الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 377 ] وأما المجاز فاختلف في وقوعه في القرآن ، والجمهور على الوقوع وأنكره جماعة ، منهم ابن القاص من الشافعية ، وابن خويز منداذ من المالكية ، وحكي عن داود الظاهري وابنه ، وأبي مسلم الأصبهاني .

وشبهتهم أن المتكلم لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وهو مستحيل على الله - سبحانه ، وهذا باطل ، ولو وجب خلو القرآن من المجاز لوجب خلوه من التوكيد والحذف ، وتثنية القصص وغيره ، ولو سقط المجاز من القرآن سقط شطر الحسن .

وقد أفرده بالتصنيف الإمام أبو محمد بن عبد السلام ، وجمع فأوعى .

[ ص: 378 ] وأما معناه ، فقال الحاتمي : معناه طريق القول ، ومأخذه مصدر " جزت مجازا " كما يقال : قمت مقاما . قال الأصمعي : كلام العرب إنما هو مثال شبه الوحي .

وله سببان : أحدهما : الشبه ، ويسمى المجاز اللغوي ، وهو الذي يتكلم فيه الأصولي .

والثاني : الملابسة ، وهذا هو الذي يتكلم فيه أهل اللسان ؛ ويسمى المجاز العقلي ، وهو أن تسند الكلمة إلى غير ما هي له أصالة بضرب من التأويل ، كسب زيد أباه ، إذا كان سببا فيه . والأول مجاز في المفرد ؛ وهذا مجاز في المركب .

ومنه قوله - تعالى - : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ( الأنفال : 2 ) ونسبت الزيادة التي هي فعل الله إلى الآيات لكونها سببا فيها .

وكذا قوله - تعالى - : وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ( فصلت : 23 ) .

وقوله : يذبح أبناءهم ( القصص : 4 ) والفاعل غيره ، ونسب الفعل إليه لكونه الآمر به .

وكقوله : ينزع عنهما لباسهما ( الأعراف : 27 ) نسب النزع الذي هو فعل الله إلى إبليس - لعنه الله ؛ لأن سببه أكل الشجرة ، وسبب أكلها وسوسته ومقاسمته إياهما ، إنه لهما لمن الناصحين .

وقوله - تعالى - : فما ربحت تجارتهم ( البقرة : 16 ) جعل التجارة الرابحة . وقوله : فإذا عزم الأمر ( محمد : 21 ) لأن الأمر هو المعزوم عليه بدليل : فإذا عزمت فتوكل على الله ( آل عمران : 159 ) .

وقوله : ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار ( إبراهيم : 28 ) فنسب الإحلال الذي هو فعل الله إلى أكابرهم ؛ لأن سببه كفرهم ، وسبب كفرهم أمر أكابرهم إياهم بالكفر .

[ ص: 379 ] وقوله - تعالى - : يوما يجعل الولدان شيبا ( المزمل : 17 ) نسب الفعل إلى الظرف لوقوعه فيه .

وقوله - تعالى - : وأخرجت الأرض أثقالها ( الزلزلة : 2 ) . وقوله : فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ( طه : 117 ) .

وقد يقال : إن النزع والإحلال يعبر بهما عن فعل ما أوجبهما ؛ فالمجاز إفرادي لا إسنادي .

وقوله : يوما يجعل الولدان شيبا ( المزمل : 17 ) يحتمل معناه : يجعل هوله ، فهو من مجاز الحذف .

وأما قوله - تعالى - : في عيشة راضية ( القارعة : 7 ) فقيل على النسب ، أي ذات رضا ، وقيل : بمعنى مرضية ، وكلاهما مجاز إفراد لا مجاز إسناد ؛ لأن المجاز في لفظ راضية لا في إسنادها ؛ ولكنهم كأنهم قدروا أنهم قالوا : رضيت عيشته ، فقالوا : عيشة راضية .

وهو على ثلاثة أقسام : ( أحدها ) : ما طرفاه حقيقتان ، نحو : أنبت المطر البقل ، وقوله - تعالى - : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ( الأنفال : 2 ) وقوله : وأخرجت الأرض أثقالها ( الزلزلة : 2 ) . ( والثاني ) : مجازيان نحو : فما ربحت تجارتهم ( البقرة : 16 ) ( والثالث ) : ما كان أحد طرفيه مجازا دون الآخر ، كقوله - تعالى - : تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ( إبراهيم : 25 ) وقوله : حتى تضع الحرب أوزارها ( محمد : 4 ) . قال بعضهم : ومن شرط هذا المجاز أن يكون للمسند إليه شبه بالمتروك في تعلقه بالعامل .

التالي السابق


الخدمات العلمية