الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( باب ما يجب فيه الزكاة )

( الفصل الأول )

1794 - عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ، وليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة " . متفق عليه .

التالي السابق


( باب ما تجب فيه الزكاة )

الفصل الأول

1794 - ( عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس فيما دون خمسة أوسق ) جمع وسق بفتح الواو وسكون السين على ما في النهاية والقاموس ، وأما قول ابن حجر بفتح أوله أفصح من كسره فغير مشهور ، والله أعلم به ، وهي ستون صاعا ، وكل صاع أربعة أمداد ، وكل مد رطل وثلث رطل عند الحجازيين ، وهو قول الشافعي ، وأبي يوسف ، وعند أبي حنيفة كل مد رطلان ، والرطل مائة وثلاثون درهما ، كذا ذكره ابن الملك ، قال الطيبي : قيل الوسق حمل البعير ، كما أن الوقر حمل البعير ، والبغال ، وقدر بستين صاعا . اهـ ، ويؤيده أنه ورد ستون صاعا في حديث صححه ابن حيان وحسنه المنذري ، لكن ضعفه النووي ، قال ابن الهمام : وقال بعض أئمتنا خمسة أوسق قدر ثمانمائة من كل من مائتي درهم وستين درهما ( من التمر ) التاء المثناة وفي رواية مسلم بالمثلثة كذا حققه ابن الهمام ( صدقة ) قال المظهر : هذا دليل لمذهب الشافعي وكذا الحال في الزبيب والحبوب ، وعند أبي حنيفة : يجب في القليل والكثير من الحبوب والتمر والزبيب وغيرها ، من النبات ، قال الطيبي : وإنما خصت هذه الأشياء الثلاثة بالذكر لأن الأول والثالث باعتبار بلاد العرب ، والثاني عام ، وقالابن الملك : فيه حجة لأبي يوسف ومحمد في عده وجوب حتى تبلغ خمسة أوسق ، وأوله أبو حنيفة بأن المراد منه زكاة التجارة ، لأن الناس كانوا يتبايعون بالأوساق ، وقيمة الوسق أربعون درهما ، وأما قول ابن حجر واستدل أصحابه لذلك بما لا يقاوم هذا الحديث بل ولا يقاربه فمردود بما سنذكره ( وليس فيما دون خمسة أواق ) بفتح الهمزة جمع أوقية بالهمزة المضمومة ، وتشديد الياء والجمع ، قد يشدد فيقال أواق كبخاتي جمع بختية ، وقد يخفف ويقال أواق وهي أربعون درهما في الشرع ، وهي أوقية الحجاز وأهل مكة ، كذا ذكره ابن الملك ، وقال الطيبي : كانت الأوقية قديما عبارة عن أربعين درهما ، وهي في غير الحديث نصفه سدس الرطل ، وهي جزء من اثني عشر جزءا ويختلف باختلاف البلاد ، والهمزة زائدة ، قال ابن الهمام : وهي من الوقاية ، لأنها تقي صاحبها الحاجة ، وقال العسقلاني : أواق بالتنوين وبإثبات التحتانية مشددا وتخفيفا جمع أوقية ، بضم الهمزة وتشديد الياء التحتانية ، وحكي : وقية بحذف الألف وفتح الواو . اهـ ، وأما قول ابن حجر : وهمزتها زائدة ومن ثم جاء في حديث وقية فالظاهر أنه غير ثابت بدليل أن العسقلاني عبر عنه بحكي ، ثم مقدار الوقية في هذا الحديث أربعون درهما بالاتفاق ( من الورق ) بكسر الراء وسكونها أي الفضة مضروبة كانت أو غيرها [ ص: 1280 ] ( صدقة ) والاقتصار عليها لأنها الأغلب ، وأما نصاب الذهب فعشرون مثقالا ، ولا زكاة فيما دونها ( وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة ) روي بالإضافة ، وروي بتنوين خمس فيكون ذود بدلا عنها ، لكن الرواية المشهورة هي الأولى ، والمراد منه خمس إبل من الذود ، لا خمس أذواد كذا في شرح المشارق لابن الملك ، قال الطيبي : الذود من الإبل قيل : ما بين الاثنين إلى التسع ، وقيل : ما بين الثلاث إلى العشرة ، واللفظ مؤنث لا واحد له من لفظه ، قال ابن همام : وقد استعمل هنا في الواحد على نظير استعمال الرهط في قوله - تعالى - تسعة رهط اهـ ، وقال الطيبي : قال أبو عبيد : الذود من الإناث دون الذكور ، والحديث عام لأن الزكاة تجب فيهما ، قيل : إن إضافة الخمس إلى الذود من حقها أن تضاف إلى الجمع لأن فيه معنى الجمعية ، وقيل : روي خمس منونا فيكون ذود بدلا عنه ، ومن الإبل صفة مؤكدة لذود ، بخلاف الورق ، ومن التمر ، فإنهما مميزتان ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه الأربعة ، قال ابن الهمام : رواه البخاري في حديث طويل ، ومسلم ، ولفظه : " ليس في حب ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمس أوسق " ، ثم أعاده من طريق آخر غير أنه قال بدل تمر ثمر بالمثلثة ، فعلم أن الأول بالمثناة ، وزاد أبو داود فيه : والوسق ستون مختوما ، وابن ماجه : والوسق ستون صاعا ، ولأبى حنيفة ما أخرجه البخاري عنه - صلى الله عليه وسلم - فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر ، وروى مسلم عنه - صلى الله عليه وسلم - : " فيما سقت الأنهار والغيم العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر " وفيه من الآثار أيضا ما أخرجه عبد الرازق عن عمر بن عبد العزيز قال : فيما أنبتت الأرض من قليل وكثير العشر ، وأخرج نحوه عن مجاهد وإبراهيم النخعي ، والحاصل أنه تعارض عام ، أو يقول يتعارضان ، ويطلب الترجيح إن لم يعرف التاريخ ، وإن عرف فالمتأخر ناسخ ، وإن كان العام كقولنا يجب أن يقول بموجب هذا العام هنا ، لأنه لما تعارض مع حديث الأوساق في الإيجاب فيما دون الخمسة أوسق كان الإيجاب أولى للاحتياط ، فمن تم له المطلوب في نفس الأصل الخلافي تم له هنا ، ولولا خشية الخروج عن الغرض لأظهرنا صحته مستعينا بالله ، وإذا كان كذلك فإن هذا البحث يتم على الصاحبين لالتزامهما الأصل المذكور ، وما ذكروه من حمل مرويهما على زكاة التجارة طريقة الجمع بين الحديثين . اهـ ، كلام المحقق ابن الهمام : والله أعلم بالمرام .




الخدمات العلمية