الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ( 85 ) فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ( 86 ) )

يقول الله تعالى ذكره قال الله لموسى : فإنا يا موسى قد ابتلينا قومك من بعدك بعبادة العجل ، وذلك كان فتنتهم من بعد موسى .

ويعني بقوله ( من بعدك ) من بعد فراقك إياهم يقول الله تبارك وتعالى ( وأضلهم السامري ) [ ص: 350 ] وكان إضلال السامري إياهم دعاءه إياهم إلى عبادة العجل .

وقوله ( فرجع موسى إلى قومه ) يقول : فانصرف موسى إلى قومه من بني إسرائيل بعد انقضاء الأربعين ليلة ( غضبان أسفا ) متغيظا على قومه ، حزينا لما أحدثوه بعده من الكفر بالله .

كما حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( غضبان أسفا ) يقول : حزينا ، وقال في الزخرف ( فلما آسفونا ) يقول : أغضبونا ، والأسف على وجهين : الغضب ، والحزن .

حدثني موسى قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن السدي ( غضبان أسفا ) يقول : حزينا .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا ) : أي حزينا على ما صنع قومه من بعده .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( أسفا ) قال : حزينا .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد مثله ، وقوله ( قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا ) يقول : ألم يعدكم ربكم أنه غفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ، ويعدكم جانب الطور الأيمن ، وينزل عليكم المن والسلوى ، فذلك وعد الله . الحسن بني إسرائيل الذي قال لهم موسى : ألم يعدكموه ربكم ، وقوله ( أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم ) يقول : أفطال عليكم العهد بي ، وبجميل نعم الله عندكم ، وأياديه لديكم ، أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم : يقول : أم أردتم أن يجب عليكم غضب من ربكم فتستحقوه بعبادتكم العجل ، وكفركم بالله ، فأخلفتم موعدي . وكان إخلافهم موعده عكوفهم على العجل ، وتركهم السير على أثر موسى للموعد الذي كان الله وعدهم ، وقولهم لهارون إذ نهاهم عن عبادة العجل ودعاهم إلى السير معه في أثر موسى [ ص: 351 ] ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية