الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نـزل على رسوله والكتاب الذي أنـزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا

                                                                                                                                                                                                [ ص: 163 ] يا أيها الذين آمنوا خطاب للمسلمين ، ومعنى "آمنوا" : اثبتوا على الإيمان وداوموا عليه وازدادوه والكتاب الذي أنزل من قبل المراد به جنس ما أنزل على الأنبياء قبله من الكتب ، والدليل عليه قوله : وكتبه [و] قرئ : "وكتابه" على إرادة الجنس ، وقرئ : "نزل" . "وأنزل" ، على البناء للفاعل ، وقيل : الخطاب لأهل الكتاب ، لأنهم آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض ، وروي : أنه لعبد الله بن سلام ، وأسد وأسيد ابني كعب ، وثعلبة بن قيس ، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ، وسلمة ابن أخيه ، ويامين بن يامين ، أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : يا رسول الله ، إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزير ونكفر بما سواه من الكتب والرسل ، فقال - عليه السلام - : "بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله" ، فقالوا : لا نفعل ، فنزلت ، فآمنوا كلهم ، وقيل : هو للمنافقين ، كأنه قيل : يا أيها الذين آمنوا نفاقا آمنوا إخلاصا . فإن قلت : كيف قيل لأهل الكتاب : والكتاب الذي أنزل من قبل وكانوا مؤمنين بالتوراة والإنجيل؟ قلت : كانوا مؤمنين بهما فحسب ، وما كانوا مؤمنين بكل ما أنزل من الكتب ، فأمروا أن يؤمنوا بالجنس كله ، ولأن إيمانهم ببعض الكتب لا يصح إيمانا به ، لأن طريق الإيمان به هو المعجزة ، ولا اختصاص لها ببعض الكتب دون بعض ، فلو كان إيمانهم بما آمنوا به لأجل المعجزة لآمنوا به كله ، فحين آمنوا ببعضه علم أنهم لم يعتبروا المعجزة ، فلم يكن إيمانهم إيمانا ، وهذا الذي أراد عز وجل في قوله : ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا [النساء : 150] . فإن قلت : لم قيل "نزل على رسوله" و "أنزل من قبل"؟ قلت : لأن القرآن نزل مفرقا منجما في عشرين سنة ، بخلاف الكتب قبله ، ومعنى قوله : ومن يكفر بالله الآية ، ومن يكفر بشيء من ذلك فقد ضل لأن الكفر ببعضه كفر بكله . ألا ترى كيف قدم الأمر بالإيمان به جميعا .

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية