الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( كل له قانتون ( 116 ) )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : مطيعون .

ذكر من قال ذلك :

1850 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( كل له قانتون ) ، مطيعون .

1851 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : ( كل له قانتون ) ، قال : مطيعون . قال : طاعة الكافر في سجود ظله .

1852 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بمثله ، إلا أنه زاد : بسجود ظله وهو كاره .

1853 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : ( كل له قانتون ) ، يقول : كل له مطيعون يوم القيامة .

1854 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني يحيى بن سعيد ، عمن ذكره ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، قال : الطاعة .

1855 - حدثت عن المنجاب بن الحارث قال : حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : ( قانتون ) ، مطيعون . [ ص: 539 ]

وقال آخرون : معنى ذلك كل له مقرون بالعبودية .

ذكر من قال ذلك :

1856 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة : ( كل له قانتون ) ، كل مقر له بالعبودية .

وقال آخرون بما : -

1857 - حدثني به المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : ( كل له قانتون ) ، قال : كل له قائم يوم القيامة .

ول " القنوت " في كلام العرب معان : أحدها الطاعة ، والآخر القيام ، والثالث الكف عن الكلام والإمساك عنه .

وأولى معاني "القنوت" في قوله : ( كل له قانتون ) ، الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية ، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة ، والدلالة على وحدانية الله عز وجل ، وأن الله تعالى ذكره بارئها وخالقها . وذلك أن الله - جل ثناؤه - أكذب الذين زعموا أن لله ولدا بقوله : ( بل له ما في السماوات والأرض ) ، ملكا وخلقا ، ثم أخبر عن جميع ما في السماوات والأرض أنها مقرة بدلالتها على ربها وخالقها ، وأن الله تعالى بارئها وصانعها . وإن جحد ذلك بعضهم ، فألسنتهم مذعنة له بالطاعة ، بشهادتها له بآثار الصنعة التي فيها بذلك ، وأن المسيح أحدهم ، فأنى يكون لله ولدا وهذه صفته؟

وقد زعم بعض من قصرت معرفته عن توجيه الكلام وجهته ، أن قوله : ( كل له قانتون ) ، خاصة لأهل الطاعة وليست بعامة ، وغير جائز ادعاء خصوص في آية عام ظاهرها ، إلا بحجة يجب التسليم لها ، لما قد بينا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" .

وهذا خبر من الله - جل وعز - عن أن المسيح - الذي زعمت النصارى أنه ابن الله - [ ص: 540 ] مكذبهم هو والسماوات والأرض وما فيها ، إما باللسان ، وإما بالدلالة ، وذلك أن الله - جل ثناؤه - أخبر عن جميعهم ، بطاعتهم إياه ، وإقرارهم له بالعبودية ، عقيب قوله : ( وقالوا اتخذ الله ولدا ) ، فدل ذلك على صحة ما قلنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية