الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2038 2145 - حدثنا قتيبة ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا أيوب ، عن محمد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : نهي عن لبستين : أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ، ثم يرفعه على منكبه ، وعن بيعتين : اللماس ، والنباذ . [انظر : 368 - مسلم: 1511 - فتح: 4 \ 358]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المنابذة ، وهي : طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه ، ونهى عن الملامسة ، والملامسة : لمس الثوب لا ينظر إليه .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي هريرة قال : نهي عن لبستين : أن يحتبي الرجل في الثوب الواحد ، ثم يرفعه على منكبه ، وعن بيعتين : اللماس ، والنباذ .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              تعليق أنس أسنده في باب بيع المخاضرة ، كما سيأتي ، وهو من أفراده . وحديث أبي سعيد وأبي هريرة أخرجهما مسلم ، وسلف الثاني [ ص: 368 ] في تفسير الاحتباء . وسعيد (خ . م . س) بن عفير هو ابن كثير بن عفير .

                                                                                                                                                                                                                              روى مسلم عن رجل عنه . وعامر بن سعد هو ابن أبي وقاص ، له أربعة عشر أخا وست عشرة أختا ، منهن عائشة .

                                                                                                                                                                                                                              والملامسة : أن يلمس ثوبا مطويا ثم يشتريه على ألا خيار له إذا رآه ، أو يقول : إذا لمسته فقد بعتكه ، أو يبيعه شيئا على أنه متى لمسه فقد لزم البيع وسقط الخيار .

                                                                                                                                                                                                                              ووجه البطلان في الأول أنه بيع غائب ، وفي الثاني : التعليق والعدول عن الصيغة الشرعية ، وفي الثالث : الشرط الفاسد ، وفيه احتمال تفريعا على صحة نفي خيار الرؤية ، وعلى التأويل الثاني له حكم المعاطاة .

                                                                                                                                                                                                                              والمنابذة : فسرها في الحديث كما سلف ، وهي مفاعلة من نبذه ينبذه إذا طرحه ، فيجعلان النبذ بيعا قائما مقام الصيغة ويجيء فيه خلاف المعاطاة ، فإن المنابذة مع قرينة البيع هي نفس المعاطاة . ولها تفسير ثان : وهو أن يقول : بعتك على أني إذا نبذته إليك لزم البيع . وثالث وهو أن المراد نبذ الحصاة ، والكل باطل .

                                                                                                                                                                                                                              وعبارة ابن حبان في "صحيحه" : المنابذة أن ينبذ المشتري ثوبا إلى البائع وينبذ البائع إلى المشتري ثوبا ، فيبيع أحدهما بالآخر على أنهما إذا وقفا بعد ذلك على الطول والعرض لا يكون لهما الخيار إلا ذلك النبذ فقط .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 369 ] وظهر أن بيع الملامسة والمنابذة غير جائز ، وهو من بيع الغرر والقمار ; لأنه إذا لم يتأمل ما اشتراه ولا علم صفته فلا يدري حقيقته وهو من أكل المال بالباطل .

                                                                                                                                                                                                                              وقد سلف اختلاف العلماء في بيع الأعيان الغائبة . قال مالك : لا يجوز بيعها حتى يتواصفا ، فإن وجد على الصفة لزم المشتري ، ولا خيار له إذا رآه ، وإن كان على غيرها فله الخيار ، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور ، وروي مثله عن محمد بن سيرين ، وحكاه ابن حزم عن أيوب والحارث العكلي والحكم وحماد .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري : يجوز بيع الغائب على الصفة وغير الصفة ، وللمشتري خيار الرؤية إن وجد على الصفة ، وروي مثله عن ابن عباس والشعبي والنخعي والحسن البصري ومكحول والأوزاعي وسفيان ، وللشافعي قولان : أحدهما كقول أبي حنيفة ، وأظهرهما المنع ، وهو قول الحكم وحماد فيما حكاه ابن بطال . واحتج الشافعي بأن مالكا لم يجز بيع الثوب المدرج في جرابه ، ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشرا وينظر إلى ما في جوفهما ، وذلك من الغرر ، وأجاز بيع الأعدال على الصفة والبرنامج ، فأجاز الغرر الكثير ومنع اليسير ، فيقال له : قد سئل مالك عن هذا فقال : فرق ما بين ذلك الأمر المعمول به وما مضى من عمل الماضين ، أن بيع البرنامج لم يزل من بيوع الناس الجائزة بينهم ، وأنه لا يراد به الغرر ولا يشبه الملامسة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 370 ] واحتج الكوفيون على الجواز بأنه - عليه السلام - نهى عن بيع الحب حتى يشتد ، فدل ذلك على إباحة بيعه بعدما يشتد وهو في سنبله ، لأنه لو لم يكن كذلك لقال : حتى يشتد ويزال من سنبله ، فلما جعل الغاية في البيع المنهي عنه هي شدته ويبوسته دل على أن البيع بعد ذلك بخلاف ما كان عليه في أول أمره ، ودل ذلك على جواز بيع ما لا يراه المتبايعان إذا كانا يرجعان منه إلى معلوم ، كما يرجع في الحنطة المبيعة المغيبة في السنبل إلى حنطة معلومة ، واحتجوا بأن الصحابة تبايعوا الأشياء الغائبة ، فباع عثمان من طلحة دارا بالكوفة بدار بالبصرة ، وباع عثمان من عبد الرحمن فرسا بأرض له ، وباع ابن عمر من عثمان مالا له بالوادي بمال له بخيبر ، وليس في الأحاديث عنهم صفة شيء من ذلك واحتج الأولون بأن تبايع الصحابة الأشياء الغائبة محمول إما على الصفة ، أو على خيار الرؤية ، وفي الخبر أن عثمان قيل له : غبنت ، قال : لا أبالي لي الخيار إذا رأيت ، فترافعا إلى جبير بن مطعم ، فقضى بالبيع وجعل الخيار لعثمان ، لأجل الغبن .

                                                                                                                                                                                                                              وقد صحت الأخبار بنهيه عن الملامسة والمنابذة وشبههما أن المبيع كان يدخل في ملك المبتاع قبل تأمله إياه ووقوفه على صفته ، وكل ما اشتري كذلك من غير رؤية ولا صفة فحكمه حكم بيع الملامسة [ ص: 371 ] والمنابذة ، ومن منع البيع على صفة والبرنامج ; لأنه من بيوع الغرر ، فقد يجاب بأن الصفة تقوم مقام المعاينة ، لأن العلم يقع بحاسة السمع والشم والذوق كما يقع بحاسة العين ، وقد أجاز الجميع بيع المصبر ، والجوز في قشرته ، والحب في سنبله ، للحاجة في ذلك ، ولأن القصد لم يكن إلى الغرر ; فلذلك يجوز بيع الأعيان على الصفة والبرنامج ; لضرورة الناس إلى البيع ; لأنهم لو منعوا منه منعوا من وجه يرتفقون به من فتح الأعدال ونشرها ، لمشقة ذلك عليهم ، فلأنه قد لا يشتريها من يراها فجاز بيعها على الصفة ، لأنها تقوم مقام العيان كما في السلم ، وجواز بيعه لجواز بيع العين ، وليس الأعدال كالثوب الواحد المطوي أو الثوبين ; لأن نشرهما وطيهما لا مؤنة فيه ولا ضرر ، وقد قال - عليه السلام - : "لا تصف المرأة المرأة لزوجها كأنه ينظر إليها" فأقام الصفة مقام الرؤية .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية