الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      217 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الماء من الماء وكان أبو سلمة يفعل ذلك

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( وكان أبو سلمة يفعل ذلك ) : فهو لا يرى الغسل واجبا على من أدخل في الفرج ولم ينزل ، وذهب إلى حديث الماء من الماء .

                                                                      واعلم أن قليلا من الصحابة والتابعين ذهبوا إلى أن لا غسل إلا من الإنزال وهو مذهب داود الظاهري . وذهب الجمهور إلى إيجاب الغسل بمجرد التقاء الختانين بعد غيبوبة الحشفة وهو الصواب . واستدل الفريق الأول بأحاديث : منها حديث أبي سعيد [ ص: 283 ] الخدري قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجر إزاره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعجلنا الرجل ، فقال عتبان : أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما الماء من الماء أخرجه مسلم . ومنها حديث زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان فقال : أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن ، قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . فسألت عن ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب ، فأمروه بذلك . أخرجه الشيخان واللفظ للبخاري .

                                                                      واحتج الفريق الثاني أيضا بأحاديث منها حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل أخرجه الشيخان ، زاد مسلم في رواية مطر " وإن لم ينزل " وأخرجه المؤلف أيضا بزيادة " وألزق الختان بالختان " كما مر .

                                                                      ومنها حديث عائشة قالت إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل هل عليهما الغسل وعائشة جالسة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل أخرجه مسلم .

                                                                      وأجابوا عن الأحاديث التي استدل بها الفريق الأول بأنها منسوخة ، وقالوا : إن عدم الاغتسال بغير الإنزال كان في بدء الإسلام ثم نسخ . واحتجوا على النسخ برواية أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب ، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك . قال الحافظ : ولهذا الإسناد أيضا علة أخرى ذكرها ابن أبي حاتم . وفي الجملة هو إسناد صالح لأن يحتج به وهو صريح في النسخ ، انتهى . وبرواية أبي موسى قال " اختلف في ذلك رهط من المهاجرين والأنصار فقال الأنصاريون : لا يجب الغسل إلا من الدفق أو من الماء ، وقال المهاجرون : بل إذا خالط وجب الغسل قال أبو موسى : فأنا أشفيكم من ذلك ، فقمت فاستأذنت على عائشة ، فأذن لي فقلت لها : يا أماه - أو يا أم المؤمنين - إني أريد أن أسألك عن شيء وإني أستحييك فقالت : لا تستحي أن تسألني عما كنت سائلا عنه أمك التي ولدتك فإنما أنا أمك ، قلت : فما يوجب الغسل ؟ قالت : على الخبير سقطت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل أخرجه مسلم .

                                                                      وهاهنا روايات أخر تدل على نسخ حديث الماء من الماء وما في معناه مذكورة في [ ص: 284 ] غاية المقصود . قال في سبل السلام : حديث الغسل وإن لم ينزل أرجح لو لم يثبت النسخ لأنه منطوق في إيجاب الغسل وذلك مفهوم ، والمنطوق مقدم على العمل بالمفهوم وإن كان المفهوم موافقا للبراءة الأصلية ، والآية تعضد المنطوق في إيجاب الغسل ، فإنه تعالى قال وإن كنتم جنبا فاطهروا قال الشافعي : إن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال . قال فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل ولم يختلف أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع وإن لم يكن منه إنزال . انتهى فتعاضد الكتاب والسنة على إيجاب الغسل من الإيلاج . انتهى كلام صاحب السبل . قلت : ومما يؤيد النسخ أن بعض من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة أفتى بوجوب الغسل ورجع عن الأول . أخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : إذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل . قلت : وثبت الرجوع عن علي وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهم أيضا ، فالحق ما ذهب إليه الجمهور .




                                                                      الخدمات العلمية