الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 205 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين ( 49 ) أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون ( 50 ) )

يقول تعالى ذكره : وإن يكن الحق لهؤلاء الذين يدعون إلى الله ورسوله ليحكم بينهم فيأبون ويعرضون عن الإجابة إلى ذلك ، قبل الذين يدعونهم إلى الله ورسوله - يأتوا إلى رسول الله مذعنين ، يقول : مذعنين منقادين لحكمه ، مقرين به طائعين غير مكرهين ، يقال منه : قد أذعن فلان بحقه إذا أقر به طائعا غير مستكره وانقاد له وسلم .

وكان مجاهد فيما ذكر عنه يقول في ذلك ما حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : ( يأتوا إليه مذعنين ) قال : سراعا .

وقوله : ( أفي قلوبهم مرض ) يقول تعالى ذكره : أفي قلوب هؤلاء الذين يعرضون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ، شك في رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه لله رسول ، فهم يمتنعون من الإجابة إلى حكمه والرضا به ( أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله ) إذا احتكموا إلى حكم كتاب الله وحكم رسوله وقال : ( أن يحيف الله عليهم ورسوله ) والمعنى : أن يحيف رسول الله عليهم ، فبدأ بالله تعالى ذكره تعظيما لله ، كما يقال : ما شاء الله ثم شئت ، بمعنى شئت . ومما يدل على أن معنى ذلك كذلك قوله : ( وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم ) فأفرد الرسول بالحكم ، ولم يقل : ليحكما .

وقوله : ( بل أولئك هم الظالمون ) يقول : ما خاف هؤلاء المعرضون عن حكم الله وحكم رسوله ، إذ أعرضوا عن الإجابة إلى ذلك مما دعوا إليه ، أن يحيف عليهم رسول الله ، فيجور في حكمه عليهم ، ولكنهم قوم أهل ظلم لأنفسهم بخلافهم أمر ربهم ، ومعصيتهم الله فيما أمرهم من الرضا بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أحبوا وكرهوا ، والتسليم له .

التالي السابق


الخدمات العلمية