَا هِيَ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=115nindex.php?page=treesubj&link=28991_31806وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ .
ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ
آدَمَ نَاسٍ لِلْعَهْدِ بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ قَاسَمَهُ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَهُ نَاصِحٌ حَتَّى دَلَّاهُ بِغُرُورٍ وَأَنْسَاهُ الْعَهْدَ ، وَعَلَيْهِ فَهُوَ مَعْذُورٌ لَا عَاصٍ .
[ ص: 341 ] وَقَدْ جَاءَتْ آيَةٌ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=121وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [ 20 \ 121 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : هُوَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ عَدَمِ الْعُذْرِ بِالنِّسْيَانِ لِغَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
الثَّانِي : أَنَّ نَسِيَ بِمَعْنَى تَرَكَ ، وَالْعَرَبُ رُبَّمَا أَطْلَقَتِ النِّسْيَانَ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=51فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ الْآيَةَ [ 7 \ 51 ] ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .