الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ومنها أي من مفسدات الصلاة الكلام عمدا أو سهوا ، وقال الشافعي : كلام الناسي لا يفسد الصلاة إذا كان قليلا وله في الكثير قولان واحتج بما روي عن أبي هريرة أنه قال { : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي إما الظهر وإما العصر فسلم على رأس الركعتين فخرج سرعان القوم فقام رجل يقال له ذو اليدين فقال : يا رسول الله ، أقصرت الصلاة أم نسيت ؟ فقال : صلى الله عليه وسلم كل ذلك لم يكن ، فقال : والذي بعثك بالحق لقد كان بعض ذلك ، ثم أقبل على القوم وفيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال صلى الله عليه وسلم : أحق ما يقول ذو اليدين ؟ فقالا : نعم صدق ذو اليدين صليت ركعتين فقام وصلى الباقي وسجد سجدتي السهو بعد السلام } فالنبي صلى الله عليه وسلم تكلم ناسيا فإن عنده أنه كان أتم الصلاة وذو اليدين تكلم ناسيا فإنه زعم أن الصلاة قد قصرت ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستقبل الصلاة ولم يأمر ذا اليدين ولا أبا بكر ولا عمر بالاستقبال وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { : رفع عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه } ولأن كلام الناسي بمنزلة سلام الناسي وذلك لا يوجب فساد الصلاة وإن كان كلاما ; لأنه خطاب الآدميين ولهذا يخرج عمده من الصلاة وكذا هذا ، ولنا ما روينا من حديث البناء وهو قوله صلى الله عليه وسلم { وليبن على صلاته ما لم يتكلم } جوز البناء إلى غاية التكلم فيقضي انتهاء الجواز بالتكلم .

                                                                                                                                وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال { : خرجنا إلى الحبشة وبعضنا يسلم على بعض في صلاته فلما قدمت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فسلمت عليه فلم يرد علي فأخذني ما قدم وما حدث فلما سلم قال : يا ابن أم عبد إن الله تعالى يحدث من أمره ما يشاء وإن مما أحدث أن لا نتكلم في الصلاة } .

                                                                                                                                وروي عن معاوية بن الحكم السلمي أنه قال { : صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطس بعض القوم فقلت يرحمك الله فرماني بعض القوم بأبصارهم فقلت واثكل أماه ما لي أراكم تنظرون إلي شزرا فضربوا أيديهم على أفخاذهم فعلمت أنهم يسكتونني فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم دعاني فوالله ما رأيت معلما أحسن تعليما منه ما نهرني ولا زجرني ولكن قال : إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس [ ص: 234 ] إنما هي التسبيح والتهليل وقراءة القرآن } ، وما لا يصلح في الصلاة فمباشرته مفسدة للصلاة كالأكل والشرب ونحو ذلك ، ولهذا لو كثر كان مفسدا ولو كان النسيان فيها عذرا لاستوى قليله وكثيره كالأكل في باب الصوم ، وحديث ذي اليدين محمول على الحالة التي كان يباح فيها التكلم في الصلاة وهي ابتداء الإسلام بدليل أن ذا اليدين وأبا بكر وعمر رضي الله عنهم تكلموا في الصلاة عامدين ولم يأمرهم بالاستقبال مع أن الكلام العمد مفسد للصلاة بالإجماع ، والرفع المذكور في الحديث محمول على رفع الإثم والعقاب ونحن نقول به والاعتبار بسلام الناسي غير سديد فإن الصلاة تبقى مع سلام العمد في الجملة وهو قوله : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، والنسيان دون العمد فجاز أن تبقى مع النسيان في كل الأحوال ، وفقهه أن السلام بنفسه غير مضاد للصلاة لما فيه من معنى الدعاء إلا أنه إذا قصد به الخروج في أوان الخروج جعل سببا للخروج شرعا ، فإذا كان ناسيا وبقي عليه شيء من الصلاة لم يكن السلام موجودا في أوانه فلم يجعل سببا للخروج بخلاف الكلام فإنه مضاد للصلاة ; ولأن النسيان في أعداد الركعات يغلب وجوده فلو حكمنا بخروجه عن الصلاة يؤدي إلى الحرج فأما الكلام فلا يغلب وجوده ناسيا فلو جعلناه قاطعا لا يؤدي إلى الحرج فبطل الاعتبار والله أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية