الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكفرين أمثالها تفريع على جملة والذين كفروا فتعسا لهم الآية ، وتقدم القول في نظائر أفلم يسيروا في الأرض في سورة الروم وفي سورة غافر .

والاستفهام تقريري ، والمعنى : أليس تعس الذين كفروا مشهودا عليه بآثاره من سوء عاقبة أمثالهم الذين كانوا قبلهم يدينون بمثل دينهم .

وجملة دمر الله عليهم استئناف بياني ، وهذا تعريض بالتهديد . والتدمير : الإهلاك والدمار وهو الهلك .

[ ص: 88 ] وفعل ( دمر ) متعد إلى المدمر بنفسه ، فيقال : دمرهم الله ، وإنما عدي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوة التدمير ، فحذف مفعول دمر لقصد العموم ، ثم جعل التدمير واقعا عليهم فأفاد معنى دمر كل ما يختص بهم ، وهو المفعول المحذوف ، وأن التدمير واقع عليهم فهم من مشموله .

وجملة وللكافرين أمثالها اعتراض بين جملة أفلم يسيروا في الأرض وبين جملة ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا . والمراد بالكافرين : كفار مكة والمعنى : ولكفاركم أمثال عاقبة الذين من قبلهم من الدمار وهذا تصريح بما وقع به التعريض للتأكيد بالتعميم ثم الخصوص .

وأمثال : جمع مثل بكسر الميم وسكون الثاء ، وجمع الأمثال لأن الله استأصل الكافرين مرات حتى استقر الإسلام فاستأصل صناديدهم يوم بدر بالسيف ، ويوم حنين بالسيف أيضا ، وسلط عليهم الريح يوم الخندق فهزمهم وسلط عليهم الرعب والمذلة يوم فتح مكة ، وكل ذلك مماثل لما سلطه على الأمم في الغاية منه وهو نصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودينه ، وقد جعل الله ما نصر به رسوله - صلى الله عليه وسلم - أعلى قيمة بكونه بيده وأيدي المؤمنين مباشرة بسيوفهم وذلك أنكى للعدو .

وضمير " أمثالها " عائد إلى عاقبة الذين من قبلهم باعتبار أنها حالة سوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية