الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب )

قال أبو جعفر : ذكر أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل الكتابين تنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم لبعض . . .

ذكر من قال ذلك :

1811 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير ، قالا جميعا - حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس قال ، لما قدم أهل نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أتتهم أحبار يهود ، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رافع بن حريملة : [ ص: 514 ] ما أنتم على شيء ، وكفر بعيسى ابن مريم وبالإنجيل ، فقال رجل من أهل نجران من النصارى : ما أنتم على شيء ، وجحد نبوة موسى وكفر بالتوراة . فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهما : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) ، إلى قوله : ( فيما كانوا فيه يختلفون )

1812 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) ، قال : هؤلاء أهل الكتاب الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم .

قال أبو جعفر : وأما تأويل الآية ، فإن قالت اليهود : ليست النصارى في دينها على صواب! ، وقالت النصارى : ليست اليهود في دينها على صواب! وإنما أخبر الله عنهم بقيلهم ذلك للمؤمنين ، إعلاما ، منه لهم بتضييع كل فريق منهم حكم الكتاب الذي يظهر الإقرار بصحته وبأنه من عند الله ، وجحودهم مع ذلك ما أنزل الله فيه من فروضه ، لأن الإنجيل الذي تدين بصحته وحقيته النصارى ، يحقق ما في التوراة من نبوة موسى عليه السلام ، وما فرض الله على بني إسرائيل فيها من الفرائض ، وأن التوراة التي تدين بصحتها وحقيتها اليهود تحقق نبوة عيسى عليه السلام ، وما جاء به من الله من الأحكام والفرائض .

ثم قال كل فريق منهم للفريق الآخر ما أخبر الله عنهم في قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) ، مع تلاوة كل واحد من الفريقين كتابه الذي يشهد على كذبه في قيله ذلك ، فأخبر - جل ثناؤه - أن كل فريق منهم قال ما قال من ذلك ، على علم منهم أنهم فيما قالوه مبطلون ; وأتوا ما أتوا من كفرهم بما كفروا به على معرفة منهم بأنهم فيه ملحدون . [ ص: 515 ]

فإن قال لنا قائل : أوكانت اليهود والنصارى بعد أن بعث الله رسوله على شيء ، فيكون الفريق القائل منهم ذلك للفريق الآخر مبطلا في قيله ما قال من ذلك؟

قيل : قد روينا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس قبل ، من أن إنكار كل فريق منهم ، إنما كان إنكارا لنبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي ينتحل التصديق به ، وبما جاء به الفريق الآخر ، لا دفعا منهم أن يكون الفريق الآخر في الحال التي بعث الله فيها نبينا صلى الله عليه وسلم على شيء من دينه ، بسبب جحوده نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وكيف يجوز أن يكون معنى ذلك إنكار كل فريق منهم أن يكون الفريق الآخر على شيء بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم ، وكلا الفريقين كان جاحدا نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحال التي أنزل الله فيها هذه الآية؟ ولكن معنى ذلك : وقالت اليهود : ليست النصارى على شيء من دينها منذ دانت دينها ، وقالت النصارى : ليست اليهود على شيء منذ دانت دينها . وذلك هو معنى الخبر الذي رويناه عن ابن عباس آنفا ، فكذب الله الفريقين في قيلهما ما قالا . كما : -

1813 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء ) ، قال : بلى ! قد كانت أوائل النصارى على شيء ، ولكنهم ابتدعوا وتفرقوا ، وقالت النصارى : ( ليست اليهود على شيء ) ، ولكن القوم ابتدعوا وتفرقوا .

1814 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج : ( وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء ) ، قال : قال مجاهد : قد كانت أوائل اليهود والنصارى على شيء .

وأما قوله : ( وهم يتلون الكتاب ) ، فإنه يعني به كتاب الله التوراة والإنجيل ، [ ص: 516 ] وهما شاهدان على فريقي اليهود والنصارى بالكفر ، وخلافهم أمر الله الذي أمرهم به فيه . كما : -

1815 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة بن الفضل - قالا جميعا ، حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة ، عن ابن عباس في قوله : ( وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم ) ، أي : كل يتلو في كتابه تصديق ما كفر به : أي يكفر اليهود بعيسى وعندهم التوراة فيها ما أخذ الله عليهم من الميثاق على لسان موسى بالتصديق بعيسى عليه السلام ، وفي الإنجيل مما جاء به عيسى تصديق موسى ، وما جاء به من التوراة من عند الله ; وكل يكفر بما في يد صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية